الأم: لن أتسامح مع من حرمني فرحتي الأولى
كانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف صباحا حين دخلنا حي القرابة بمدينة بن باديس الواقعة غرب سيدي بلعباس بأزيد من 40 كلم، مكان تواجد مسكن الطفل الضحية غنيم محمد نجيب، حالة من الحزن والكآبة بادية على وجوه الجيران وأبناء الحي عموما، تعكس مدى تأثرهم بالواقعة الأليمة التي ألمت بالعائلة وبمدينة بأكملها.
أول شخص التقيناه وتكلمنا معه كان جد الضحية الذي قادنا إلى الوالد الجيلالي غنيم وهو أب لثلاثة أطفال يشتغل بناءا ومتزوج منذ قرابة الثمانية سنوات.
بقلب يملؤه قدر كبير من الإيمان وصبر ليس كمثل صبر إستقبلنا الأب وفتح لنا قلبه راجيا منا إيصال رسالته بكل أمانة ومصداقية، متضرعا إلى الله عز وجل أن يخفف من مصيبته في فقدان أغلى ما يملك إبنه البكر محمد نجيب المكنى بحمودة صاحب الثمانية سنوات ونصف والذي غدرت به أيادي الإجرام ليس لشيء سوى لأنه يمثل البراءة بمعناها الحقيقي.
وأضاف الأب الجيلالي الذي لم يستوعب لحد الساعة حادثة مقتل إبنه بهذه الطريقة البشعة والتي يندى لها الجبين والتي لم يكن يوما ليتخيل حدوثها قائلا: “في ذلك اليوم خرج محمد كعادته للعب رفقة أصدقائه خاصة وأنه يوم عطلة نهاية الأسبوع وأنا كنت حينها أحضر قرعة مناسك الحج بالقاعة الرياضية ولدى عودتي حوالي الساعة العاشرة وجدته يلعب رفقة أخيه عبد الرحيم البالغ من العمر 5 سنوات، ومباشرة إتجهت للعمل ولدى عودتي مساءا على الساعة الرابعة والنصف بالضبط أخبرتني الزوجة بعدم رجوع حمودة منذ خروجه الساعة الواحدة بعد الظهيرة ومباشرة أسرعت للبحث عنه لكني لم أتخيل إحتمالية إختطاف إبني، فسألت رفقاءه والجيران، ليؤكد لي أخي أنه رآه بالقرب من الملعب وأمره بالتوجه للبيت، هذا وقمت بالبحث عنه عند جميع الأقارب والأهل وكذا بيت جدته التي اعتاد زيارتها لكنه لم يكن هناك، فبدأت الشكوك تنتابني، فقمت بإخطار المصالح الأمنية التي باشرت حملة تفتيش واسعة شارك فيها الجميع ودامت حتى الساعات الأولى للصباح، ليتم اكتشاف جثة حمودة من قبل مصالح الأمن مرمية على جذع شجرة في حقل لأشجار الزيتون ملك لجد الضحية، والواقع بأمتارعن مسكننا».
وأضاف الوالد أن الخبر كان كالصاعقة عليه وعلى كافة الأقارب وأبناء الحي خاصة وأنه إنسان بسيط ومسالم لا يملك أي عداوة مع أي طرف، وهو ما يرجح إمكانية تكرارسيناريو ميلود الشعيبي الطفل الذي قتل على يد ثلاثة إخوة وصديقهم الرابع من أبناء الحي بنفس المدينة شهر ديسمبر الماضي، بعد أن اختطفوه واعتدوا عليه جنسيا ومن تم قاموا بشنقه، ليتم توقيفهم وتحويلهم للعدالة بعد اعتراف أحدهم ومواجهة البقية بالأدلة العلمية القاطعة التي تثبت تورطهم في القضية.
وأضاف الوالد الجيلالي أن ثقته كبيرة في المصالح الأمنية التي تقف على التحقيقات للتوصل إلى الفاعلين توقيفهم، كما أن ثقته أكبر في الجهات القضائية لإنصاف إبنه الذي غدر به بأبشع الطرق في عمر الزهور والبراءة، وتسليط أقصى العقوبات الممكنة على الجناة ومجازاتهم بنفس طريقة إرتكابهم للجريمة.
وفي حديثنا مع أم محمد نجيب التي وجدناها في حالة نفسية جد متدهورة، حيث كانت تحتضن رضيعها عبد الرؤوف البالغ من العمر 7 أشهر في محاولة منها للتخفيف من آلامها العميقة عمق حبها لإبنها، وبلسان متثاقل وقوى منهكة أكدت أنها لن تتسامح مع من حرمها فرحتها الأولى وقسم قلب أم لن تجف دمعتها إلا بالقصاص من الجاني، وأضافت أنها لن تسمح لإبنها عبد الرحيم بمزاولة دراسته بالقسم التحضيري خوفا من تعرضه لمثل ما لحق بأخيه محمد، وأضافت أنها تعول على المصالح الأمنية للتقصي وتوقيف الجاني وتقديمه للعدالة التي ترجى منها إنصاف إبنها إنصافا تاما .
ذعر وخوف انتاب زملاء محمد
وبعد زيارتنا لمنزل عائلة غنيم توجهنا إلى مدرسة حمداوي بن عمر التي كان يدرس بها الطفل محمد نجيب، وهناك التقينا بالصدفة بمعلمته ب. جميلة التي كانت في مهمة لإستكمال وثائق العطلة المرضية، حيث صرحت لنا أنها اضطرت لأخذ عطلة مرضية بسبب الحالة النفسية التي أصابتها جراء ما حدث لتلميذ تعتبره بمثابة إبن لها وكذا بقية التلاميذ.
وأضافت أنها منذ يوم الحادثة لم تتمكن من دخول القسم ومشاهدة مكان جلوسه، وفي ردها عن سؤالنا حول الوضعية النفسية للتلاميذ قالت بأن العديد منهم خاصة من أقرباء محمد وأصدقائه المقربين امتنعوا عن الدراسة بسبب حالة الخوف التي انتابتهم، الأمر الذي يتطلب حسبها تكفلا نفسيا بهم ومساعدة حقيقية لتجاوز الأزمة، هذا وأضافت أن توعية الأطفال أضحت أكثر من ضرورة لتجنيبهم حالات الخطف والإعتداء ومختلف حالات العنف وهو ما يتطلب تظافر كل الجهود لكل من الأولياء، الأسرة التربوية، أبناء الحي والمجتمع عموما.
حضور غير مسبوق لجنازة الطفل واستنكار جماعي للظاهرة
أجمع سكان مدينة بن باديس وغيرهم ممن شاركوا في تشييع جنازة الطفل محمد نجيب والذين حضروا بالمئات من مختلف ربوع الولاية وحتى من الولايات المجاورة على التنديد بهذه الظاهرة الجديدة عن مجتمعنا والتي أضحت تنتشر وتتفاقم بشكل مقلق الأمر الذي يدعو إلى تكاثف الجهود لمحاربتها وحماية البراءة من الإغتصاب والقتل.
أكد العديد من أصدقاء محمد نجيب أن مدينة بن باديس والتي لطالما عرفت بهدوءها وسكينتها، عاشت ولمرتين على التوالي وفي ظرف شهرين فقط جريمتين من أبشع الجرائم وبنفس السيناريو تقريبا، اختطاف، اعتداء وقتل، حيث كانت البداية مع الطفل ميلود الشعيبي ثم الطفل غنيم محمد نجيب ثم الدور على من يتساءل السكان؟
وحيال هذا الوضع طالب هؤلاء بضرورة تكثيف الأمن لردع المنحرفين وتوفير الأمان لأبناء المنطقة، كما طالبوا بالقصاص من مرتكبي مثل هذه الجرائم في حق البراءة لردع كل من تسول له نفسه المساس بها أو الإعتداء عليها.
تحقيقات الدرك متواصلة للكشف عن الجاني
كشف ممثل خلية الإعلام والاتصال التابعة للمجموعة الإقليمية للدرك الوطني عبد الكريم بن جعطيط أن التحقيقات لا تزال متواصلة في قضية مقتل الطفل غنيم محمد نجيب، في انتظار ما ستسفر عنه نتائج الخبرة، بعد إرسال كافة العينات إلى مخبر البحث.
وحسب المعلومات الأولية المستقاة فإن ذات المصالح قامت بتوقيف العديد من المشتبه فيهم من أبناء الحي وإخضاعهم للتحقيقات، خاصة وأن المجرم وبإجماع عائلة الضحية ترصد عودة المتطوعين للبحث عن محمد إلى منازلهم ليلة الواقعة وقام بإخراجه ورميه بحقل الزيتون الذي تم تفتيشه أكثر من مرة ساعات قبل العثور عليه بعد أن قام بالاعتداء عليه جنسيا وخنقه حتى الموت.