احتضنت سكيكدة، مراسيم الاحتفالات الوطنية، باليوم بالعالمي للمناطق الرطبة، وفق برنامج هام تكلل ببعث مشروع استثماري يتعلق بتربية يرقات سمك الحنكليس الذي سيصدر إلى دولتي إيطاليا وإسبانيا لدعم الاقتصاد الوطني عن طريق مداخيل العملة الصعبة.
توجّه والي الولاية رفقة المدير العام لمحافظة الغابات إلى بلديتي بن عزوز وجندل اللتين تحتويان على أهم المناطق الرطبة وطنيا ممثلة في «قرباز صنهاجة»، المصنفتين ضمن المحميات الطبيعية بموجب اتفاقية «رامسار» الدولية عام 2002.
أشرف الوفد المحلي ببلدية بن عزوز على تدشين مركز التحسيس والتربية البيئية الذي يضم غرفة خاصة ثلاثية الأبعاد ستمكن الأطفال من الانتقال من العالم الحقيقي إلى العالم الافتراضي بواسطة نظارات خاصة تتيح لهم زيارة المنطقة الرطبة قرباز صنهاجة ومشاهدة مختلف أنواع الطيور والحيوانات ونباتات المنطقة.
كما يضم هذا المركز غرفة خاصة بالسلسلة الغذائية للحيوانات وأخرى يتعرف من خلالها الأطفال عن طريق وسائل متقدمة على مسار الطيور المهاجرة عبر العالم وطريقة ترقبها.
وتم بهذه المناسبة إبرام اتفاقية تعاون بين غرفتي الفلاحة والصيد البحري بخصوص توسيع مجال تربية يرقات «بلاعيط» سمك الحنكليس، الذي سيتم تصديره إلى دولتي إسبانيا وإيطاليا ضمن برامج الاستثمار وفق برنامج الحكومة الجديد الذي يعتمد على دعم الخزينة.
والي الولاية فوزي بن حسين، وعد بتقديم الدعم اللازم للجهات التي تعد أطرافا في الاتفاقية خصوصا وأن التجربة كانت ناجحة بعد أن بدأت على مستوى الوادي الكبير وساهمت في مداخيل تقدر بـ550 ألف دينار سنويا.
ويضاف هذا المشروع إلى التجربة الناجحة بامتياز والذي يتعلق بمزرعة تربية الجمبري سيما وأن ولاية سكيكدة مؤهلة في طبيعتها ومناخها لاحتضان مثل هذه المشاريع التي تتعلق بتربية المائيات.
كما تم تفعيل إدماج تربية المائيات باستغلال الإمكانيات الفلاحية التي تحوزها ولاية سكيكدة ويتم هذا أولا بإحصاء أحواض السقي والحواجز القابلة للاستسقاء لتوسيع تربية الأسماك التي تعيش في المياه العذبة وفي هذا السياق أكد فوزي بن حسين والي الولاية على ضرورة استغلال المناطق الأكثر إنتاجا، ومراسيم الاحتفال تخللتها عدة معارض ونشاطات، حيث تم تقديم عرض حول مركب المناطق الرطبة» قرباز صناهجة» وتقديم درس نموذجي خاص بعلم الطيور.
كما أشرف الوالي على إطلاق ولأول مرة على المستوى الوطني، زوجا من طيور البط المائي ببحيرة حاج طاهر في بن عزوز، وأوضح من جهته يطو عبد القادر المدير العام للغابات» أنه كل سنة نحيي اليوم العالمي للمناطق الرطبة، وهذه السنة اختيرت منطقة صنهاجة وقرباز بسكيكدة لهذه التظاهرة، التي من خلالها نحسس المواطنين بكل الجوانب سعيا للمحافظة البيئة»، وعن عملية إطلاق زوج من طيور البط المائي فقد أوضح المتحدث «أنها تعد الأولى من نوعها على المستوى الوطني».
أجمل المناطق الرطبة على المستوى العالمي
«صنهاجة ـ قرباز»، الواقعة ببلديتي بن عزوز وجندل من أهم المناطق الطبيعية الخلابة التي تزخر بها الولاية، والتي تعدّ من بين أجمل المناطق على المستوى العالمي، ورغم الجهود التي بُذلت خلال السنوات الأخيرة من أجل إعادة الاعتبار إلى هذه المنطقة، إلا أنّ غياب الاستثمار الفعلي بها سواء كان خاصا أو عموميا، قد أثر على تلك الجهود، كما أنّ إقامة حظيرة للحيوانات بهذه المنطقة سينعش حتما السياحة بمفهومها الحقيقي، ممّا يساهم في ترقية المنطقة وتطويرها وتحريك آليات التنمية بها.
تتربّع المنطقة الرطبة «صنهاجة» على مساحة إجمالية تقدر بـ 42100 هكتار، وهي مصنّفة ضمن المناطق العالمية المحمية طبقا للمادة 21 من اتفاقية «رمسار» تحت رقم 1056المؤرخ في 02 / 02 / 2001، وتمتد عبر بلديات بن عزوز والمرسى وجندل إلى غاية بلدية برحال بولاية عنابة، وتحتوي على 09 بحيرات في غاية الجمال الأخّاذ، تتربّع على مساحة تقدّر بـ 2580 هكتارا، تمتاز بطابعها البيئي الخاص سواء تعلق الأمر بطبيعة غاباتها المحيطة بها أو بنوعية النباتات الممتدة على طول هذه البحيرات من الجانبين، ممّا أكسبها جمالا وسحرا، خصوصا تلك المستنقعات المائية الطبيعية الممتدة على طول هذه المحمية، والمتناثرة هنا وهناك، ممّا جعلها على مدار الفصول الأربعة مقصدا لمختلف أصناف الطيور المهاجرة والنادرة في العالم بما فيها مختلف الطيور المائية.
ويعيش بمنطقة صنهاجة - قرباز ما يقارب الـ 230 صنفا من الطيور، منها أكثر من 140 صنفا تعيش في المناطق الرطبة فقط من بينها 42 صنفا هي في الأصل طيور جد نادرة للغاية، كالنعام الوردي، الكركي، أبو الساق الأبيض، البلشون الأرجواني، الهدهد، شهرمان والنورس، كما تزخر هذه الأخيرة بأصناف نباتية أخرى متنوعة، وكذا بمخزون هائل من المياه النقية التي تعيش بها ثروة سمكية معتبرة، والرمال الناعمة الممتدة إلى غاية الشاطئ البحري، وأشجار البلوط الفلّيني الكثيفة التي زادتها بهاءً وتميّزا.
أزيد من 11 ألف طير نادر
استقطبت المنطقة الرطبة «صنهاجة قرباز» السنة الماضية، حوالي 11185 طيرا مهاجرا، وذلك بعدما تم تسجيل توافد ما لا يقل عن 7726 طيرا مهاجرا فقط السنة التي قبلها، وأرجعت المصالح المختصة بقطاع البيئة سبب الارتفاع في أسراب الطيور المهاجرة للمنطقة الرطبة صنهاجة قرباز، إلى جملة من العوامل على رأسها المجهودات التي تقوم بها محافظة الغابات بالولاية على غرار الدوريات المستمرة والممنهجة لتفادي الصيد العشوائي لهذه الطيور سيما من قبل الصيادين وسكان المنطقة، بالإضافة لعمليات المراقبة التي تطال النشاط الصناعي.
وبينت الإحصائيات أن عدد الطيور المهاجرة قد وصل سنة 2011 إلى 16119 طيرا ليتقلص العدد سنة 2012 إلى 10401 ثم ليرتفع مجددا ليصل إلى 7726 سنة 2014، كل ذلك كنتيجة للتوسع العمراني والحضري بالمنطقة سوء بشكل فردي أو جماعي وكذا التلوث البيئي وغير ذلك من الأسباب التي تدفع الطيور للهجرة نحو مناطق أكثر أمنا، وتعد المنطقة الرطبة «قرباز صنهاجة» ملجأ على مدار الفصول الأربعة لمختلف أنواع الطيور النادرة في العالم بما فيها مختلف الطيور المائية.
مشروع لحماية الطيور المهاجرة
وعلى الرغم من كل هذه الكنوز الطبيعية، إلا أن هذه المنطقة وبسبب تعرّضها خلال السنوات الأخيرة إلى اعتداءات صارخة، تعرّض غطاؤها النباتي إلى التعرية مما تسبب في هجرة عدد كبير من الطيور ونفاذ المخزون المائي السطحي والجوفي، إلى جانب تقلّص مساحات الأراضي الزراعية الفلاحية الموجودة بها والتي أضحت مهددة بزحف الرمال عليها، جرّاء النقص المتزايد للغطاء النباتي، الناجم أساسا عن الإستغلال الفاحش وغير الشرعي للمرامل المتواجدة بها، إضافة للرعي المكثّف وغير المراقب.
وقد أجبر ذلك الوضع الخطير المسؤولين، آنذاك، إلى اتخاذ جملة من الإجراءات الإستعجالية، منها تجميد نشاط المرامل السّت التابعة لمؤسسات عمومية، والتي تنشط جلها على مستوى دائرة ابن عزوز، وبالضبط في المنطقة الرطبة صنهاجة قرباز و منع الرعي المكثف وغير المراقب، مع القيام بعملية تشجير لمساحات شاسعة منها بأشجار الصنوبر والبلوط الفليني وببعض النباتات بغرض تثبيت الكثبان الرملية، مع إنجاز حاجز أخضر داخل الحيز العمراني، ناهيك عن تكثيف من المراقبة الجوارية على كامل المنطقة بمساهمة الجهات المختصة.
كما تعمل مصالح الغابات لبلدية عزابة رفقة الجمعيات النشطة في الميدان عبر بلديتي عزابة وبن عزوز على تكثيف الجهود قصد حماية الطيور المهاجرة المتواجدة بالمنطقة الرطبة بن عزوز حسبما علم اليوم الأربعاء من ذات المصالح.
جمعية بريق 21 تدعو لحماية المنطقة
دعت جمعية بريق 21 لترقية الطاقات المتجددة والتنمية المستدامة لسكيكدة إلى ضرورة حماية المنطقة الرطبة قرباز صنهاجة من «الكارثة الطبيعية» التي تتعرض لها منذ سنوات خاصة الاعتداءات المختلفة على غطائها النباتي.
وأفادت الجمعية في رسالة وجهتها إلى السلطات المحلية في وقت سابق، بأن المنطقة الرطبة قرباز صنهاجة والمصنفة ضمن اتفاقية رمسار الدولية تتعرض إلى «نهب لخيراتها بسبب حرائق الغابات المفتعلة في أغلب الأحيان وكذا تعدي العديد من الفلاحين عليها من خلال قيامهم باستغلال الأراضي عن طريق قطع الأشجار بطرق عشوائية إضافة للرعي المفرط وغير المراقب ما تسبب في النقص الفادح للغطاء النباتي بهذه المنطقة.
وطالب رئيس الجمعية في ذات الرسالة من قطاع الغابات بالولاية بإيجاد حل سريع وفعال لهذا المشكل الذي يتفاقم يوما بعد آخر ما يعرض - حسبه - الغطاء النباتي لهذه المنطقة الرطبة إلى التعرية ويتسبب في هجرة عدد كبير من الطيور جرّاء نفاذ المخزون المائي السطحي والجوفي.