مهرجانات تصنع الحدث ونشاطات فنية في الواجهة
لا يمكن الحديث عن مختلف النشاطات الثقافية، التي شهدتها مدينة عنابة خلال 2015، دون أن تكون البداية بالتظاهرة الكبرى التي عاشتها “بونة” مطلع الشهر الجاري، والتي أعلنت عن عودة الحياة السينمائية إلى هذه المدينة، بعد أن غُيّبت عنها وغابت قاعات السينما التي أغلقت أغلبها، وكاد العنابيون أن ينسوا بأن هناك فن سينمائي.
الفيلم المتوسّطي..الحدث
مهرجان الفيلم المتوسطي أكبر حدث ثقافي احتضنته عنابة خلال السنة الجارية، والذي عاد إلى جمهوره بعد أكثر من عقدين من الغياب، حيث تألّقت لؤلؤة الشرق “بونة”، وتزيّنت بأبهى حلة وهي تستضيف فنانين من مختلف دول بحر المتوسط، وتسترجع مجدها السينمائي وجمهور الفن السابع الذي أقبل بكثرة على مسرح عز الدين مجوبي وقصر الثقافة محمد بوضياف الذين احتضنا العروض، مؤكدا بذلك تعطّشه للسينما، والتي كاد ينسى معالمها بعد أن غابت عليه لفترة طويلة، وأغلقت أبوات القاعات في وجهه دون أي سبب يُذكر.
مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي صنع حدثا ثقافيا بامتياز، ونجاحا كبيرا في طبعته الأولى، بعد أن تمّ تسجيل حضور 40 ألف متفرج من مختلف الفئات، خلال 05 أيام فقط، حيث ينتظر العنابيون أن يكون المهرجان بداية عهد جديد مع السينما، ولا تتوقف العروض عند انتهاء التظاهرة، على أمل الوقوف عند آخر انتاجات الفن السابع في الجزائر أولا، ومختلف دول العالم ثانيا.
المسرح النّسوي يتواصل
من أهم النّشاطات التي شهدتها عنابة أيضا خلال السنة الجارية، “المهرجان الثقافي الوطني للإنتاج المسرحي النسوي” في طبعته الرابعة، والذي احتضنته الولاية شهر مارس الماضي، حيث أصبح تقليدا راسخا لدى العنابيين وعشاق الفن الرابع، وهو المهرجان الذي تسهر عليه الفنانة صونيا، وتُجدّد الموعد كل سنة مع جمهورها، لإبراز نشاطات الفنانات الجزائريات ودورهن في إثراء الساحة الفنية في مختلف المجالات، من تمثيل وسيناريو وإخراج وسينوغرافيا.
إضافة لعروض موجهة للأطفال، في إطار برنامج “أبي خذني للمسرح”، وشهادات لمجاهدات شاركن في الثورة التحريرية الكبرى.
مهرجان طلاّبي في الأفق
ما ميّز عنابة أيضا ثقافيا خلال السنة الجارية، هو الإعلان عن ميلاد مهرجان ثقافي طلابي، حيث نُظّمت طبعة تجريبية له، وأهم ما ميّ زه هي العروض التي أجريت في الهواء الطلق، وبالضبط على ركح المسرح الروماني في موقع “هيبون” الأثري، الذي يعود تاريخه إلى القرن الأول ميلادي، وذلك كتجربة لإعادة الحياة للمواقع الأثرية الرومانية، التي أصبحت في طي النسيان، وتعاني من التهميش واللامبالاة، على غرار الموقع المتواجد تحت كنيسة “لالة بونة” وسط مدينة القديس سانت أوغسطين.
ونشاطات أخرى..
إلى جانب هذه المهرجانات وإن كانت على قلّتها، إلا أن عنابة شهدت أيضا تنظيم نشاطات ثقافية وفنية متعددة، ارتبطت بمختلف المناسبات الوطنية والدينية، على غرار المولد النبوي الشريف الذي سطّرت له مختلف المديريات والجمعيات برامج متنوعة، على رأسها حفظ وتجويد القرآن الكريم، ونشاطات خاصة باندلاع الثورة التحريرية المجيدة، عيدي الاستقلال والشباب، مظاهرات 11 ديسمبر، وغيرها من المناسبات..
ابن بونة يرحل عنها
وإن كان أبناء “بونة” عايشوا لحظات من الفرح، إلاّ أنّهم في ذات الوقت فُجعوا برحيل قامة سينمائية فذّة، كان لها الفضل الكبير في إثراء الساحة الفنية السينمائية بأعمال خالدة، حيث لم تُدر عنابة التي ولد بها ظهرها له، وإنما استذكرته في الكثير من المرات، آخرها مهرجان الفيلم المتوسطي. هو ابن عنابة البار المخرج القدير عمار العسكري من مواليد عين الباردة، الذي غيّبه الموت في الفاتح من ماي الماضي عن عمر ناهز 73 سنة، ليترك محبّيه يبكون فراقه، وينعون إلى يومنا هذا من صنع مجد السّينما الجزائرية.
عنابة ستبقى تتذكّر أحد أبنائها المناضلين، الذين ينتمون إلى الرّعيل الأول من المخرجين الجزائريين الذين ميزت أعمالهم السينما بعد الاستقلال، وستبقى تتذكّره برصيده الفني التاريخي الذي تركه للأجيال القادمة، على غرار “دورية نحو الشرق”، “المفيد” و«أبواب الصمت”، وآخر أعماله “زهرة اللوتس” سنة 1999، وهو إنتاج مشترك جزائري ـ فيتنامي، إلى جانب عدة أفلام قصيرة، حيث لا يمكن لعنابة أن تتحدث عن السينما مستقبلا، دون أن تذكر ابنها عمار العسكري الذي يأويه تراب المدينة.