التركيز على النشاطات الوقائية باعتبارها أنجع الحلول
أفرد مشروع القانون التمهيدي لمراجعة تعديل الدستور، حيزا هاما للانشغالات والقضايا الحساسة المرفوعة من قبل الطبقة السياسية عموما والمجتمع المدني، لعل أبرز الملفات التي تعد قاسما مشتركا بين كل الأحزاب بما في ذلك المعارضة، وتصنف قبل ذلك في قائمة أولويات الدولة والحكومة الجزائرية، ظاهرة الفساد التي تسببت في استنزاف مبالغ مالية ضخمة، التي أثرت سلبا على الاقتصاد الوطني، وطفت إلى السطح قضايا فساد كبيرة على غرار «الخليفة» و«سوناطراك»، وبموجب الدستور في صيغته الجديدة يعوّل على الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد تقديم«اقتراحات شاملة للوقاية من الفساد».
كما كان متوقعا، لم تغفل وثيقة مراجعة الدستور الجديد معالجة ملف الفساد الذي ينخر الاقتصاد الوطني، مطلب شكل نقطة اتفاق بين الجميع، بما في ذلك المعارضة التي تتناول الملف في كل اجتماعاتها وتجمعاتها، ولأن الظاهرة بلغت تطورا كبيرا، ولعل ما يؤكد هذا بروز قضايا كبيرة العدالة بصدد النظر فيها حاليا لاسيما وأنه تم اختلاس مبالغ خيالية، فإن الدولة التي تسعى جاهدة لمواجهة هذه «الآفة» لم تكتف فقط بالترسانة القانونية التي تم إعدادها، وتجاوزتها إلى مرحلة «دسترتها»، إذ تنص المادة 173 على تأسيس هيئة وطنية للوقاية من الفساد ومكافحته».
ولعل ميزة الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومتابعته، التي تعتبر وفق ما ورد في مشروع أسمى القوانين «سلطة إدارية مستقلة توضع لدى رئيس الجمهورية» على أن «تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية»، أن استقلالية الهيئة مضمون من خلال أداء أعضائها وموظفيها اليمين»، وإلى ذلك الحماية التي توفر لهم من الضغوطات والترهيب والتهديد بمختلف الأشكال التي قد يتعرضون لها خلال أداء مهامهم.
وقد جاء في مضمون المادة، «المادة 173- 5 : تؤسس هيئة وطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، وهي سلطة إدارية مستقلة توضع لدى رئيس الجمهورية. تتمتع الهيئة بالاستقلالية الإدارية والمالية.
استقلال هذه الهيئة مضمون على الخصوص من خلال أداء أعضائها وموظفيها اليمين، ومن خلال الحماية التي تكفل لهم من شتى أشكال الضغوط أو الترهيب أو التهديد أو الإهانة أو الشتم أو التهجم أيّا كانت طبيعته، التي قد يتعرضون لها خلال ممارسة مهامهم.
كما حدد الدستور بكل وضوح مهام الهيئة الملحقة مباشرة برئيس الجمهورية، حيث أسندت لها مهمة إعداد «سياسة شاملة للوقاية من الفساد» حصريا، كأولوية الأولويات في معالجة الملف بطريقة جذرية وفعّالة، من خلال تكريس أساسا مبادئ دولة القانون، على أن ترفع تقريرا سنويا إلى رئيس الجمهورية يخص تقييم نشاطات الوقاية من الفساد، باعتبارها أنجع الحلول لمعالجة ظاهرة متفشية في كل الدول، وجاء في هذا الخصوص في الجزء الثاني من نفس المادة 173-6 : تتولى الهيئة على الخصوص مهمة اقتراح سياسة شاملة للوقاية من الفساد، تكرس مبادئ دولة الحق والقانون وتعكس النزاهة والشفافية والمسؤولية في تسيير الممتلكات والأموال العمومية، والمساهمة في تطبيقها.
ترفع الهيئة إلى رئيس الجمهورية تقريرا سنويا عن تقييم نشاطاتها المتعلقة بالوقاية من الفساد ومكافحته، والنقائص التي سجلتها في هذا المجال، والتوصيات المقترحة عند الاقتضاء.
وتعكس المادة بشقيها التركيز على الوقاية في تناول ظاهرة الفساد، ومن هذا المنطلق فإن الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد سيكون لها دور حاسم باعتبار أن مهمة اقتراح سياسة شاملة للوقاية من الفساد تقع ضمن صلاحياتها، وقدمت لها من خلال الدستور الحماية لكل أعضائها وموظفيها الحماية الكفيلة بتمكينهم من أداء مهامهم، وإبلاغ رئيس الجمهورية بكل ما يتم القيام به من خلال تقرير سنوي.