طباعة هذه الصفحة

الامين العام الاممي في المنطقة قريبا

تجديد الثّقة في مهمّة روس وإجبـار البلد المحتل على المفاوضات مـع البوليزاريـو

جمال أوكيلي

حذّرت الأمم المتّحدة المغرب من التّمادي في سياسة الهروب إلى الأمام بتجاهل ما يقرّره هذه المنتظم الدّولي تجاه تقرير مصير الشّعب الصّحراوي، وضرب المساعي الجارية عرض الحائط، الرّامية إلى إيجاد تسوية منصفة للقضية الصّحراوية.
وجاء هذا التّحذير الأممي الشّديد جرّاء المحاولات المغربية اليائسة المبنية على التّهديد والوعيد تجاه السيد كريستوفر روس، المبعوث الشّخصي لبان كي مون، الذي وصفه وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار في تصريح لوكالة الأنباء الإسبانية بـ “الشّخصية غير المرغوب فيها”، و«لا عمل له في الصّحراء الغربية المحتلة، من الآن فصاعدا”.
هذا التّصريح الصّادر عن مسؤول سياسي مغربي، أثار دهشة واستغراب الأوساط المتابعة للملف الصّحراوي، والتي سجّلت مرة أخرى التّعنّت المغربي حيال الشّرعية الدولية، برفضها الإنصياع للوائح مجلس الأمن في هذا الشّأن.
ولم يسكت المسؤولون الأمميّون عن هذا التحدي المغربي الملاحظ في خطاب المغاربة خلال الآونة الأخيرة، خاصة عشية إحياء الذّكرى الـ ٤٠ لمسيرة العار، والتّطاول الجنوني الذي أظهروه تجاه الأمم المتّحدة بمحاولة لإقصائها وتهميشها وحتى عدم الإعتراف بها في الإشراف على نزاع تحت وصايتها المباشرة. وهكذا قال هؤلاء “لا يوجد هناك تنازل أكثر من سقف ما يسمّى بالحكم الذّاتي”، هذا ما كشف أنّ هذا البلد المحتل يتّجه نحو ما يعرف بالتصلب والتّشدّد قد يؤدّي به إلى نتائج وخيمة جرّاء دوسه على القرارات الأممية، ظهرت بقوة وبسرعة في “صفعة” الاتحاد الأوروبي، الذي ردّ الصّاع صاعين، وهذا بإبطال مفعول الإتفاقيات المبرمة مع هذا البلد، زيادة عن توقيفه عند حدّه نتيجة رفضه التّعامل مع المبعوث الإفريقي جواشيم شيسانو، والإستهتار بكل ما يصدر عن الهيئات الرّسمية التابعة للاتحاد الإفريقي فيما يتعلق بالقضية الصّحراوية، حتى ما يسمّى بحلفائه التّقليديّين تخلّوا عنه وطالبوه بالإذعان إلى الأمم المتّحدة. وتأكيدا لمصداقية الأمم المتّحدة، سارع السيد فرحان حق النّاطق المساعد باسم بان كي مون، إلى التّوضيح بأنّ الأمم المتّحدة ستستمر في الدفاع عن حق مبعوثها الشّخصي روس في زيارة الصّحراء الغربية تماشيا مع المهمّة التي كلّفه بها مجلس الأمن، مبرزا لكل من أقدم على مثل هذا التهور: “لقد دافعنا ولازلنا ندافع عن حق روس في الانتقال إلى كافة أراضي إقليم الصّحراء المندرجة في إطار المهمّة المعني بها”.
هذه المعاداة والإساءة لروس، ليست جديدة بقدر ما هي قلق مغربي واضح تجاه التطورات الايجابية التي تشهدها القضية أمميا، بالأمس كان يتّهمه بالإنحياز لطرف معين، وطالب باستبداله قصد السّماح بتحريك الملف، لكن القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة اعترضت على ذلك بشدة رافضة المساس بمسار التّسوية على الشّكل الذي يريده المغرب ألا وهو إبعاد روس من القضية وسحب منه الملف، هذا كلّه أدّى إلى تعطيل المسألة التي تراوح مكانها، آخرها كان رفض المغرب الدخول في مفاوضات مباشرة مع جبهة البوليزاريو. ولابد من توفّر آلية ذات وزن وفعالية لوضع حدّ لهذه الغطرسة المغربية، وهكذا أعلن روس أنّ الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون سيزور المنطقة في غضون الشّهر الدّاخل، وهذا لتحريك جهود الوساطة وفق دعوته الخاصة بإجراء مفاوضات مباشرة التي كانت يوم ٤ نوفمبر المنصرم.
ويعتقد أنّ المغرب لا يرفض زيارة بان كي مون كذلك بعدما أن صنّف الأمم المتّحدة ضمن “خصومه”، الذين يطالبونه منذ أربعين سنة بالتّخلي عن هذا الإقليم، والخروج منه فورا دون لفّ أو دوران، لكنّه في كل مرة يرفض ذلك متحديا الجميع، والأدهى والأمر هنا هو أنّه يتعمّد في تأويل لوائح الأمم المتحدة التي تطالب بتقرير مصير الشّعب الصّحراوى على أنّها لصالحه، والواقع غير ذلك، حتى القرار الأوروبي كيّفه وفق مزاجه، وهذا بالتّحايل على الرأي العام على أنّه لا شيء طرأ على القضية أمميا أو أوروبيا.
ولابد أن يدرك المغرب بأنّ قدوم بان كي مون إلى المنطقة بالإضافة إلى القرار الأوروبي الأخير، كفيلان بالتّأكيد على أنّ إقليم الصّحراء الغربية مازال محلّ نزاع قائم على تصفية الإستعمار، مرجعيته اللاّئحة ١٥ / ١٤، هذا ما يعمل المغرب على تجاهله عمدا ربحا للوقت، وترويجا لإدّعاءاته الباطلة التي ليس لها أساس من الصّحة. ولا يمكن للمغرب هذه المرة الإختباء وراء تلك الأقاويل الكاذبة، لأنّ بان كي مون يأتي في مهمّة سياسية واضحة ألا وهي تسوية القضية الصحراوية تسوية تكون على مبادئ شفّافة، منها إجبار البلد المحتل على استئناف المفاوضات مع جبهة البوليزاريو الممثّل الشّرعي والوحيد للشّعب الصّحراوي.
هذا هو الإطار العام لمجيء بان كي مون إلى المنطقة، ليس هناك حكم ذاتي و«لا هم يحزنون”، كل ما في الأمر أنّ هناك مبدأ تقرير مصير الشّعب الصّحراوي، خاصة بعدما أبدى المغرب رفضه لشخص روس كمبعوث شخصي لبان كي مون، وهذا باصطناع جوّ خاص من الإنسداد، لفرض أمر واقع معيّن اعتاد عليه منذ أربعين سنة من خلال إقراره لتلك “اللاّءات” ليواصل الانفراد بالصّحراء الغربية دون أي محاسبة سياسية.