يعالج مشروع مراجعة الدستور ظاهرة باتت تطبع الممارسة السياسية للأحزاب، وتؤثر سلبا على أدائها ممثلة في ما يصطلح عليه بـ «التجوال السياسي»، بسبب تضرر بعض التشكيلات من النزيف الذي تسببه في صفوفها، إلى درجة الاندثار، لاسيما عندما يتعلق الأمر بأحزاب فتية، وكانت بذلك الأحزاب الكبرى المستفيد الأول، نظرا لتعزيز تمثيلها في مختلف المجالس المنتخبة، أمر لم يعد ممكنا بعد إدراج المادة 100 مكرر 2 التي تجرّد المنتخب من عهدته في حال التغيير الطوعي لانتمائه السياسي.
جاءت المادة 100 مكرر 2 في مشروع مراجعة الدستور، لتضع حدّا لظاهرة برزت بقوة في صفوف مختلف التشكيلات السياسية في الجزائر في الأعوام الأخيرة، على غرار ظاهرة «الحركات التصحيحية» في الأحزاب الوطنية التي تدل على شقاق وصراع داخلي على مستوى الأحزاب، برزت ظاهرة أخرى سلبية «التجوال السياسي» بالانتقال من حزب إلى آخر دون سبب ولا حسيب أو رقيب، ظاهرة استفحلت بعد توسيع تمثيل المجالس المنتخبة، وقبل ذلك بعد اعتماد عدد كبير من الأحزاب في السنوات الأخيرة من قبل وزارة الداخلية والجماعات المحلية، وبروز عدد كبير من الأحزاب الفتية والتي توصف عادة بـ «المجهرية».
«التجوال السياسي» دفعت ثمنه بدرجة أولى الأحزاب الفتية التي دخلت بقوة إلى الانتخابات السياسية وتمكنت من افتكاك تمثيل في المجالس المنتخبة البرلمانية، ممثلة في مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني، حيث بمجرد انتخابهم في المجلس الشعبي الوطني يغيّر النواب الذين يمثلونها انتماءهم السياسي، ملتحقين بأحزاب كبرى خدمة للمصلحة الشخصية في غالب الأحيان، كونهم يبحثون عن الوزن السياسي، ما يؤثر سلبا على الأحزاب التي غادروها بعد فقدان تمثيلها في المجالس المنتخبة.
وتعامل المشرّع بصرامة مع الظاهرة للقضاء عليها نهائيا، باقتراحه تجريد المنتخب في الغرفتين البرلمانيتين العليا والسفلى من العهدة الانتخابية بقوة القانون، في حال تغييره الطوعي لانتمائه السياسي، حيث تنص المادة 100 مكرر2 على: «يجرّد المنتخب في المجلس الشعبي الوطني أو في مجلس الأمة، المنتمي إلى حزب سياسي، الذي يغيّر طوعاً الانتماء الذي انتخب على أساسه، من عهدته الانتخابية بقوة القانون. يعلن المجلس الدستوري شغور المقعد بعد إخطاره من رئيس الغرفة المعنية ويحدد القانون كيفيات استخلافه».
وإذا كان النائب أو عضو مجلس الأمة الذي اختار طوعا مغادرة الحزب يعاقب بتجريده من العهدة، فإن أسمى الوثائق لم تغفل جانبا هاما، ممثلة في الاستقالة من الحزب أو حالة إبعاد المنتخب من التشكيلة، وفي هذه الحالة، يحتفظ بعهدته، لكن دون انتماء وفق ما جاء في الشطر الأخير من المادة، إذ «يحتفظ النائب الذي استقال من حزبه أو أُبعد منه بعهدته بصفة نائب غير مُنتم».
وعلى الأرجح، فإن كل الأحزاب ستسفيد من المادة على اعتبار أنها تكرّس الاستقرار الداخلي، والتفرغ للقيام بالدور الحقيقي الذي يقع على عاتق البرلمانيين.