أحدث إضراب الـ 8 أيام الذي عرفته العاصمة سنة 1957 اختلال توازن كبير و سقوطا حرا للقوات الاستعمارية الفرنسية، و« تعرت “ أمام الرأي العام العالمي، الذي صدم من الوحشية التي مارستها مع الشعب الجزائري، وقد خسرت من ردّ فعلها هذا التأييد الدولي، لصالح القضية الجزائرية التي تم تدويلها وإصدار لائحة أممية تمنح الجزائر حق تقرير المصير.
انتصار إعلامي ودبلوماسي كبيرين حققه الإضراب السلمي لـ 8 أيام الذي دعت إليه جبهة التحرير الوطني سنة 1957، حسب ما أبرزه الدكتور عمر رخيلة في مداخلة قيمة قدمها أمس بمنتدى جريدة “المجاهد”، في ندوة نظمتها جمعية مشعل الشهيد، مركزا على الجانب الإعلامي والدبلوماسي لهذا الإضراب الذي اعتقلت خلاله القوات النظامية الفرنسية ما لا يقل عن ربع مليون جزائري، أخضعته لمختلف أساليب القمع والوحشية التي سجلها لها التاريخ من خلال شهادات، ما تزال تحتفظ بها الجرائد الأمريكية و حتى الفرنسية المتعاطفة مع القضية الجزائرية.
قال رخيلة وهو يستعرض بعض التفاصيل حول هذا الإضراب التاريخي الذي أفقد الاستعمار الفرنسي صوابه، أن من النتائج الهامة المحققة على الصعيد الدبلوماسي، بداية عزل فرنسا سياسيا، بعد أن بدأت الأمور تتضح للأسرة الدولية آنذاك، والذي أكسب جبهة التحرير بالمقابل صدى إعلاميا في المحافل الدولية، والتفافا شعبيا كبيرا داخليا.
أكد هذا الباحث في التاريخ أن ما تحقق على الصعيد الدبلوماسي، إنما هو نتاج ذكاء خارق تميّز به المناضلون “غير المحترفين دبلوماسيا”، الذين تمكنوا بحنكة كبيرة لدى تواجدهم في هيئة الأمم المتحدة آنذاك، من إبلاغ الآخر بالقضية، وإقناعه بفضل قدرتهم الفائقة على التواصل و الاتصال، وقد كان عدد المندوبين الجزائريين الذين حضروا الاجتماعات آنذاك 600 مندوب ، منهم الراحلان حسين آيت أحمد وأمحمد يزيد .
ولفت المتحدث إلى الدور الذي لعبته الصحافة الأمريكية، من مبادرات تجاه القضية الجزائرية، منوها بالدور الذي قام به الرئيس الراحل كينيدي الذي ناصر الثورة التحريرية وتعاطف معها، غير أن التاريخ يجب التعامل معه بموضوعية، بمعنى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت براغماتية في تعاطيها مع القضية، من جهة تناصر القضية، ومن جهة أخرى تساند حليفتها فرنسا .
وبعد نضال مستميت ومرافعات أمام الرأي العام العام من خلال هيئة الأمم، حقق الدبلوماسيون الجزائريون خطوة كبيرة في مسار القضية، التي تم تدويلها في سبتمبر 1958، وقد أدرجت في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالرغم من الفيتو الفرنسي الذي كان دائما بالمرصاد، مشيرا إلى أن دخول القضية إلى الهيئة الأممية كان مبكرا من خلال مؤتمر باندونغ .
ويذكر أنه تم خلال الندوة تسجيل شهادات حية لمجاهدين عايشوا الحدث منهم موح كليشي، الذين أكدوا الوحدة والاتحاد اللذين تميّز بهما الجزائريون إبان الثورة، وأن انتصار الجزائر وافتكاكها للاستقلال والحرية، إنما كان نتيجة لالتفافهم حول قيادة واحدة وهي جبهة التحرير، مشددين على ضرورة تلقين ذلك للأجيال الصاعدة، بعدما تأسفوا لعدم حضور تلاميذ وطلبة لمثل هذه الندوات التاريخية .