تضمنت وثيقة تعديل الدستور العديد من الخطوات الإيجابية في سياق توسيع الحريات، استجابة للتحولات الوطنية والدولية، وكذا لتكييف التشريعات الوطنية مع المعاهدات والمواثيق الدولية، التي تعتبر مرجعا مهما في هذا السياق.
يبقى توسيع الحريات مكسبا مهما جاء بعد نضالات وتضحيات جسام لمختلف الناشطين في مجال حقوق الإنسان، وعليه لا يمكن أن تتخذ الحريات لتجاوز القانون أو الاعتداء على حرمات الأفراد والمؤسسات والدولة بدرجة أولى، وعليه يجب التركيز على ضرورة تحمل المسؤولية بدلا من المطالبة فقط بالحريات فقط.
وتضمنت مختلف المقترحات الجديدة العديد من الخطوط، التي لا يجب تجاوزها مثلما سنتحدث عنه في المادة 41 مكرر 2.
وأكدت وثيقة الدستور على عدم المساس بحرمة حرية المعتقد، وربطته بحرمة حرية الرأي وهذا حسب المادة 36 من الوثيقة، وتعكس هذه المادة ضرورة احترام حرية كل فرد في اعتناق الدين والمعتقد وعدم الاعتداء عليهم بسبب الاختلاف في المعتقد، ونصت الوثيقة على حرية ممارسة العبادة التي يضمنها الدستور ولكن في ظل احترام القانون الجزائري، وتأتي هذه المادة في سياق الجدل الذي عاشته الجزائر في وقت سابق بسبب التنصير وتحويل الكثير من الأماكن لممارسة شعائر دينية لغير المسلمين، وبالتالي فالاهتمام بهذا الجانب من شأنه أن يضمن تعايشا بين مختلف المعتقدات والديانات شريطة احترام الجميع، وعدم تجاوز القانون حتى لا تحدث مشاكل وتجاوزات.
وتعكس المادة 36 التزام الجزائر بما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1948، والذي يدعو في المادة 19 على ضرورة احترام حرية الرأي وعدم تعرضها لأي اكراهات.
وحافظ الدستور على المادة 41 التي تتحدث عن ضمان أم القوانين لحرية التعبير، وإنشاء الجمعيات، والاجتماع، حيث تعتبر هذه المادة انعكاسا واضحا لما أقدمت عليه السلطة في 2012، حيث أصدرت حزمة من القوانين التي أطلق عليها قوانين الإصلاح التي مست الجانب الإعلامي، والجمعيات والأحزاب السياسية، وبالتالي كان يجب أن تكيف المواد الخاصة بهذه الجوانب مع القوانين الجديدة.
وأشارت وثيقة الدستور في المادة 41 مكرر “حرية التظاهر السلمي مضمونة للمواطن في إطار القانون، الذي يحدد كيفيات ممارستها”. وهي مادة جاءت لتبديد كل المخاوف حول التضييق على التظاهر، بعد الذي حدث في 2011 حيث كادت دعوات التظاهر أن تؤدي بالبلاد إلى ما لا يحمد عقباه، حيث تم تخريب العديد من الممتلكات في العاصمة، وتم فرض قيود صارمة من أجل تفادي الانزلاقات، وبعد سنوات تجدد الدولة حرصها على حماية حق التظاهر سلميا في سياق تعزيز الممارسة الديمقراطية.
دسترة إلغاء عقوبة حبس الصحفي
حملت وثيقة تعديل الدستور مكسبا هاما للأسرة الإعلامية، وهو دسترة إلغاء عقوبة حبس الصحافيين، فبعد تجسيدها في قانون إعلام 12-05 جاء الدور على الدستور، ليؤكد على التزام الدولة للاستجابة لتوسيع الحريات، وهذا بعد نضالات ومراحل كبيرة خاضتها الصحافة الجزائرية، للوصول إلى هذه المكاسب التي ينتظر منها ترقية حرية التعبير والصحافة وربطها بالمصلحة العليا للبلاد.
وبالإضافة إلى ذلك بددت المادة 41 مكرر 2 التخوفات من فرض رقابة قبلية على الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات الإعلامية، من خلال التأكيد على حرية نشاط المؤسسات الإعلامية بما فيها المتخصصة في الإعلام الإلكتروني، ويندرج هذا الأمر كذلك في سياق تأكيد الجزائر تمسكها بالمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،ولكن المادة 41 مكرر 2 يجب أن يتمعن فيها الفرد جيدا، فالتركيز على إلغاء عقوبة الحبس أو سلب حرية الصحفي بسبب جنح الصحافة تم سبقها بضرورة التقيد بعدم التذرع بحرية التعبير والصحافة للمساس بكرامة الغير وحرياتهم وحقوقهم. كما تحدثت المادة “...نشر المعلومات والأفكار والصور والآراء بكل حرية مضمون في إطار القانون واحترام ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية”.
وتعتبر المادة 41 مكرر3 “الحصول على المعلومات والوثائق والإحصائيات ونقلها مضمونان للمواطن. لا يمكن أن تمس ممارسة هذا الحق بحياة الغير الخاصة وبحقوقهم وبالمصالح المشروعة للمقاولات وبمقتضيات الأمن الوطني. يحدد القانون كيفيات ممارسة هذا الحق”. وهي التي ما فتئ الصحافيين يطالبون بها من أجل الحصول على المعلومة وتجسيد حق المواطن في الإعلام، وتزويد الرأي العام بالمعلومات من مصدرها وفي الوقت المناسب، كما أن القائمين على الاتصال بعد دسترة هذا الحق، لا يمكن أن يتذرعوا بأي طائل من عدم منح المعلومات عدا تلك المتعلقة بالحياة الفردية وقضايا الدفاع الوطني والأمور السرية.
ولا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية، والقيم والمكونات الأساسية للهوية الوطنية، والوحدة الوطنية، وأمن التراب الوطني وسلامته، واستقلال البلاد، وسيادة الشعب، وكذا الطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة.