طباعة هذه الصفحة

إرث تاريخي وحضاري

الآثار كنوز عرضة للنهب والإهمال

فنيدس بن بلة

أين موقع المعالم الأثرية والمتاحف في التعريف بالهوية الوطنية، التاريخ والثقافة ؟ إلى أي مدى تساهم في الترويج للمقصد السياحي الذي يمثل التراث المادي وجهه الأخر بامتياز؟ كيف تشكل موردا ماليا للجماعات المحلية التي تبحث عن مصادر إضافية تحتاجها في ترميم هذه المعالم وتأهيلها لاستقطاب الزائر الشغوف لمعرفة تاريخ الجزائر القديم وحضارتها العريقة الضاربة في الأعماق التي تعطي أجوبة عن تساؤلات الحاضر والمستقبل؟
أسئلة كثيرة أثيرت أمس في «منتدى الشعب» أجاب عنها أساتذة ومختصون في هذا الحقل الذي يحتاج إلى مزيد من الترويج للتعريف بقيمته ودلالته ومغزاه وإزالة عنه الصورة النمطية والكليشيهات التي تجعل خطا من الأثار أشياء جامدة غير مجدية وهي عكس ذلك تحمل قيما ورموزا لا تقدر بثمن.
حسب السيدة عزوق نادية مديرة متحف باردو أجابت على هذه الإشكالية بالقول لنا أن الوضع الستاتيكي الذي تعيشه الأثار تفرض جهودا إضافية للتعريف بأهمية المعالم وقيمتها. وهي مهمة تؤدي جانب منها المتاحف منها متحف «باردو» الذي ينظم معرض «الجزائر ما قبل التاريخ بحوث واكتشافات» شهر مارس الداخل.
ورافعت السيدة عزوق لأن تكون أنشطة المتاحف موردا ماليا إضافيا يوظف في تمويل مشاريع الترميم بدل الاعتماد على الميزانية خاصة في الظرف الصعب جراء إنخفاض أسعار البترول، وأعطت أمثلة عن «قصر الداي» الذي يمكن أن يكون فضاء أنسب لأنشطة ثقافية وعروضا تمتع الزائر وتدر أموالا.
من جهتها انتقدت الأستاذة شمريك فراح حالة المعالم الأثرية في الوقت الراهن قائلة أن هناك نقصا كبيرا في العناية بالآثار الجزائرية وعدم إعطائها الأهمية والاعتبار رغم ما تحمله من مضمون هوية، روح حضارة، أصالة تاريخ وثقافة.
انتقدت الأستاذة في هذا المجال تغييب البحوث والدراسات الأوروبية حول تاريخ الجزائر القديم ولاسيما النوميدي منه والفنيقي والتركيز المقصود على الحضارة الرومانية التي عمرت 5 قرون بالجزائر، مؤكدة على التواصل والاستمرارية بدل القطيعة.
البروفيسور عبد القادر دراجي، أستاذ بجامعة بوزريعة في تصريح لنا اقترح بدائل أخرى لإعطاء قيمة للمعالم التاريخية بتوظيف التكنولوجيا المتطورة التي تزيد من حالة التشوق لمعرفة هذه الكنوز وحبها بدل اعتبارها مجرد أشياء جامدة لا تغني ولا تسمن من جوع.
وقال الاستاذ الذي انتقد بشدة عدم إشراك أهل الاختصاص في المشاريع الانمائية واللجوء إلى خارطة المواقع الأثرية حماية لمعالمنا وكنوزنا بدل تركها عرضة للتلف والإهمال. فكم من مدينة أثرية تحت الأرض إكتشفت بعد الشروع في التهيئة الأرضية لمشاريع اقتصادية واجتماعية. وكم من معالم طالتها يد الانسان. كم من أثار تؤرخ لحضارات متعاقبة هربت في وضح النهار وبيعت بأبخس الأثمان.
حماية هذه المعالم ليس بإحاطتها بسياج حديدي يمنع الاقتراب منها وتشديد الاجراءات الردعية عبر قوانين صارمة تحظر من يمس بها فقط، بل بإدراجها في سياق آخر يطالب به الظرف وتستدعيه المرحلة، يتمثل في استعمال الطرق الحديثة والجوانب البيداغوجية بربط المدرسة وهيئات التعليم والتربية بهذه الحركية التي ترسخ في ذهن التلميذ في مختلف الأطوار والطالب، ما تمثله هذه المعالم من قيم حضارة، تاريخ وهوية لا تقبل المساس بها.
لم يعد الأمر مقبولا حسب الاستاذ دراجي، في ظل تمادي تجاهل الباحث والمهتم بالتراث الأثري. لم يعد مقبولا في ظل تمادي السلطات العمومية والهيئات المختصة في عدم التجاوب مع الواقع ومتغيراته والاستجابة للصرخات من هنا وهناك حماية للآثار، الذاكرة والمخزون الطبيعي، الإرث الجماعي المشترك والثروة التي لا تنضب.
الحل يكمن في القيام بعملية جرد وطني لوضع خارطة لمختلف المناطق الأثرية تحميها بصفة أبدية من مختلف أشكال الإهمال والنهب التي يصل حد الجريمة لا يمكن السكوت عنها مهما كانت الأحوال.