شكل تأخر عملية المصادقة على المخطط الدائم لحفظ وترميم قصبة دلس العتيقة وإنشاء وكالة محلية ملحقة تابعة للوكالة الوطنية للقطاع المحفوظ توكل إليها مهمة متابعة عملية الترميم وإعادة تهيئة الحي العتيق، هاجسا للمهتمين بالتراث المحلي وحتى هيئات وجمعيات ثقافية ومواطنين معنيين بترميم سكناتهم، من أجل الإسراع في إنقاذ هذا الصرح الحضاري من التدهور المستمر خاصة بعد زلزال 2003...
الكثير من الحبر ملأ صفحات الجرائد ووسائل الإعلام المختلفة ومنها جريدة «الشعب» التي تطرقت في أكثر من مرة إلى مصير المعلم الأثري لقصبة دلس الذي يعتبر أهم موقع حضاري وتاريخي بولاية بومرداس والجزائر ككل، بالنظر إلى أهميته كحاضنة عمرانية طبعت فصول طويلة من تاريخ المدينة العريق بداية من الفينيقيين إلى العثمانيين الذين أسسوا لهذا الصرح الفريد، وأسباب التماطل في تجسيد مخطط التهيئة الذي تبناه المجلس الشعبي الولائي سنة 2013.
وحسب مصدر من مديرية التراث لولاية بومرداس هو استمرار حالة الترقب لتاريخ صدور مرسوم وزراي بالجريدة الرسمية لتجسيد المخطط على أرض الواقع خاصة بعد أن طالبت وزارة الثقافة خمسة نسخ مؤخرا لهذا المخطط الشامل الذي راعى فيه مختلف مراحل وأطوار عملية إعادة الترميم بكل جوانبها الهندسية، التاريخية والاجتماعية للحفاظ على خصوصية وأصالة المعلم، مع الأخذ بعين الاعتبار انشغالات أصحاب السكنات الخاصة الذين ينتظروهم هم أيضا رخصة إعادة ترميم سكناتهم وفق الشروط القانونية وطريقة استفادتهم من الدعم الذي قدر بنسبة 50 بالمائة من تكلفة عملية الترميم وفق ذات المصدر.
كما أن الإشكال الأهم في كل هو استمرار الوضعية على حالها داخل الحي الذي تعرض للكثير من التجاوزات الخطيرة نتيجة غياب الرقابة وأعمال النهب التي طالت الحجارة والأبواب والنوافذ الخشبية المقوسة الأصلية، وحرم البلدية من مورد اقتصادي سياحي هام ظل لسنوات دون استغلال في ترقية النشاط السياحي وإعادة الحياة لأزقة القصبة العليا والسفلى التي تحوي حوالي 250 مسكن بكل ما كانت تزخر به من حيوية ونشاط اجتماعي وحرفي وتقاليد ضاربة في أعماق التاريخ، وبالتالي فإن الحديث عن أهمية المعلم ودوره الاجتماعي ومدى إعادة بحث الحياة مجددا في الحي يتوقف على انطلاق أشغال الترميم والتهيئة الشاملة من أجل إعادة إدماج الحرفيين وتوزيعهم والتحضير لاستقبال أفواج السياح بحي القصبة.
يذكر أن عملية الترميم السابقة في إطار المخطط الاستعجالي الذي جاء مباشرة بعد زلزال 2003، ومشروع تصنيف القصبة كتراث وطني من طرف وزارة الثقافة سنة 2005، حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا المعلم، تلتها عملية ترميم للزاوية القرآنية سيدي عمار، ضريح سيدي محمد الحرفي في قلب القصبة السفلى ومسجد الإصلاح العتيق بالقصبة العليا الذي تم تدشينه السنة الماضية على هامش فعاليات شهر التراث بحضور عدة شخصيات وطنية وأساتذة متخصصين في علم الآثار، منهم رئيس مؤسسة القصبة بلقاسم باباسي الذي هاله الوضع الكارثي للمعلم، حيث وعد حينذاك بعمل كل ما في وسعه لإنقاذ قصبة دلس التي وضعت لها النواة الأولى من طرف معز الدولة بن صمادح أحد أمراء المرابطين بألميريا سنة 1068، ثم العثمانيين خلال القرن الـ16، ومساعدة السلطات المحلية ومديرية الثقافة في إعادة الاعتبار لهذا المعلم، لكن سنة أخرى تمر تقريبا والوضعية على حالها، وتبقى الحكاية مجرد بكاء على أطلال شاهدة على عراقة مدينة أبهرت حتى زوارها الأجانب منهم سفيرة النمسا بالجزائر التي وقفت شاهدة قبل سنتين على معلم لم نحافظ عليه كبقية المعالم.
طلبة المدرسة الوطنية العليا للسياحة يقفون على المعلم التاريخي
قام أول أمس، فوج من طلبة المدرسة الوطنية العليا للسياحة بزيارة تفقدية وتطبيقية لقصبة دلس بمناسبة إحياء اليوم الوطني المصادف لـ23 فيفري من كل سنة بالتنسيق مع النادي السياحي الجزائري، حيث شكلت الزيارة فرصة للمتربصين للاطلاع على الواقع المزري لهذا المعلم الحضاري الذي ينتظر عملية الترميم بعد صدور المخطط في الجريدة الرسمية.
كما تلقى الطلبة بالمناسبة شروحات موسعة من طرف ممثل مديرية الثقافة للولاية مصطفى حاج قويدر، حول تاريخ القصبة وأبعادها الحضارية والاجتماعية وأهم المعالم التي تزخر بها كضريح سيدي محمد الحرفي، المدرسة القرانية، مبنى خير الدين برباروس الذي حوله المستعمر الفرنسي إلى إسطبل، وعدة أضرحة أخرى طبعت تاريخ المدينة كسيدي البخاري، سيدي عبد القادر وسيدي سوسان.
وفي تعليقه على أبعاد الزيارة، أكد الأمين العام للنادي السياحي الجزائري محمد بودالي متحدثا لـ»الشعب»، أن الزيارة العلمية التطبيقية التي نظمت لفائدة طلبة المدرسة العليا للسياحة والمدرسة الخاصة للسياحة والتجارة تدخل في إطار برنامج النشاطات المسطرة لسنة 2016 المتزامنة مع اليوم الوطني للقصبة، حيث تم برمجة ثلاثة زيارات لكل من قصبة دلس، العاصمة وشرشال، بهدف التعريف بالمؤهلات السياحية والثقافية لقصبة دلس، التحسيس بأهمية هذه المعالم التاريخية وأهمية ترميمها والحفاظ عليها..
كما دعا ممثل النادي السياحي الجزائري السلطات المحلية وكافة الفاعلين في المجال الثقافي والسياحي إلى ضرورة الاعتناء بمثل هذه المواقع الأثرية من أجل ترقية المنتوج السياحي الجزائري بما يتماشى والتحولات الاقتصادية المستقبلية للجزائر التي تراهن أكثر على القطاع واستغلال ما تزخر به الجزائر من إمكانيات وقدرات متنوعة لا تزال دون استغلال على حد وصفه.