الأخطار حق مكفول للأقلية البرلمانية
أعطت وثيقة أسمى القوانين في نصوصها المعدلة ضمانات للممارسة السياسية وتعزيز الحريات والديمقراطية فاتحة المجال أكبر للمعارضة للعب دور في البناء الوطني وترسيخ دولة المؤسسات التي لا تهتز تحت أي طارئ أو ظرف.
أكد هذا الطرح رجل القانون والمحامي نجيب بيطام عبر منبر «ضيف الشعب»، مقدما قراءة تحليلية استشرافية للمواد التي تضمنتها تعديلات بإضافة إليها نصوص تشريعية تضع حدا للتأويل وتفسير القانون حسب الأهواء والمصلحة والذاتية. وهي مطاطية حرص المشرع على إنهائها وحسم الجدل حولها تأمينا لدولة المؤسسات وضمانا للممارسة السياسية في المشهد الوطني المتغير بأسرع ما يمكن.
ويرى المحامي أن التعديلات الواردة في الدستور الجديد راعت الظرف الجيواستراتيجي الإقليمي والدولي المتغير، غايتها تحصين الجزائر من تهديدات المستقبل وتحديات الزمن الصعب، مشددة على الوحدة الوطنية والاستقرار الذي لا يقدر بثمن. فليس من المفاجأة أن تتضمن ديباجة الوثيقة مسائل، قيما ومبادئ لا يمكن إغفالها أو تجاهلها، مثل المصالحة التي كانت بحق البديل الأمثل لوقف نزيف الدم والدموع.
ومنها كذلك وضع حدّ للجدل والنقاش العميق حول التنازل عن المؤسسات الاستراتيجية والثروات الباطنية، حيث وردت مواد تشدد على تولي الدولة ضمانها للأجيال، منتزعة من المعارضة ورقة ماانفكت توظفها في حملات إنقاذ أي شيء دون تكليف نفسها عناء الاجتهاد والتأني في القراءة الصحيحة للنصوص مطبقة القاعدة السلبية «خالف تعرف».
«ظهرت مصطلحات أحزاب المعارضة والموالاة ويتمادى في تداولها بطريقة تدعو للحيرة والتساؤل، طالما أن هذا المصطلح لا أساس له من الصحة في القاموس السياسي». هكذا علق المحامي بيطام حول أي دور منحه تعديل الدستور لأطياف المعارضة التي كثيرا ما اشتكت من التهميش وغلق الحوار السياسي وقلة فضاءات المشاورات.
هذه النظرة غير مؤسسة ولم تستند إلى حقائق واقعية. سلسلة الحوارات السياسية تمت في إطار الاستماع إلى آراء أهل الاختصاص، الشخصيات، الأحزاب والمجتمع المدني. شاركت الكثير من أطياف الحراك السياسي في هذا المسار وقدمت مقترحات وجدت التجاوب في مشروع التعديل.
بعض الفاعلين أحجموا على المشاركة واجتمعوا في زرالدة، محددين موقفهم الرافض. مع ذلك استجابت وثيقة أمّ القوانين ومصدر التشريع إلى المعارضة ومنحت لها مكانة ودورا في اللعبة السياسية معتقدة أنها الطرف الأساسي في المعادلة الوطنية وتوازنها واستقامتها.
وتتجلى هذه المسألة في جملة من المعطيات الثابتة، منها إعطاء الحق للأقلية البرلمانية بالمشاركة في لجان الغرفة الأولى ومنحها حق إخطار المجلس الدستوري.
ظهر هذا جليا في المادة التي تقرّ بإمكانية تقديم 50 نائبا في المجلس الشعبي الوطني طعنا وتظلّما للمجلس الدستوري. وكذا إمكانية تولّي 30 عضوا في مجلس الأمة هذا الأمر وتبليغ الهيئة المعنية بعدم دستورية إجراء أو قانون أو لائحة تشريعية. وفي هذا الإجراء نفيٌ لمزاعم معارضة ماانفكت تسوق أشياء ما أنزل الله بها من سلطان. وتدّعي أنها عرضة للإقصاء وتكميم الأفواه وغلق أبواب الحوار والإحجام عن الاستماع للانشغالات.
هناك أشياء كثيرة وردت في مقترحات الطبقة السياسية والجمعيات الحقوقية غير الحكومية وجدت التجاوب في الدستور المعدل الذي راعى متغيرات الظرف وأخذ في الحسبان التجارب السابقة، غايته تحصين البلاد من الطارئ وتعزيز مكانتها في الخارطة الجيو- سياسية الدولية.
المهم في كل هذه التعديلات، أنها أقرت بدور المعارضة في النظام السياسي وعززت مكانتها، لا أن تخالف المسار بالترديد الدائم «كلّ ليس على ما يرام. بل بتقديم اقتراحات بناء غايتها تعزيز المشهد السياسي وتسيير النظام وعلاج اختلالات طارئة بالتي هي أحسن وأقوم بعيدا عن التهويل وتحريض الشارع على الانتفاضة وصبّ الزيت على النار».
بهذه الطريقة والممارسة تبنى دولة المؤسسات وتتقوى هيئاتها وتتناسق وتتكامل السلطات بعيدا عن التصادم والمواجهة المفتوحة التي تعيق كل إنجاز وتولد اللاّثقة لدى مواطن يتطلع إلى استقرار وسلم بعد تجربة مرة لعشرية الدم والدمع.