طباعة هذه الصفحة

الاحتفال بـ”النـــــاير” لموسم فلاحي غزير

موعد ثقافي أسقطته العادات في زاوية مغلقة

معسكر : أم الخير سلطاني

في العاشر والحادي عشر إلى الثاني عشر من  يناير من كل سنة ميلادية، تحتفل العديد من الأسر في منطقة معسكر بحلول “أناير “، - حلول السنة الأمايغية- كما يتفق عليه أو السنة الفلاحية، كل حسب عاداته وتقاليده بالرغم من أنها لا تختلف في ربوع شمال إفريقيا أوالمنطقة الغربية للجزائر كما هو عليه حال الاحتفال بالموسم الفلاحي أو الأمازيغي بمنطقة معسكر.
 فالاحتفال بـ«الناير” تقليد توارثه المجتمع المعسكري منذ فترات زمنية طويلة وإن كان العديد من الناس يجهلون الخلفيات التاريخية لهذا الاحتفال الذي لا يرتبط هنا ـ محليا- بأي احتفال ديني، إنما عادة حميدة تناقلت بين العائلات فزادت من تلاحمها وانسجامها، خاصة حين يجتمع أفراد العائلة على “قصعة المخلط” وطبق “الشرشم “ والكسكسي المعد باللحم المملح “الخليع”، كما تحمل هذه العادة الطيبة والموروث الثقافي دلالات أخرى لها علاقة بالاستبشار موسم فلاحي غزير والخير الوفير، كلما تضاعفت فيه حفنات “القمح وفول السنة” في طبق “الشرشم”، كما يذكر أن هذا التقليد لا يزال الاحتفال به قائما بالرغم من الظروف الاقتصادية والاجتماعية وغلاء الأسعار، ولربما كان من أبرز وآخر التقاليد التي لا تزال متوارثة.
ويحتفل سكان منطقة معسكر بحلول موسم “الناير” كل سنة وتتوحد لديهم طرق الاحتفال والتباهي بالحديث عن “قصعات المخلط “ التي تتزين بالمكسرات ومختلف الفواكه المجففة والحلويات المتنوعة، كما تتزين الشوارع والمحلات بالألوان الباهية ومصابيح الأنوار الزاهية، فيما يغمر الدفء البيوت ويجمع الشمل في ليلة ليست كمثل الليالي، فلكل فرد من العائلة كيس من القماش أخيط مسبقا لجمع “حق الناير”، وللغائبين عن حضور الاحتفالية حقهم أيضا.  كما حدثتنا السيدة صليحة، عن مراسيم الاحتفال بالناير وطقوسه لدى عائلتها، قائلة أنه يتم تحضير طبق الشرشم في ليلة العاشر من شهر يناير، ومكوناته من حبوب القمح والحمص والفول التي مضى عليه العام، في إشارة أن الاحتفال بالناير يتجاوز الاحتفال بالسنة الأمازيغية إلى التبشر بسنة فلاحية وفيرة الخير، وهو عند سكان معسكر بمثابة الاحتفال بسنة جديدة. تضيف أن عائلتها تحضر لحفلة الناير مسبقا فيشترون ما طاب ولذ من الحلويات والمكسرات والفواكه المجففة “الحبالي والقشرة”، توضع في قصعة خشبية ويخلط محتواها ثم يوزع في حفنات من طرف أكبر فرد في العائلة وهو رب العائلة إن لم يكن الجد أو الجدة لإضفاء لمسة البركة، وتوضع حفنات “المخلط” في الكيس القماشي المخاط، فيما يترك حق الغائب جانبا حتى يعود، ولو طال غيابه مثلما يقع الحال على فرد من العائلة ملزم بأداء واجب الخدمة الوطنية الذي يظل فراشه وسريره منصوبا في تلك الليلة.
الجانب التجاري يطغى على صفة التراث اللامادي
وان اختلفت طقوس الاحتفال بـالناير بين الأسر في ولاية معسكر بين الممكن توفيره من مأكولات طيبة فهي لا تختلف إلى حد بعيد، لكنها تغيرت جذريا من حيث البعد المادي لهذه المأكولات، وقد بدى ذلك من خلال توضيح السيد محمد، الذي قال لنا أن “الناير” بقي موروثا ثقافيا متجذرا في المجتمع ويكرس الانتماء الحضاري للمجتمع الجزائري كافة، هذا التراث اللامادي الذي يلون صورة امتزاج الثقافات العربية والأمازيغية ويزاوج بين العرقين في الجزائر، وأضاف محمد أن الناير كتراث لامادي، خرج من قالبه المراد به التشبث المطلق بالتراث والتقاليد الاجتماعية المتوارثة، التي تهدف في خلفياتها إلى تلقين قيم الاقتصاد والتخزين، فالفلاح حسبه كان يحتفل بالناير كل سنة، من منتوج أرضه الفلاحي من حبوب ولوز وفاكهة مجففة، وتعلم من الموسم السنوي مفاهيم الإدخار والتخزين وحسن التصرف إضافة إلى كونه يأكل مما تنتج يديه، حتى خرج الناير من قالبه اللامادي فأصبح موسما تجاريا موسوم بغلاء الأسعار وغالبا ما تكون مقتنياته مستوردة ورديئة، وحبا في إحياء احتفالية الناير تضطر أغلب العائلات إلى تكليف نفسها في اقتناء “الناير” بأسعار متباينة بعيدا عن المعنى الحقيقي اللامادي لهذا التراث.