الدّستور حافظ على المكاسب السّابقة وعزّزها بالمادتين 41 مكرر 2 و41 مكرر3
إذا كانت حرية الصحافة والإعلام أحد أهم أشكال حرية التعبير، وتعد حسب المختصين في شؤون الحريات والسياسة والإعلام والقانون أحد أهم معايير ومؤشرات الديمقراطية في أي بلد من البلدان، وقد نصت عليها نظرا لأهميتها المواثيق والاتفاقيات الدولية، كالإعلان العالمي لحقوق الانسان في 10 ديسمبر 1948 في المادة 19 التي نصت في مضمونها على حق كل شخص في حرية الرأي والتعبير، ويشمل ذلك حرية اعتناق الآراء دون تدخل، واستيقاء الانباء والمعلومات وتلقيها ونشرها بمختلف الوسائل دون اعتبار للحدود الجغرافية.
وإن اختلفت تعريفات حرية الصحافة والاعلام فهي تعني بشكل عام: حق الحصول على المعلومات من أي مصدر ونقلها، والحق في نشر الأفكار والآراء وتبادلها دون قيود، الحق في إصدار الصحف وعدم فرض رقابة مسبقة على ما تقدمه وسائل الاعلام إلا في اضيق الحدود وفيما يتعلق بالأمن القومي، مع تحديد نطاق ذلك وما يتصل بحرمة الآداب العامة.
إن حرية الصحافة والإعلام هي حق الشعب بمختلف تياراته وجماعاته وطبقاته في اصدار الصحف (دون ترخيص)، والحصول على الحقائق والمعلومات، والتعبير عن الاراء والافكار، ومراقبة مؤسسات الحكم، وقطاعات المجتمع المختلفة وحثها على تصحيح اساليب ادائها وممارستها في اطار خدمة الصالح العام للمجتمع والموازنة بين حقوق الافراد والجماعات في اطار الحرية والالتزام بالقيم الدينية والاخلاقية، والحق في الكرامة واحترام السمعة وحماية الخصوصية (خصوصية الأفراد).
ومن هنا نلاحظ أن حرية الاعلام هي في حقيقتها أركان بل ومجموعة ضمانات أهمها:
ــ عدم خضوع وسائل الاعلام لرقابة سابقة من طرف السلطة أو جهة أخرى.
ــ حق الأفراد في إصدار الصحف دون اعتراض السلطة أو ترخيص حكومي.
ــ حرية الحصول على مصادر المعلومات
ــ حرية التعبير عن الآراء والنقد.
ــ عدم التدخل المباشر للسلطة في وسائل الاعلام، وإنما تتدخل الجهات القضائية وتنظم عمل وسائل الإعلام هيئات أو مجالس مستقلة تسهر على حسن سير قطاع الإعلام، ومدى تطبيق قوانين الإعلام وتشريعاته من طرف وسائل الإعلام.
ــ عدم التضييق عليها بالعقوبات، وهذا يعني تقييده قدر الإمكان ـ المجال الذي يتدخل فيه المشرع لوضع تشريعات تجرم ما لا يستلزم صالح المجتمع تجريمه، فلا تطبق عقوبات على الصحفي إلا اذا الحق ضررا بصالح الفرد والمجتمع.
وهذه الأركان والضمانات لا يمكن أن تتحقق الا في ظل ضمانات أخرى توفر لها المناخ الملائم منها:
ــ تأكيد مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية التشريعية والقضائية حتى لا تتعسف السلطة التنفيذية في تعاملها مع الصحافة والإعلام فتقيدهما، ولا تصدر السلطة التشريعية ما يتنافى مع روح الدستور في تأكيد هذه الحرية ويكون من حق القضاء القول بعدم دستورية القوانين المخالفة.
ــ الرقابة القضائية واستقلالية القضاء في أحكامه وضرورة نزاهتها يوفر للصحافة حريتها وتكون مسئولة يعاقبها القضاء وحده دون تدخل السلطة التنفيذية أو جهات اخرى، إذا تجاوزت الصحافة حدودها وارتكبت أخطاء وألحقت ضررا بجهات معينة.
ــ ضرورة وجود نظام نيابي ديمقراطي تنتعش في ظله الصحافة، وتقوم بدورها الرقابي والمساهمة في تطوير المجتمع.
ــ صلاح الحاكم وعدله.
ــ التعددية في وسائل الإعلام والتنوع في الإتجاهات فيما يقدم من مضامين في وسائل الاعلام.
إذا أردنا أن نستخلص مدى توفر هذه الضمانات في مشروع التعديل الدستوري الحالي، نلاحظ انه أكد على عدد منها وهي مهمة ومكسب لحرية الصحافة والإعلام منها:
ــ ضمان عدم خضوع الصحافة لرقابة سابقة،
ــ حرية التعبير والرأي.
ــ عدم التدخل المباشر للسلطة في وسائل الاعلام، وإنما تتدخل الجهات القضائية.
ــ ومن أهم ما أكد عليه الدستور عدم تجريم الصحفيين، وعدم حبسهم في التعامل مع جنح الصحافة، والتأكيد على حق الحصول على المعلومات للمواطن.
وردت هذه الحقوق والضمانات في الفصل الرابع: المتعلق بالحقوق والحريات الواردة في الباب الأول: المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري.
لا مساس بحرمة حرية المعتقد وحرمة حرية الرأي
المادة 36: أكدت على أنه لا مساس بحرمة حرية المعتقد وحرمة حرية الرأي. وهذا كان موجود في الدساتير السابقة كدستور 1989، فعدم المساس بحرمة حرية الراي يشجع على حرية الصحافة لانها هي التي تترجمه الى العالم الخارجي فيجاوز مجرد التفكير لدى الفرد كشعور داخلي، لينشر الى الجمهور ويصبح له أثرا اجتماعيا ويكون ذلك عن طريق وسائل الاعلام ولكن لا ينبغي ان يضر هذا الراي بالافراد ومصالح المجتمع.
ــ المادة 38: أكدت أنه لا يجوز حجز أي مطبوع أو تسجيل أو أية وسيلة أخرى من وسائل التبليغ أو الإعلام إلا بمقتضى أمر قضائي.
وهذا الضمان ورد في أول دستور تعددي بالجزائر وهو دستور 23 فيفري 1989، في المادة 36 منه.
وهو ضمان لعدم التدخل المباشر للسلطة التنفيذية في عمل وسائل الاعلام أو قمعها أو توقيفها أو حجزها بالشكل المباشر، وإنما يرجع ذلك الى القضاء ليفصل فيه، وهنا نشير أن هذا يتطلب استقلالية القضاء والجهات القضائية التي تقرر دون ضغط أو اكراه سواءا من السلطة التنفيذية أو جهات ضاغطة اخرى.
ــ وفيما أكدت المادة 41: على حرية التعبير نلاحظ أن التعديل الدستوري أضاف مادة اخرى في غاية الاهمية، وهي المادة 41 مكرر 2: التي تنص على: أن حرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات الاعلامية مضمونة ولا تقيد بأي شكل من اشكال الرقابة القبلية.
ــ لا يمكن استعمال هذه الحرية للمساس بكرامة الغير وحرياتهم وحقوقهم.
ــ نشر المعلومات والافكار والصور والاراء بكل حرية مضمون، في اطار القانون واحترام ثوابت الامة وقيمها الدينية والاخلاقية والثقافية.
ــ لا يمكن ان تخضع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية.
إذا تأملنا هذه المادة فهي تعتبر مكسبا مهما لحرية الصحافة والاعلام على اعتبار أنها جاءت بضمانات هامة لم تأتي بها الدساتير السابقة.
أولا: عدم خضوع الصحافة ووسائل الإعلام بكل أنواعها لأي شكل من أشكال الرقابة القبلية
وهنا تحقّق ضمان عدم وجود رقابة سابقة على ما ينشر في وسائل الاعلام، لأن رقابة المضامين قبل النشر هو تعدي صارخ على حرية التعبير والصحافة والاعلام وهو قمع لهذه الحرية أصلا. فنلاحظ أن مراجعة الدستور في هذه الفقرة الأولى من المادة 41 مكرر 2 أكدت بعبارة صريحة ان حرية الصحافة لا تقيد بأي شكل من اشكال الرقابة القبلية.
ونشير أن عدم الرقابة المسبقة يعد ركنا وضمانا أساسيا لحرية الصحافة والإعلام ظهر مع نظرية الحرية أو النظرية الليبيرالية للصحافة في القرن 18 م، إلى جانب عدة مبادئ بلورها عدد من المفكرين منهم جون ميلتون، وجون لوك هذا الأخير الذي قدم للبرلمان الانجليزي بيانا هاجم فيه تقييد حرية الصحافة عام 1665، واضطر البرلمان في ذلك الوقت لإلغاء قانون كان قد قام بإصداره لفرض الرقابة الوقائية على الصحف.
لكن التسجيد الحقيقي لهذا المبدأ أو الضمان، تحقق خلال القرن الثامن عشر (18م) عندما أصدر البرلمان البريطاني قرارا أكد على حظر (منع) أية رقابة مسبقة على النشر، كما أباح إصدار الصحف دون الحاجة الى الحصول على ترخيص من السلطة، وكان ذلك نتيجة لأفكار ودعوات المفكر الإنجليزي “بلاكستون” الذي أكد أن حرية الصحافة ضرورية لوجود الدولة الحرة وذلك يتطلب عدم وجود رقابة مسبقة على النشر، ولكن بالإمكان أن يتعرض الصحفي للعقاب بعد النشر إذا احتوى هذا النشر على جريمة، فكل إنسان حر أن ينشر ما يشاء على الجمهور ومنع ذلك هو تدمير لحرية الصحافة. وقد جاء دستور الو ـ م ـ أ ليمنع بشكل كامل تدخل الدولة في مجال حرية الصحافة، حيث نص على أنه يحظر على الكونغرس أن يصدر أي قانون يقيد حرية التعبير والصحافة.
حرية الصحافة ووسائل الإعلام لا تقيد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية (المسبقة)، فإن الأمر يحتاج لتجسيد هذا الضمان قوانين وإجراءات تضمن تفادي الرقابة المسبقة بنوعيها المباشرة وغير المباشرة.
وبما أن مشرع مراجعة الدستور الحالي في الجزائر، أكد في المادة 41 مكرر2 على أن حرية الصحافة ووسائل الإعلام لا تقيد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية (المسبقة)، فإن الأمر يحتاج لتجسيد هذا الضمان قوانين وإجراءات تضمن تفادي الرقابة المسبقة بنوعيها المباشرة وغير المباشرة، فإن كانت المباشرة تعني تصفح المواضيع من طرف السلطة قبل نشرها أو بثها، فإن الرقابة غير المباشرة من بين أنواعها الرقابة الذاتية التي يفرضها الصحفيون على أنفسهم قبل نشر أي موضوع تفاديا لما قد ينجر من أمور سلبية على الصحفي أو المؤسسة الإعلامية، ويمارسها أيضا رؤساء التحرير ومسؤولي وسائل الإعلام سيما الخاصة حفاظا على مداخيل الإشهار التي تعد المورد الرئيسي وشريان حياة أية مؤسسة إعلامية كون جزء كبير من سوق الإشهار، وهو الإشهار العمومي مازال محتكرا من طرف الدولة عن طريق الوكالة الوطنية للنشر والإشهار، مع الإشارة هنا إلى ضرورة فرض الصحفيين لرقابة على أنفسهم فيما يتعلق باحترام أخلاقيات المهنة الصحفية من خلال تحري الصدق والموضوعية وعدم إلحاق ضرر بالأفراد والمجتمع.
ثانيا: حرية التعبير عن الرأي والأفكار بكل حرية
يعد ضمانا مهما لحرية الصحافة حيث تنص الفقرة الثالثة من المادة 41 مكرر 2 على: نشر المعلومات والأفكار والصور والأراء بكل حرية مضمون، وهي ضمانات مجسدة في نظرية الحرية للصحافة في الفكر الليبرالي والديمقراطي، وأفكار المفكرين الليبراليين تقوم على الثقة في الجماهير، ويرون أنه لا بد من تقديم مختلف أنواع المعلومات والأفكار للجمهور، ويعتبرون أن النقد الحر ضرورة لتحقيق الرفاهية والتقدم.
وقد تمكنت دول أوروبا والو ـ م ـ أ، ان تتمتع خلال القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن 20 بقدر كبير من التعددية والتنوع في مجال الصحافة واستطاعت الصحافة ان تدير في تلك المجتمعات مناقشة حرة بين كافة الإتجاهات السياسية، وأن تنقل هذه المناقشات إلى الجماهير، وهو ما أسهم في تقدم تلك المجتمعات وزيادة حيويتها.
ثالثا: عدم تجريم الصحفي وإلغاء عقوبة الحبس
أكدت على هذا الضمان الفقرة الرابعة من المادة 41 مكرر: حيث نصت على أنه لا يمكن أن تخضع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية، أي عقوبة حبس الصحفي أو سجنه، فلا يمكن أن يعامل الصحفي كمجرم على غرار ما جسدت عديد من الدول الديمقراطية في قوانينها، وهو مكسب هام للصحفيين في مجال الاعلام، وهو تأكيد على ما ورد في بنود القانون العضوي المتعلق بالاعلام الصادر في 15 جانفي 2012 الذي يخلوا من عقوبة حبس الصحفيين وهذا تبعا لإصلاحات سنة 2011، والتوجه الذي تم في جويلية 2011 بإلغاء المادتين 144 مكرر، و146 من قانون العقوبات حيث ألغيت عقوبة السجن السالبة للحرية التي جاء بها تعديل قانون العقوبات لسنة 2001، وتم الإكتفاء بالغرامات المالية على الصحفيين.
وبعد ما كان قانون الاعلام 1990 يحتوي على عقوبة الحبس و22 مادة عقابية ووصف حسب الصحفيين والأسرة الإعلامية بقانون عقوبات مكرر.
من جهة أخرى، أكدت مراجعة الدستور على ضمان الحصول على المعلومات في المادة 41 مكرر3 وهي مادة أضافها التعديل، حيث تنص: “الحصول على المعلومات والوثائق والإحصائيات ونقلها مضمونان للمواطن”.
وإن كان التعديل تحدث عن ضمان نقلها وانها مضمونة لكل مواطن، فإن الصحافة ووسائل الاعلام من أهم أدوات نقل المعلومات للمواطن والجمهور، وأن الحق في الحصول على مصادر المعلومات من أهم ضمانات وأركان حرية الصحافة، وإن كان قانون الاعلام 2012 نص في المادة 83: يجب على المسؤولين إعطاء المعلومات والوثائق والإحصائيات للصحفي المحترف فإن الفقرة الثالثة من هذا التعديل الدستوري في المادة 41 مكرر 3 تقول يحدد القانون كيفيات ممارسة هذا الحق. وهو الحصول على المعلومات والوثائق والاحصائيات، لذلك المنتظر هو قانون خاص بالحصول على المعلومات مثلما فعلت عديد الدول الديمقراطية وحتى دول عربية، قانون يضمن فعليا الحصول على المعلومات للمواطنين والصحفين يتضمن مواد وآليات قانونية واضحة ودقيقة تلزم الجهات المعنية منح المعلومات للصحفيين في آجال زمنية محددة قانونا حتى تسهم في حرية المعلومة وحرية الصحافة والإعلام.