الأدب لا يصنف نسويا أو رجاليا
شبكة التواصل وسعت حرية التعبير وأثرت المشهد الثقافي
حين يبزغ فجر الإبداع من حنايا سيدة اتقنت فن الحرف وتحدي الزمان من أجل أن تصبح الكلمة قوة توازي كل الثورات .. هنا نجد الأديبة والشاعرة سليمة مليزي رمزا من رموز ثورة القلم التي صمدت أمام كل العراقيل التي تعاني منها المرأة الجزائرية وخاصة الأم والمربية .استطاعت مليزي فرض نفسها أديبة وصحفية حققت نجاحا لا مثيل له تؤكده مؤلفاتها التي أثرت المكتبة الجزائرية.
اليوم تخوض مليزي معركة أخرى إنسانية، حيث منحت لها مؤخرا صفة سفيرة السلم والديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال إفريقا ممثلة عن المرأة الجزائرية في العالم العربي . صارعت من أجل أن تكون لها قامة بين نساء العالم رافعة المشعل مدافعة عن حقوق الإنسان.
سليمة مليزي تفتح قلبها وتجيب في حوار مع “الشعب” عن واقع المرأة المبدعة في الجزائر و تجربتها في مجال الأدب في عيدها العالمي.
- الشعب: ما يمثل الإبداع في أدب المرأة وأعمالها الفنية ؟ وما الذي يضيفه لشخصها وعالمها ؟
سليمة مليزي: الإبداع عند المرأة هو بمثابة التنفس الوحيد الذي تعبر به عن حياتها والذي يجب أن يتجاوز كل القيود والمحظورات .هو حديث عن موقع ومكانة وأهمية الإبداع النسوي في سيرورة الكتابة الأدبية ، و الأفق الواسع الذي يعبر عن كينونة الفرح عند الأنثى .. هو التعبير عن وجعها وفرحها وطموحها في الحياة، الإبداع هو ترسيخ مبادئ و أفكار تغذي العقلية الاجتماعية المتخلفة وتغيير فكرة أن المرأة ناقصة عقل .. لأن الأنثي هي الحياة هي الجوهر لبناء لبنة مجتمع ناجح وما تكمله الأديبة في جماليات الحياة سواءً كان فنا أوإبداعا أو أدبا فهي توصل الصورة الحقيقية التي تشعر بها المرأة وتعبر عن معاناتها أفضل من الرجل .. ونظرا إلى تعدد المجالات الفنية والأشكال الإبداعية التي بصمتها المرأة بخصوصيات أنثوية من شعر ورواية ومسرح وتشكيل، فهذا يؤهلها لأن تتصدر الساحة الإبداعية بكل استحقاق ، نرى أنها امتلكت عقول القراء لأنها بكل بساطة تملك إحساسا قويا للتعبير عن الحب.. الإبداع يضيف الكثير لشخصية المرأة ، يحررها من عقدة كونها أنثى ومحرم عليها البوح أو التعبير عن أفكارها التي تساهم في التفتح العقلي للأنثى، للأسف نرى أن الجرأة عند المرأة المبدعة ليست قوية مقارنة بالرجل.. لقد تجرّأت غادة السّمّان على البوح في حين صمتت جُلّ النّساء العربيّات لاسيما الأديبات منهنّ دون أن يلوّحن بكلمة أو اعتراف أو بوح،وهذا حق اختيار وليس ضعفاً منهن ، أوالأديبات فشؤونهنّ الخاصّة هي ملكهنّ،لا ملك أحد غيرهنّ،ولهنّ أن يصرّحن بتفاصيلها،أو أن يقرّرن دفنها في الظّل.
معوقات كسرت
- أي معوقات تواجه المرأة المبدعة في زمن الثورة الابداعية العجيبة التي لا حدود لها ؟
إذا قارنا العصر الحالي الذي فتح مجالا وسعا للأديب عموما من خلال التكنولوجيات الحديثة نرى أن للمرأة المبدعة الحق أن تعبر عن أفكارها وآرائها بكل حرية وتنشر إبداعاتها من خلال شبكة التواصل الاجتماعي والمنتديات والمجلات الإلكترونية هذه الحرية التي لم تكن متوفرة في عهدنا، بل أصبح لها أفق للتعبير أكثر والنشر والطبع بكل حرية .. هناك بعض المعوقات التي تواجهها هي هيمنة الرجل على الأديبة المتزوجة مثلا .. وللأسف الكثير لا يريدون أن تكون المرأة أقوى من الرجل لذلك هناك نوع من السيطرة على أفكارها ومحاولة لمنعها من خوض تجربتها الإبداعية ، لكن عموما الأديبة في هذا العصر لها الحظ للتعبير عن أفكارها والنشر والطبع بدون أي عراقيل .
= في ظل هذه الصيرورة هل هناك تغيير للصورة النمطية تجاه المرأة واعتبارها نصف المجتمع قولا وعملا ؟ أين نضع التغيير في معادلة تحرر المرأة؟
هذا المجتمع المتخلف الذي لم يدرك بعد أن المرأة المبدعة هي التي تصنع الدهشة في كتاباتها وتعبر بعمق عن الأحداث .. للأسف هذا المجتمع العربي الرجولي إن صح التعبير لا يزال يفكر أن المرأة ليس لها الحق أن تعبر عن واقع معاش بينما نعيش تدهورا في أخلاقيات المجتمع والانحلال الأخلاقي الذي يعيشه الكبت العربي .. وهذا طبعا يعالج من خلال كتابات المرأة من أجل التوعية للمجتمع وخلق أفق لتغييرها ، تحررالمرأة له مفهوم خاطئ ربما في أفكار هذا المجتمع ، التحرر هو الفكر والتخلص من عقدة الأنثى الضعيفة التي تسيطر عليها أفكار مجتمع محافظ لا يخدم أفكارها بقدر ما يعيقها عن مسارها الإبداعي والعلمي .. لذالك أنا أرى أن المسؤولية صعبة ومشتركة بين الرجل والمرأة هو إعادة تهيئة وتربية النشأ تربية فكرية سليمة من أجل بناء مجتمع متفتح يخدم هذا الوطن حتى يصبح للمرأة سواءً المثقفة أو العاملة مكانة مرموقة تحترم أفكارها من طرف المجتمع ولا ننسى أن المرأة هي القلب النابض للمجتمع .. إذا الحل في يدها أن تربي رجل المستقبل تربية حسنة متفتحة لا تعيق حريتها .
عدت بقوة وطموحي لا ينتهي
قيل ( إن وراء كل رجل عظيم امرأة) والصحيح أن المرأة المبدعة بحاجة إلى من يقف بجانبها ، مشجعا مؤازرا . ما تعليقك ؟
بالعكس ، أرى بأن وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة خاصة المرأة الجزائرية تضحي دائما من أجل أن ينجح زوجها وهذه حقيقة، والمرأة الجزائرية تضحي من طموحاتها وأفكارها من أجل أن تنجح عائلتها سواءً الزوج أو الأولاد والمثال أمامك أنا مثلا تخليت عن طموحي وأفكاري وابداعي من أجل أن أقف مع زوجي ونجاحاته وأيضاً من أجل تربية أبنائي تربية حسنة وسليمة تخدم المجتمع .. وغبت عن الساحة الأدبية لمدة 23 سنة .. لكنني عدت بقوة وهذا طبعا نابع من قوة فكري وطموحي الذي لا ينتهي ..وأنا ممتنة لجريدة الشعب التي نشرت أولى باكورة أعمالي في مجال القصة والمقالة ، وهاهي اليوم أيضا تفتح لي صفحاتها والعودة للنشر فيها.
كيف تنظرون إلى من يقسمون الأدب إلى نسوي وذكوري؟.
الأنوثــة: ظلت الثقافـة منذ إله اليونان أفروديت تحتفي بالأنوثـة، وقد فرقت بين الأنثى والذكر عن طريق خصائص بيولوجية وفيزيولوجية لكل منهما حيث استقر في الذاكرة على أن الأنثى هي سليلـة عشتار إله الشرق، وأفروديت إلـه اليونان. وبقيت هذه الصورة مهيمنـة على الثقافـة إلى يومنا هذا عابثة بجسد المرأة الفتي، القوي، القادر على الإغراء والمنح والخصب، لذلك نرى أن من العبث أن يصنف الأدب النسوي ويفرق عن الأدب الرجولي ... لماذا مثلا لا نقول الأدب الرجولي ونحصر فقط المرأة في هذه البوتقة التي تعيقها ذهنيا .. هناك جانب يمكن أن يفرقه القارئ بين أدب نسوي وأدب رجالي في التعبير من خلال ما تطرحه الأديبة من قضايا تعالج مشاكل المرأة والمجتمع لأنها هي التي تعبر عن وجعها.
- كيف تقيمين تجربتك الأدبية في ظل التزاوج بين الكتابة والإعلام . وإلى أي مدى يساهم الإبداع الأدبي في حرية التعبير ؟
تجربتي في الإبداع هي أنني عاصرت عصر النخبة والتميز وأيضا عدم حرية التعبير التي كانت منعدمة تماما ، رغم ذلك كنت محظوظة بعض الشيء كوني عملت في العديد من المجالات الأدبية و نشرت في جرائد يومية كانت تعد على الأصابع، وفتحت لي مجالا لخوض معركة الكتابة وأيضا أسست أول مجلة للأطفال في تاريخ الأدب الجزائري سنة 1984، و طبعا يعتبر نجاحا بالنسبة لي . عصر السرعة أصبح الإنسان يختصر فيه كل شئ، حتى فيما يخص الإبداع ظهر ما يسمى القصة الومضة قصيدة الهايكو التي لا تتعدى السطرين ..لأن عصر التكنولوجيات الحديثة أصبح يمشي بسرعة البرق لذلك نرى المقروئية نقصت كثيرا عما كانت عليه في الماضي، ربما هذا الشيء الذي نسميه تراجعا بالاهتمام بالإبداع ، لكن رغم هذا كما سبق وقلت بالعكس هناك تفتح عالمي على المبدعين والتواصل مع الكتاب العرب وإتاحة فرصة النشر أكثر مما يشجع على الإبداع .
تنتظرني مهمة صعبة
- هل هناك فكرة أو مشروع يراودك ولم تكتبي عنه لغاية الآن ؟
بعد عودتي للإبداع هناك صراع مع الزمن وهناك زخم يسكنني لم أكتبه بعد وما نعانيه من هموم ومشاكل خاصة في العالم العربي هو ما يحفزنا أن نكتب أكثر من أي وقت مضى عن آلامنا وأوجاعنا .. وأعتقد أن الأديب الذي لم يؤرخ مرحلة معينة من تاريخ وطنه أو أمته ليس له حق في ترسيخ اسمه مع كبار الكتاب في العالم ، وأيضا لا ننسى مهمتنا كأدباء أن نكتب عن الحب والسلم والأمن والحلم الجميل الذي ربما يساهم إبداعنا في خلق جو من الفرح وزرع الحب في قلوب الإنسانية .
أنا بدوري لدي مهمة صعبة إنسانية، حيث سأمثل المرأة الجزائرية التي تصارع من أجل حقوق المرأة والطفل، بإذن الله من خلال تعييني مؤخرا سفيرة السلم والديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ممثلة للجزائر، عينت من طرف منظمة دولية تابعة لمنهج الأمم المتحدة اليونيسيف من أجل حماية الطفولة المشردة والمرأة المظلومة التي لا تزال تعيش تحت أعراف وتقاليد تحكمها ذهنيات متخلفة وما خلفته الحروب الأهلية في العالم العربي ، أنتظر فقط التعيين الرسمي وانطلق في النشاط.