يقبل الكثير من المراهقين على الألعاب الالكترونية، فمعظمهم اليوم تراهم منكبين على هواتفهم الذكية و لوحاتهم الرقمية في تركيز كامل مع لعبتهم الافتراضية، ما يجعلهم في عزلة تامة عن الواقع الذي يعيشون فيه...
هذه الحالة التي يعيشها المراهقون كانت موضوع دراسة علمية حديثة تناولت العلاقة بين الميل إلى العنف لدى بعض المراهقين وجلوسهم الطويل إلى التلفزيون والكمبيوتر، وساوت بين أثر هذين الجهازين في توليد العنف، والجديد في هذه الدراسة هو تأكيدها أن عدد ساعات الجلوس إلى تلك الأجهزة هو ما يولد العنف لدى الطفل وليس فقط نوعية المواد التي تعرض فيهما، وبحسب الدراسة، فإن جلوس الطفل أمام الكمبيوتر أو التلفزيون لمدة تزيد عن ساعتين يومياً يحفز خيال العنف لديه، كما أثبتت الدراسة أن جلوس الطفل أمام الكمبيوتر لساعات طويلة يطيل مدة جلوسه أمام التلفزيون.
ورغم أن ألعاب الكمبيوتر تساهم في تعليم الطفل عمل هذا الجهاز، فإنها ربما حفّزته على العنف وغيّرت نظرته إلى الواقع، فيصير تعامله معه أساسه الخيال، فعندما يلعب ألعاب الكمبيوتر يشارك خياله هذه اللعبة، وهذه المشاركة تجعله يتقمص الدور الذي يلعبه فيخلط بين الواقع والخيال وتصير تصرفاته عنيفة تتسم بالميل إلى السيطرة على الآخرين، تماماً كما يحدث في اللعبة.
ويظهر هذا السلوك في شكل واضح في مرحلة المراهقة، والسبب الثاني هو العزلة وهروب الطفل أو المراهق من الواقع خصوصاً إذا كانت هناك صعاب أو مشكلات في محيطه الاجتماعي، فيصير الكمبيوتر صديقه الصدوق، مما يُضعف علاقاته الواقعية مع الأفراد. والمعلوم أن العلاقة مع أشخاص حقيقيين تفيد الطفل في تعلم أصول «اللعبة الاجتماعية» وكيفية التبادل والأخذ والعطاء والتعبير عن الذات وما إلى ذلك، فالألعاب الواقعية والعلاقات الحميمة مع الأتراب تساعده على تنفيس العنف أو تعلّمه طرق السيطرة عليه وهذه الأمور كلها لا تحصل مع الكمبيوتر أو التلفزيون.
ورغم توافر ألعاب تثقيفية ترفيهية، يميل معظم الأطفال إلى الألعاب العنيفة، ويعود ذلك ،بحسب الأخصائيين، إلى سهولة استعمالها، بينما الألعاب التثقيفية تتطلب مجهوداً فكرياً من الممكن أن تُشعر المراهق بالملل إذا لم يتعرف إلى الطريقة الصحيحة للعب، لذا، على الأهل أن يرشدوا ابنهم إلى طريقة العمل بها، كما ينصح باختيار الألعاب التي تتطلب مشاركة شخصين.
هل يمكن ولا يمكن القول إذاً أن ألعاب الكمبيوتر تعزز سلوك العنف عند المراهق، ففي مقابل هذه النظرة السلبية إلى ألعاب الكمبيوتر، برزت نظرية تنقضها، إذ وجد بعض الباحثين الاجتماعيين أنه لم تستطع أي دراسة اجتماعية - نفسية إثبات أن ألعاب الكمبيوتر العنيفة تحرّض المراهقين على السلوك العنيف، فغالبية المراهقين لديهم القدرة على التمييز بين الواقع والخيال وهم عندما يشاركون في لعبة العنف الموجودة على الشاشة يدركون تماماً أنه ليس في استطاعتهم تخطي الحدود أو القوانين الاجتماعية، وفي الوقت نفسه لم ينكر أصحاب هذه النظرية أثر ألعاب الكمبيوتر العنيفة السلبي على المراهق الحساس والذي يعيش في محيط عائلي عنيف، فهو يجد فيها الطريقة التي يتعلم منها تنفيذ السلوك العنيف في الواقع.
....فسحة افتراضية
ويرى الاختصائيون أن هذه الألعاب توفر للمراهق فسحة افتراضية، حيث يمكنه إسقاط نزواته العنيفة تجاه المحيط الاجتماعي بصورة عامة، فوجود مخرج للميول الشريرة في اللعبة الافتراضية هو أمر ممتاز بالنسبة للمراهق لأنه لا يوجد مكان موازٍ له في الواقع، وفي المقابل يجد المراهق «المكبوت» في هذه اللعبة الخيالية وسيلة ليعبر بها عما يعتريه من مشاعر، فهو يستطيع تخطي الحدود، ويتخلص من الخوف أو الخجل، لأنه خلال اللعب يمكنه أن يتقمص شخصية أخرى مختلفة عن شخصيته الحقيقية وبذلك يتمكن من تنفيس كربته في هذا العالم الافتراضي، ولكن في الوقت تنبه الاختصاصيون إلى أنه من الضروري أن يخرج العنف الافتراضي عبر الحوار، فعلى المراهق أن يكون قادراً على التعبير عنه بالكلمات، كي لا يبقى في لا وعيه ويتحوّل تدريجاً إلى فعل واقعي.
وفي المقابل هناك فئة من المراهقين عند اقترابهم من الحدود اللاأخلاقية الموجودة في اللعبة الكمبيوترية يعرفون الإطار العام للسلوك الاجتماعي الحسن، فإنهم يزيلون مؤقتاً المثال العائلي الذي يشعرهم بأنهم محاصرون، ففي هذه اللعبة يمكنهم تخطي الحدود والقوانين الاجتماعية ولو افتراضياً، فمن المعلوم أن المراهق يتصف بميله إلى التمرّد على سلطة الأهل والقيم الاجتماعية وتصبح عنده رغبة قوية في التجديد وتغيير العالم وتكون ألعاب الكمبيوتر إحدى الوسائل التي يعبّر من خلالها عن هذا التمرد.
ومن الطبيعي أن تختلف اهتمامات المراهق عن اهتمامات أهله والراشدين، فكلاهما من جيل مختلف، وهذا يفسر استقطاب ألعاب الكمبيوتر اهتمام شريحة واسعة من المراهقين، وهي محور أحاديثهم اليومية، في حين يشكو بعض الأهل منها، ويعترضون على انشغال أبنائهم بها، لذا من الضروري أن يقرأ الأهل مختصر اللعبة الموجود على الغلاف قبل شرائها، ومناقشة قواعد اللعبة مع ابنهم والتأكيد له ضرورة أن يفصل بين الخيال والواقع، ويجب أن يعرفوا ما الذي يعجبه فيها.