طباعة هذه الصفحة

«الشعب» تستطلع فرص الاستثمار السياحي بسيدي بلعباس

مشـاريـع خدمـاتيــة تعـاني مــن ممـارسـات الادارة

سيدي بلعباس: غنية شعدو

أجمع مختصون خلال اليوم الدراسي الجهوي حول فرص الإستثمار في السياحة والصناعات التقليدية الذي احتضنه فندق «الإيدن» بسيدي بلعباس والمنظّم من قبل مديرية السياحة لولاية سيدي بلعباس بمشاركة ممثلي تسع ولايات من الجهة الغربية، أنّ الإستثمار أضحى ضرورة باعتباره محركا للتنمية المستدامة، وأحد أكبر مؤشّرات النمو الاقتصادي، حيث يرتكز العمل حاليا على تدارك التأخر، وتأهيل القطاع وجعله في المستوى الذي يجب أن يكون عليه في ظل ما يتوفر من مؤهلات طبيعية ومادية، تاريخية وتراث مادي ولامادي، وهي مؤهلات مشجّعة ومدعّمة لهذا النوع الذي يصنف ضمن قائمة الاقتصاديات المدرة للثروات وللقيمة المضافة.
في هذا الصدد، أكّد مدير تقييم ودعم المشاريع بالوزارة، زبير محمد سفيان، خلال مداخلته أن السياحة تعد أهم القطاعات الأساسية للمخطط الوطني لتهيئة الإقليم لآفاق 2030، التي يعول عليها حاليا، ناهيك عن إرتباطه بمجالات كالتجارة، الصناعات التقليدية، النقل وغيرها، مقدرا في الوقت ذاته عدد المشاريع السياحية التي هي قيد الإنجاز بـ 1270 مشروع، والتي ستسمح بتوفير أزيد من 160 ألف سرير، وخلق 63 ألف منصب عمل جديد بتكلفة مالية تفوق 513 مليار دينار. هذا وخصّصت الوصاية أيضا غلافا ماليا يقدر بـ 70 مليار سنتيم لإعادة بعث المرافق السياحية العمومية كالحمامات المعدنية، وأضاف أن عديد الإجراءات تمت مباشرتها لتذليل العقبات أمام المستثمرين.
وعن الواقع السياحي بالولاية، أكد ممثل الوزارة وجود مشاكل في العقار السياحي، بالإضافة إلى مشكل نقص الموارد البشرية المتخصصة في هذا المجال، كما نوّه باحترام خصوصية المدينة من خلال إستغلال القصور القديمة والسكنات وتحويلها إلى فنادق بسعات لا تتعدى 60 سريرا وفق متطلبات الولاية وخصوصيتها التي لا تحتاج إلى فنادق بسعات كبيرة، وركّز في حديثه أيضا على ما يسمى بالسياحة الريفية والتي بدأت تلقى رواجا بالولاية باعتبار أن هذا النوع من السياحة لا يحتاج إلى إستثمارات ضخمة لكنه يحقق سياحة رفيعة تعتمد على كل ما هو تقليدي بداية بالموقع والتجهيزات التي تكون في مجملها عبارة عن صناعات تقليدية وحرفية.
 إمكانيات هامة تنتظر الاستغلال 
تتوفّر ولاية سيدي بلعباس على ثلاثة مناطق للتوسع السياحي، وتخص المنطقة الاولى جبل تسالة او كما يطلق على تسميته محليا بجبل العطوش الواقع على مسافة 11 كلم بالجهة الشمالية لمدينة سيدي بلعباس، والذي يعد أهم موقع سياحي غابي بالولاية، ويضم مساحة غابية كبيرة تصل إلى 380 هكتار على ارتفاع 1061 م على مستوى سطح البحر. وقد حدّد الموقع كمنطقة للتوسع السياحي ومحمية طبيعية مهيئة لاستقبال المشاريع، حيث تبقى غابته العذراء قبلة للعديد من العائلات المحبة للطبيعة، في انتظار تصنيفها واستفادتها من مشاريع سياحية تجعل منها منطقة سياحية تستقطب سياحا من كافة أنحاء الوطن.أما المنطقة الثانية فتخص بحيرة سيدي محمد بن علي، في حين تخص المنطقة الثالثة غابة سد صارنو. هذا وتحتوي الولاية على غطاء نباتي هام يفوق 40 بالمئة من مساحتها الإجمالية، ما جعل منها قطبا سياحيا هاما بالجهة الغربية في مجال السياحة الإيكولوجية الخضراء، وما دفع الجهات الوصية إلى إعادة بعث المناطق الأكثر جذبا للسياح والمصطافين على غرار الغابات والمحميات الطبيعية، كغابة بوحريز الواقعة بإقليم بلدية تنيرة جنوب سيدي بلعباس بنحو 20 كلم، والتي خضعت لتهيئة واسعة على مساحة 10 هكتارات لتكون فضاء ترفيهيا للعائلات، غابة عين القرمود ببلدية سفيزف وغابة بلدية حاسي دحو وكذا غابة تلاغ. كما تحضى الولاية بما يسمى بالسياحة الثقافية، حيث احتضنت وعلى مدار العشر سنوات الأخيرة مهرجانات ثقافية دولية ووطنية خلال فترة الإصطياف كالمهرجان الثقافي الدولي للرقص الشعبي ومهرجان أغنية الراي،بالإضافة إلى سياحة الأعمال أو ما يطلق على تسميتها سياحة المؤتمرات باعتبار الولاية من الولايات الرائدة صناعيا وتضم مناطق صناعية هامة تجلب إليها العديد من رجال الأعمال والصناعيين.
وقالت مديرة السياحة لولاية سيدي بلعباس، أن حتمية الإستثمار أضحت من الأولويات التي تتطلب تسخير كافة الإمكانيات بهدف خلق الثروة وتنويع الإقتصاد، فالولاية تتوفر على العديد من القدرات السياحية التي تجعلها قبلة متعددة الأوجه، وهو الأمر الذي يتحقق باستغلال كل المناطق التي تتوفر عليها الولاية لصناعة سياحة متكاملة ومتنوعة بين الخضراء، البيئية، الجبلية، الرياضية والثقافية وغيرها، وأضافت أن الولاية حاليا تضم مرافق سياحية هامة منها 14 مؤسسة فندقية 11 منها مصنفة، بسعة 926 سرير، كما تجري الأشغال أيضا بسبعة مشاريع جديدة ستوفر مستقبلا 740 سرير، كما تتوفر الولاية أيضا على 27 وكالة وسبعة مراكز للصناعة التقليدية ستدخل الخدمة قريبا، وتحصي الولاية أيضا عددا هاما من الحرفيين بلغ 5211 موزعين على 941 حرفي مختص في الصناعات التقليدية، 1155 في إنتاج المواد و3112 حرفي في صناعة الخدمات، وقد بلغ عدد مناصب الشغل التي يساهم في توفيرها قطاع السياحة محليا السبعة آلاف منصب عمل.
عراقيل إدارية وتعليمات صارمة  
لاتزال عديد المشاكل الإدارية والبيروقراطية عموما ترهن الإستثمارات السياحية بالولاية، وهو ما وقف عنده المسؤول الاول عن الولاية، والذي أعطى تعليمات مباشرة للمستثمرين لإطلاق مشاريعهم السياحية مع ضمان كل التسهيلات لمرافقتهم، حيث قال بإنشاء مدونة إستثمارات من شأنها تحديد نوعية المشاريع التي تحضى بالأولوية في الإستثمار المحقق للقيمة المضافة، وأكد أن الوعاء العقاري المخصص للإستثمار على مستوى الولاية فاق 190 هكتار، الامر الذي سيمكن حاملي الإستثمارات الذكية على غرار الإستثمار السياحي من الحصول على كافة التسهيلات مستقبلا لتحقيق مشاريعهم. وللإشارة، فقد تم تسجيل عديد العراقيل التي حالت دون مباشرة بعض لمشاريعهم بالمنطقة بسبب رخص البناء أو شهادات التعمير على الرغم توفر كافة الشروط من عقارات، دراسات منجزة وأغلفة مالية، وهو الوضع الذي يرهن مشروع القرية السياحية التي ينوي أحد الخواص تجسيدها ببلدية سيدي حمادوش بسعة 164 سرير تضم مختلف المرافق الضرورية لما يسمى بالسياحة الغابية والجبلية، ناهيك عن مشروع آخر لا يقل أهمية يتمثل في المركب السياحي بطريق تسالة والذي لم تنطلق الأشغال به بسبب عراقيل إدارية، أما عن أشغال تهيئة بحيرة سيدي محمد بن علي فلا تزال متوقفة بعد إعادة إجراء الدراسات التقنية بدقة أكثر لتتماشى والوضعية الإيكولوجية للموقع، هذا الأخير الذي خضع السنوات الماضية لعملية تهيئة اعتبرها الكثيرون بالفاشلة بعد أن أضرّت بنظامه البيئي. وفي ذات السياق يراوح مشروع إنجاز المحطة المناخية الواقعة بجبل تسالة مكانه لأسباب لا تزال مجهولة، على الرغم من أهميته في إنعاش السياحة الجبلية التي تعد من أهم ركائز السياحة بالولاية.
 تسهيلات في التّمويل والضّمانات
أجمع كل من ممثل صندوق ضمان القروض للمؤسسات الصغيرة وبنك التوفير والإحتياط ومدير الشباك الوحيد، على التأكيد على التسهيلات المقدمة من قبل الهياكل الثلاث في دعم الإستثمار السياحي باعتباره من الركائز البديلة لإقتصاد الريع، حيث أكد ممثل الصندوق ضمان القروض التوجه الجديد للمؤسسة في تسهيل الحصول على القروض المتوسطة للمؤسسات التي تنتج أو تقدم خدمات غير موجودة ،أو تلك التي تعطي قيمة مضافة للإقتصاد على غرار المشاريع السياحية، إذ يمكن للمستثمر الإستفادة من ضمان الصندوق إلى غاية العشر ملايير سنتيم، كما أن الصندوق قام بمرافقة 1540 مؤسسة، مكنت من توفير 54 ألف منصب عمل، منها 296 مؤسسة تنشط في قطاع الخدمات.
هذا وشرح مدير الشبك الوحيد كافة المزايا والتجهيزات الموجهة للإستثمار السياحي، في حين فصّلت مديرة «كناب بنك» كيفية تمويل المشاريع السياحية ومجمل التسهيلات التي تقدمها المؤسسة البنكية لحاملي المشاريع السياحية.
تغييب كلي للبحوث الأكاديمية في مجال تطوير استراتيجية القطاع
تحدّث الدكتور لعوج زواوي في معرض كلامه حول إستراتيجية تطوير قطاع السياحة كبديل إقتصادي، عن تغييب كلي لدور الأكادميين، حيث أكد أن عديد الدراسات المنجزة حول واقع القطاع السياحي وسبل النهوض به لا تزال حبيسة الأدراج على الرغم من أهميتها، أين دعا إلى خلق تواصل بين القطاع والجامعة، والرجوع إلى البحوث والدراسات الأكاديمية التي أكدت في مجملها أن قطاع السياحة قطاع أفقي باستطاعته تحريك عديد القطاعات كالبنوك مثلا والنقل وغيرها فهو يحفز القدرات الإنتاجية التجارية، ويعد مصدرا للعملات الصعبة، كما يساهم في خلق مناصب شغل بحيث كشف تقرير للمنظمة العالمية للسياحة أن القطاع يؤثر على الإقتصاد العالمي، فهو مثلا يوظف شخصا من بين كل 11 شخص ويمثل 30 بالمائة من صادرات الخدمات. وفي تشخصيه لواقع السياحة بالبلاد عموما، أكّد الدكتور أنّ القطاع يعاني من عديد المشاكل أهمها سيطرة القطاع العام على الهياكل السياحية الكبرى، التسيير البيروقراطي، إهمال دور القطاع الخاص ونقص الإستثمار الأجنبي، في حين تلزم النظرة الجديدة على جعل القطاع من الاولويات وتحويل البلاد إلى مركز جذب سياحي من خلال توجيه وسائل الإعلام لخدمة السياحة، تحسين الخدمات، التركيز على التكوين والتدريب، خلق ثقافة سياحية لدى الأفراد والنهوض بالصناعة التقليدية وتطويرها، بالإضافة إلى تسهيل الإجراءات وتوفير المناخ الملائم للإستثمار والمحافظة على المكتسبات التاريخية والتراثية.
ومن جهته ممثل مكتب الإستشارة في السياحة، نوّه إلى ضرورة التخطيط الجيد للمشروع قبل مباشرته من خلال شرحه لعديد المفاتيح الخاصة بإنجاح مشروع سياحي بداية بالتخطيط، الدراسة، التجسيد والمرافقة كالتكوين، التسيير وتسويق المنتج. هذا ورافع نائب رئيس جمعية شباب متطوع المهتمة بشؤون البيئة الدكتور سلامي محمد عن العلاقة الوطيدة للبيئة والسياحة، مؤكدا أن التطور السياحي مرهون بالحفاظ على البيئة، منوها في الوقت ذاته أن البيئة تعدّ مفتاحا أساسيا من مفاتيح تطوير السياحة والنهوض بها، كما أكّد ضرورة مراعاة الجانب البيئي والثقافي في بناء الهياكل السياحية، مبرزا أن كل منطقة لها من الخصوصية ما يميزها عن غيرها، فبناء مرفق سياحي بجنوب الولاية مثلا لن يحمل نفس مواصفات مرفق آخر بالشمال باعتبار أن لكل منطقة خصوصيتها، وهو ما يجب احترامه خلال تجسيد المشاريع بهدف خلق سياحة متكاملة ومتنوعة في آن واحد.