تتجه الجزائر في السنوات المقبلة نحو اعتماد النهج غير الهيكلي لإدارة الفيضانات، بعدما كانت سياستها السابقة ترتكز على تعزيز البنية التحتية القاعدية لقطاع الموارد المائية، من خلال توجيه سياسة التدابير الهيكلية للتنبؤ بالخطر وتنفيذ نظام الإنذار المبكر للتحكم أكثر في الظاهرة، لاسيما بعد أن أكدت دراسة حول «وضع استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفيضانات»، أن بلادنا ليست بمنأى منها، في ظل التغيرات المناخية والاحتباس الحراري الذي تسبّب في كثير من المرات بفيضانات عديدة وفي مناطق مختلفة.
في هذا الإطار، قال الأمين العام لوزارة الموارد المائية والبيئة الحاج بلكاتب، إن الدراسة التي قام بها مكتب إسباني - هولندي، في إطار تنفيذ برنامج التعاون الأوروبي للماء-2، ستسمح بوضع برنامج على المديين القريب والبعيد يمتد إلى غاية 2030، باتخاذ إجراءات على المستوى الوطني لمواجهة الفيضانات، على غرار برامج حماية المدن، مشيرا إلى أن الهدف من هذه الورشة هو معرفة درجات الخطورة على المستوى الوطني، حتى يتم إنجاز واتخاذ التدابير الاستعجالية، على غرار ما تم القيام به في بلعباس، غرداية والعاصمة.
وأكد بلكاتب أن الدراسة الأولية شخّصت الوضع الراهن للجزائر في مواجهة الظواهر الطبيعية، لاسيما الفيضانات التي أصبحت مشكلا حقيقيا ومعقدا وذلك بعد زيارة ميدانية لـ50 موقعا معرضة لدرجة كبيرة من الخطورة موزعة عبر 38 ولاية وتم تحديد 689 منطقة مهددة بالفيضانات، مذكرا بنماذج عن حالات الفيضانات التي شهدتها بلادنا، على غرار باب الوادي، غرداية، البيض، بشار والطارف والتي تسببت في خسائر مادية وبشرية كبيرة، كان لها آثارها السلبية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ما يستدعي- بحسبه – إعادة توجيه سياسة التدابير الهيكلية للتنبؤ بالخطر وتضافر الجهود بين القطاعات.
وبحسب بلكاتب، أكدت التدخلات أن مكافحة الفيضانات بالجزائر، عمل مشترك يخص كل القطاعات لتدارك النقائص المسجلة، من خلال برنامج خاص على المستوى الوطني لحماية المدن، خاصة وأن الظاهرة تمس المحيط، الحفاظ على الوسط المعيشي للمواطنة وحركية الحياة، وكذا المحافظة على المكتسبات والمشاريع، لاسيما الهيكلية منها المنجزة.
من جهته أكد مدير التطهير وحماية البيئة بوزارة الموارد المائية أحسن آيت عمارة، لـ «الشعب»، أن الدراسة بعد تحديدها لـ50 موقعا معرضة للفيضانات بدرجة عالية الخطورة، سيتم استقراء النتائج المحققة بالنسبة للمناطق الأخرى بما سيسمح بفهم الإشكالية، التصنيف ومن ثم تحديد الإجراءات الواجب اتخاذها والأولويات ورسم رؤية واضحة المعالم لتحديد خطة العمل التي من شأنها السير نحو حماية المدن بخطى ثابتة.
وأشار آيت عمارة إلى أنه في السنوات السابقة، كانت الجهود موجهة نحو تعزيز القواعد الهيكلية للقطاع من سدود وغيرها. أما هذه الدراسة فتركز على النهج غير الهيكلي، أي من خلال توجيه سياسة التدابير الهيكلية للتنبؤ بالخطر وتنفيذ نظام الإنذار للتحكم أكثر في الفيضانات ويتم العمل وفقا لمخطط العمل الذي ستخلص إليه الدراسة، مشيرا إلى أن المناطق الأكثر تعرّضا متواجدة في الشمال والشرق وكذا الجنوب الذي يتميز بخصوصية فجائية الفيضانات التي تؤدي إلى كوارث حقيقية.
في المقابل، تطرقت مديرة التعاون ووفد الاتحاد الأوروبي السيدة «نافارو»، إلى ثلاث نقاط رئيسية وصفتها بالأساسية، أكدت فيها حاجة الجزائر لوضع استراتيجية وطنية شاملة لمجابهة الفيضانات التي تحتاج إلى الكثير من العمل، التنسيق القطاعي لمواجهة الظاهرة وتعزيز الجهود على المستوى الميداني.
من جانبها تحدثت السيدة حموش، المديرة المسؤولة على برنامج الماء-2، عن تخصيص 30 مليون أورو للقيام بهذه الدراسة وأهم المحاور المركز عليها، كالتخطيط الاستراتيجي والمالي، التكوين، تسيير البنى التحتية الهيكلية ونوعية المياه، وفائدة البرنامج الذي لخصته في تعزيز الاتصال والتعاون والتنسيق بين القطاعات، فتح النقاش على مستوى إدارات القطاع حول المسائل الاستراتيجية والترشيد المالي وحماية الموارد المائية.