يحمل العديد من الجزائريين ألقابا قبيحة لم يختاروها هم ولا آباؤهم، وإنا تمّ إجبارهم على حملها بموجب «قانون الألقاب» الفرنسي، الذي أصدره الاحتلال عام 1882، بعد محاولات سابقة، كانت تهدف إلى تغيير نظام الألقاب بالجزائر، وبالرغم من مرور أزيد من نصف قرن منذ استرجاع السيادة الوطنية إلى أن المحررات والوثائق الرسمية تشهد على «جريمة نكراء في حق الهوية الوطنية»، أضف إلى ذلك تأثيرها السلبي على نفسية الفرد وتأقلمه وسط مجتمع ومحيطه.
كانت الألقاب الجزائرية قبل هذا القانون، ثلاثية التركيب (الابن والأب والجد)، وفي حالات أخرى خماسية التركيب، بحيث تضاف لها المهنة والمنطقة أو الكنية، كما أن أغلبها ذات دلالات دينية، طبيعية (جمالية) أو دلالات تاريخية، فقد كان للجزائريين نظام ألقاب خاص بهم، مستمد من الشريعة الإسلامية التي تنهى عن التحقير أو التنابز بالألقاب المشينة، فقد جاء في «القرآن الكريم» القرآن الكريم ﴿ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب﴾.
يذهب بعض المؤرخين والباحثين في تاريخ الجزائر المعاصر، إلى الإقرار بأنّ استبدال نظام الألقاب الجزائري (نظام الثلاثية) وتعويضها بألقاب مشينة في غالبها، كان الهدف منه؛ الاستيلاء على الأراضي، وتفكيك نظام القبيلة، بإبراز الفرد كعنصر معزول عن الجماعة، وتغيير أساس نظام الملكية، وتطبيق النمط الفرنسي الذي يخاطب الشخص بلقبه وليس باسمه، ولكن الهدف الجوهري للمحتل الفرنسي كان طمس الشخصية الوطنية الإسلامية، ومحاولة تحقير أو إذلال العائلات التي كافحت المحتل أو التي لا ترضخ للسلطات الإدارية الاستعمارية، حيث يخلص العديد من الأساتذة البارزين والباحثين المختصين إلى أن نظام الألقاب الذي سنّه الإستدمار الفرنسي في الجزائر (جريمة نكراء في حق الهوية الوطنيّة)؛ والأسر الجزائرية العريقة، فما هو دور البرلمان في مجال القضاء على هذه الجريمة المستمرة؟
إنّ التشريع كأهم وسيط تتم من خلاله التغييرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة؛ يُّعد من أهم الآليات والتقنيات العمليّة التي من خلالها تستطيع البرلمانات الاستجابة للاحتياجات المتغيّرة والمتجددة لمجتمعاتها (٢) بوضع قواعد عامة ومجردة تهدف إلى تنظيم السلوك الاجتماعي، والتي تتم إما بمبادرة تلقائيًا من السلطة التشريعية ممثلة في البرلمان كأصل عام أو السلطة التنفيذية و / أو تسنّ من طرف رئيس الدولة في حالات استثنائية محددة حصرًا في الدّستور.
ونظرًا لما للتشريع من طابع الإلزام، والذي يستمد أساسه ومصدره الموضوعي من الدّستور، كما أن التشريع بدوره يحيل في تنفيذ أحكامه التقنية على المراسيم التنفيذية، إن الإلزام القانوني هو الذي يجعل منه أحسن أداة أو آلية تساهم في الحد أو حل معضلة الألقاب المشينة؛ فهل يمكن أن يكون التشريع هو الحل لإشكالية الألقاب المشينة داخل المجتمع الجزائري؟
تحاول هذه الدراسة الموجزة الإجابة عن هذا الإشكالية، بالاستعانة بالمنهج التحليلي ذو البعد النقدي ضمن المقترب القانوني، وفق خطة تتكون من محورين أساسيين؛ نتطرّق في المحور الأول إلى التشريع كآلية لتغيير الألقاب المشينة، من خلال معالجة الإطار القانوني لتغيير الألقاب المشينة، وبيان مدى ضرورة سنّ نصّ تشريعي جديد لتغيير الألقاب المشينة، أما في المحور الثاني فنتصدى إلى دور البرلمان في تعزيز الهوية الوطنية، وذلك من خلال بيان الإطار الدّستوري لعمل البرلمان في هذا المجال، والأدوات المتاحة له.
المبحث الأوّل: التشريع كآلية لتغيير الألقاب المشينة
يُعالج هذا المبحث الإطار القانوني لتغيير الألقاب المشينة في الجزائر (في المطلب الأول)، ومدى كفاية ونجاعة هذه التشريعات والتنظيمات المحالة عليها للقضاء على هذه الجريمة المستمرة (في المطلب الثاني).
المطلب الأول: الإطار القانوني لتغيير الألقاب المشينة
يقصد بالإطار القانوني، مجمل النصوص القانونية بمفهومها العام، والتي تحدّد شروط وكيفية تغيير الألقاب المشينة في الجزائر، والتي تشمل بالأساس قانون الحالة المدنية رقم 75-58 المعدل والمتمم، والمرسوم رقم 71-157 والمتعلق بتغيير الألقاب.
الفرع الأول: تغيير الألقاب المشينة في ضوء المنظومة التشريعية والتنظيمية بالجزائر
تنص المادّة 28 من الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، والمتضمن القانون المدني، المعدّل والمتمم، على أن: «يجب أن يكون لكل شخص لقب واسم فأكثر ولقب الشخص يلحق أولاده.» كما أحال القانون المدني، الذي يعدّ الشريعة العامة لجميع القوانين على قانون الحالة المدنية موضوع اكتساب أو تبديل الألقاب، حيث جاء في المادّة 29: «يسري على اكتساب الألقاب وتبديلها القانون المتعلق بالحالة المدنية».
وبالرجوع إلى الأمر رقم 70-20 المؤرخ في 19 فبراير 1970 المتعلق بالحالة المدنية، في القسم الخامس من الفصل الثاني المعنون بـ»العقود المغفلة أو المتلفة أو الخاطئة أو المعدلة» من الباب الثاني قواعد مشتركة بين مختلف عقود الحالة المدنية. حيث أكدت المادّة 55: «يترتب على تغيير اللقب أو الاسم تصحيح عقود الحالة المدنية».
وكرّست المادّة 56 من هذا القانون، المشار إليه أعلاه؛ حقّ الشخص في تغيير لقبه المعيب، حيث جاء فيها: «كل شخص يتذرع بسبب معين لتغيير لقبه يمكن أن يرخص له بذلك ضمن الشروط التي تحدّد بموجب مرسوم».
وقد صدر المرسوم رقم 71-157 مؤرخ في 10 ربيع الثاني عام 1391 الموافق 3 يونيو سنة 1971، المتعلق بتغيير اللقب، المتمم بموجب المرسوم التنفيذي رقم 92-24 المؤرخ في 13 يناير سنة 1992، حيث يمكن لكل شخص بالغ سن الرشد القانوني «19 سنة»، أن يقدّم طلب إلى وزير العدل، حافظ الأختام لتغيير لقبه، لأسباب جدية وموضوعية كأن يكون اللقب معيبًا، مشينًا أو ذا نطق أجنبي، ويتعهد أمام القاضي بالمحكمة الواقع ضمن دائرة اختصاصها محل إقامته، بأنه لا يرمي من وراء طلب تغيير لقبه إلى إخفاء هوية مشبوهة.
الفرع الثاني: الوثائق المطلوبة بملف تغيير اللقب وأهم الملاحظات الإجرائية
تعد وزارة العدل في الجزائر، المؤسسة الرسمية التي أنيط بها وفقا للتنظيم المعمول به، اختصاص الدراسة الأولية لطلبات تغيير الألقاب المشينة، لتأكد من توفر الشروط المطلوبة، ثم تحيلها على أمانة رئاسة الجمهورية من أجل استصدار المرسوم الرئاسي المتضمن تغيير اللقب الذي يحمل صفة مشينة، وقد وضعت هذه الدائرة الوزارية في موقعها الالكتروني، قائمة بالوثائق المطلوبة لهذا الغرض وكيفية إيداعه.
أولاً: إيداع ملف لدى مصالح وزارة العدل، يتضمن الوثائق التالية:
- طلب خطي موقّع عليه من طرف المعني، موجه إلى وزير العدل، حافظ الأختام،
- عقد ميلاد المعني وأبناؤه القصر «نسخة أصلية» تستخرج من سجلات الحالة المدنية ببلدية مكان الميلاد،
- عقد الزواج بالنسبة للأشخاص المتزوجين «نسخة أصلية» تستخرج من سجلات الحالة المدنية ببلدية مكان إبرام عقد الزواج،
- نسخة من الإعلان بالجرائد اليومية، «ترسل الصفحة التي ورد بها الإعلان كاملة لمعرفة اسم الجريدة وتاريخ الإعلان والعدد»،
- شهادة الجنسية الجزائرية،
- صحيفة السوابق القضائية رقم (03)،
- ثلاث (03) صور شمسية حديثة،
- مستخرج من جدول الضرائب،
ثانيًا: أهم الملاحظات الإجرائية، المدونة على الموقع الرسمي لوزارة العدل الجزائرية:
يمكن للغير تقديم اعتراض في رسالة يوجهها إلى وزير العدل، حافظ الأختام خلال مهلة ستة أشهر ابتداء من تاريخ نشر الإعلان بالجرائد اليومية.
تعرض الملفات الكاملة على لجنة وزراية مشتركة، تتكون من ممثلين عن وزارة العدل ووزارة الداخلية بعد انقضاء المهلة المذكورة أعلاه (06 أشهر)، وللجنة أن تنظر أيضا في الاعتراضات التي يقدمها الغير ضد صاحب الطلب.
يتم تغيير اللقب للأشخاص الذين تقبل طلباتهم بموجب مرسوم رئاسي يوقعه رئيس الجمهورية وينشر في الجريدة الرسمية، وتصحح عقود الحالة المدنية (الميلاد والزواج) لصاحب اللقب الجديد وأولاده القصر بناء على طلب وكيل الجمهورية الواقع في دائرة اختصاصه محل ميلاد المعني.
«يتبـــــع»
الحلقــــة (١)