عودنا إعلامنا على أسلوب ينتهجه العاملون في هذا الحقل، واستقر على هذا الحال إلى درجة أصبح المتتبع هو الآخر يتحين المناسبة للحديث في موضوعها.
والحديث حينما يكون مرتبطا بمناسبة معينة وقت حدوثها، قد لا يفي بما تستحق، أو لا تكون الدراسة والمعالجة بالقدر الذي يتطلبه الوضع.
إضافة إلى ظاهرة أخرى يبدو أنها من ابتكار إعلامنا، حيث تناول أي موضوع من المواضيع خاصة تلك المرتبطة بمناسبة معينة، يجد المتتبع نفسه محاصرا حيثما اتجه بنفس الموضوع إن لم نقل نفس الكلام المتناول في جميع وسائل الإعلام أو تكاد، وكأن كل وسائل الإعلام أو بالأحرى كل الإعلاميين اتفقوا دون سابق إشعار على موضوع معين وفي وقت معين، وإن حاولت تصفح عناوين اليوميات لمعرفة ما جادت به صفحاتها لإكتفيت بواحدة منها تغنيك وتعفيك من عناء البحث لأن ما يكتب هنا يكون هناك مع فارق بسيط في بعض العناوين الجذابة التي تستهوي المتلقي لإقتناء هذا العنوان أو ذاك. أما ما يتعلق بالقنوات فتلك بدعة أخرى، اختصت فيما يعرف بكاميرا الشارع، وهذا أيضا اختراع جزائري، الهدف منه ترقية الإعلام الحر وتحقيق مبدأ حرية التعبير، وما تراه على شاشة هذه القناة تشاهده على الأخرى.
حيث لا نرى تنوعا في المواضيع المقدمة للقارئ أو المشاهد يضفي التنافس بين وسائل الإعلام ومتابعة حقيقية لكل ما يدور في البلاد، الأمر الذي يتطلع إليه المواطن الجزائري، من تقص للأحداث ودراسة للمواضيع في المجالات المختلفة، ما يساعد المجتمع الجزائري حاكما ومحكوما في الوقوف على الواقع.
من هذا المنظور أصبح إعلامنا مناسباتيا لا إعلاما يتقصى قضايا المجتمع التي لا حصر لها، لو أنهم سعوا إلى ذلك لما عرفوا الراحة من كثرتها وتنوعها. فعلى سبيل الذكر لا الحصر وبمناسبة إنتخاب ثلثي أعضاء مجلس الأمة الذي هو موضوع الساعة هذه الأيام.
هذه المؤسسة التي تحتل المرتبة الثانية بعد الرئاسة في الدستور الجزائري، اعتقد أنها تحتاج إلى دراسة خاصة يشارك فيها المختصون في العلوم القانونية على وجه الخصوص.
صحيح أن هذه المؤسسة لم تأت هكذا، الأكيد أنها وليدة تفكير، الهدف منه تكريس الإرادة الشعبية في ممارسة سلطة الشعب المكرسة دستوريا، وحتى أكون مختصرا في التطرق لهذه الهيئة الدستورية، سوف أركز على جانب غاية في الأهمية، يتعلق بتشكيلة مجلس الأمة، ومدى تماشيها مع ما جاء في الفصل الثاني من الدستور تحت عنوان “الشعب”، الذي ينص صراحة على أن الشعب مصدر كل سلطة.
البرلمان كما هو معلوم يتكون من غرفتين (مجلس شعبي وطني ومجلس أمة) لكن الغريب في الأمر أن الساسة والإعلاميين وحتى المثقفين والعوام أيضا يسمون المجلس الشعبي الوطني بالغرفة السفلى، لست أدري إن كان القصد من وراء هذه التسمية نتيجة لإيمانهم بالمستوى المتدني لأعضاء هذه الغرفة أم لكونها أقل درجة من مجلس الأمة وهو ما جاء به الدستور.
الأصل أن نواب الشعب يتم انتخابهم عن طريق الإقتراع السري والمباشر من طرف الشعب، في حين يتم انتخاب أعضاء مجلس الأمة بطريقة غير مباشرة من بين منتخبي المجالس البلدية والولائية، (طبعا يتعلق الأمر بالثلثين) مما يدفعنا إلى القول بأن النواب هم الممثلون المباشرين للشعب، لأن هذا الأخير هو من اختارهم بنفسه لتمثيله على هذا المستوى، في حين يفترض أن الأعضاء الذين يمثلون ثلثي مجلس الأمة إنما انتخبهم الشعب لتمثيله على مستويات أدنى من مستوى المجلس الشعبي الوطني نظرا لإعتبارات خاصة، قد تتعلق بكفاءة الشخص المختار لهذا المستوى أو ذاك، أو لإعتبارات أخرى إرتآها مسؤولي الأحزاب السياسية.
من جانب آخر، المعلوم عند العام والخاص، أنه كلما تعددت الآراء تبين واتضح الأمر أكثر، لكن يبدو أن مقولة (الكثرة والربى) أصبحت واقعا ملموسا عندنا. مع كل هذا نجد أن أعضاء الغرفة الثانية هم من يتمتعون بالمكانة الأعلى مقارنة بنواب الشعب المباشرين، الأمر الذي يحد من ممارسة الشعب للسلطة كما نص عليه الدستور.
هذه في رأيي عينة من قضايا كثيرة تتطلب من إعلامنا الوقوف عليها ودراستها أو طرحها للدراسة من قبل المختصين في المجالات المختلفة. إلا أن ما وجدنا عليه إعلامنا هو التركيز فقط فيما إذا كانت هناك تحالفات بين منتخبي التشكيلات السياسية للظفر بأكبر نسبة من المقاعد، لتمثيل الشعب الذي انتخبهم بطريقة غير مباشرة في الغرفة العليا، حتى يكونوا سدا منيعا أمام نواب الشعب في الغرفة السفلى بإيعاز من رؤسائهم السياسيين. والحديث في هذا الموضوع لا يمكن إيفائه حقه، نظرا لمكانة هذه الهيئة الحساسة.
يبقى على إعلامنا الخروج من القوقعة التي وضع نفسه فيها، من مجرد إعلام ناقل للخبر الى إعلام فعال يساهم بصفة إيجابية في تنوير الرأي العام بكل مايتطلبه الوضع.