تـوازن، موضوعيــة والتـــزام
استعرض الدكتور أحمد حمدي، عميد كلية الإعلام والاتصال، أمس، مراحل تأسيس جريدة “الشعب” في ذكراها الـ53، خلال ندوة فكرية نشطها بمنتدى الجريدة بعنوان “الشعب..مدرسة ورمز”، بحضور وزير الاتصال حميد ڤرين، وسفير دولة فلسطين بالجزائر لؤي عيسى، ومجموعة من الشخصيات الإعلامية، مؤكدا أن جريدة “الشعب” تعد من اليوميات المسؤولة والمتوازنة والتي لها تأثير في المجال السياسي والاقتصادي.
أبرز أحمد حمدي أهمية جريدة “الشعب” على الساحة الإعلامية، كونها أول جريدة تصدر في الدولة الجزائرية المستقلة كتحدي لسياسة الأرض المحروقة التي قامت بها المنظمة الإرهابية “لواس”، ولها مكانة كبيرة في مسيرة الصحافة الجزائرية التي ولدت في خضم الاستعمار والناطق باسم الاستعمار لكن الحركة الوطنية افتكت مكانتها وجعلت الصحافة جزء من وسيلة كفاح الشعب الجزائري، كما أن يومية «المجاهد» قامت بدور كبير في التعريف بالقضية الجزائرية، وحسبه من الصعوبة الحديث عن ذكرى تأسيس الجريدة أمام صانعيها.
وفي هذا الصدد، أوضح عميد كلية الإعلام والاتصال، أنه غداة الاستقلال قامت منظمة الجيش الإرهابي «لواس» بعملية تدمير المطابع والمكتبة المركزية، مما خلق مشكل في المطابع غداة الاستقلال خاصة باللغة العربية، وهنا جاءت مكانة جريدة “الشعب”، كونها أول صحيفة يومية عربية وأول جريدة تصدر في الدولة الجزائرية المستقلة، وصدورها في هذه الفترة تحدي لسياسة الأرض المحروقة لمنظمة «لواس»، مشيرا إلى أن جبهة التحرير أرسلت عدة بعثات إلى الخارج لتكوين إطارات جزائرية في مختلف المجالات سنة 1958 من ضمنها تم إرسال بعثة لتكوين صحافيين سنة 1961، وهذا مهم جدا.
وقال أيضا أنه غداة تأسيس جريدة “الشعب”، كان هؤلاء قد عادوا من مصر، لكن كانت هناك صعوبة كبيرة في عملية التأسيس، واصفا جريدة “الشعب” بذاكرة الدولة الجزائرية المستقلة بحكم أن الصحافة هي جزء من التأريخ اليومي للأحداث، مؤكدا أن جريدة “الشعب” ظلت منذ تأسيسها لغاية سنة 1988 شبه الناطق الرسمي باسم الحكومة الجزائرية، علما أن الجزائر كانت غداة الاستقلال لها صحافة تصدر في الشرق والغرب، لكن من يتحكم فيها هم غلاة الكولون الذين أرادوا بعد 1962 التكيف مع الدولة الجزائرية بهدف صناعة الرأي العام، بعدما كانت تتنكر لها، كما أنها رغبت تطبيق اتفاقيات إيفيان بناءا على تفكير فرنسا لهذه الاتفاقيات.
وأشار حمدي، إلى أنه في صائفة 1962، كان هناك صراع على السلطة في الجزائر، ودامت فترة الفراغ الإعلامي من جويلية لغاية سبتمبر، حيث أنه في 5 جويلية 1962 أعيد تأسيس جريدة “لالجيري ريبوبليكا” التابعة للحزب الشيوعي، لكن صحافة الدولة الجزائرية أو جبهة التحرير لم تكن موجودة لهذا اتخذ المكتب السياسي للافلان بتلمسان قرار إصدار جريدة بالعربية والفرنسية، وتطبيقا لهذا القرار كلف المجاهد المرحوم صالح الوانشي بتأسيس هذه الجريدة الذي قام بإصلاح مطبعة “صدى الجزائر” التي دمرتها «لواس»، لتحتضن جريدة “الشعب” لكن بالفرنسية كونها تذكير بجريدة حزب الشعب الجزائري الصادرة عام 1938 التي كان رئيس تحريرها الشاعر الكبير مفدي زكرياء، حيث صدر منها عددان ثم أغلقها الاستعمار، وزج بمفدي زكرياء في السجن.
العدد التجريبي للجريدة صدر بتاريخ 13 سبتمبر 1962
وأضاف المحاضر أنه في الذكرى الرابعة لتأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية كان موعد لانطلاق الجريدة بالنسختين العربية والفرنسية، حيث صدر العدد التجريبي بالحروف اللاتينية بتاريخ 13 سبتمبر 1962، مشيرا إلى أن النسخة بالعربية واجهتها صعوبات الطباعة، وبعد مجهودات كبيرة دامت أكثر من شهرين صدر العدد الأول للجريدة بالعربية، وكانت رغبة القائمين على هذه الجريدة هو إصدارها في الفاتح نوفمبر 1962 لكن المطبعة حالت دون هذا الهدف، ولهذا تم اختيار يوم 11 ديسمبر 1962 احياءً لذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1962.
وقال أيضا أن صحيفة “الشعب” حلت محل الجريدة الاستعمارية المؤممة من بينها “لاديباش دالجي”، وتم في هذه الفترة تغيير اسم جريدة “الشعب” من الكتابة “الشعب” مقابلها بالفرنسية وقد استمرت في الصدور في 19 جوان 1965، حيث صدرت المجاهد في 22 جوان، بينما صحيفة “الشعب” استمرت في الصدور.
وفي هذه النقطة، أوضح حمدي أن جريدة “الشعب” مرت بعدة مراحل كبرى من سنة 1962 إلى جوان 1965، و1965 إلى 1979 ومن سنة 1979 لغاية 1988 التي انتهت فيها فترة الاوحادية الحزبية، وأخيرا الفترة من 1988 لغاية اليوم شهدت عدة مراحل، كما أن الصحافة في الجزائر ظلت تسير وفقا للقوانين الفرنسية منها قانون المشهور غداة الاستقلال رقم 62-157 القاضي باستمرار كل القوانين ما عدى التي تتنافى مع السيادة الوطنية، فبقيت الصحف تسيير وفق هذا الاتجاه.
وحسب عميد الكلية فإن جريدة “الشعب”، كانت تسير وفق أوامر سياسية وليس وفقا لقانون الإعلام وتم صدور أول مرة الشركة الوطنية للصحافة الجزائرية سنة 1969، حيث كانت افتتاحية العدد الأول تضم مبادئ وأسس تسيير الجريدة.
وفي الختام أكد أن جريدة “الشعب” كانت متوازنة جدا ومستقرة ولا تعتمد المغالاة، وهي مسؤولة على ما تقوله، مشيرا إلى أن الباحثين في مجالات علوم الإعلام والاتصال اليوم يفرقون بين نوعين من الصحافة الأكثر مبيعا وتأثيرا قائلا أن جريدة “الشعب” هي الأكثر تأثيرا لكن ليست بذات التأثير في السياسة والاقتصاد، مضيفا: “نحن بحاجة إلى صحافة أكثر تأثيرا وأتمنى للجريدة طول العمر”.