دخل مؤخرا عالم التأليف من بابه الواسع من خلال كتابه “موسوعة تاريخ كأس العالم لكرة القدم”... إنه الصحفي القدير مسعود قادري، الذي كان من الرعيل الأول بالقسم الرياضي لجريدة “الشعب” منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي... يمثل كتابه عصارة الأحداث التي عايشها مع الكرة والرياضة بصفة عامة...
يُعرف عن مسعود قادري، أو كما يناديه من عملوا معه “عمي مسعود”، الانضباط الذي أكسبه احترام كل من احتك به في العمل وطريقته الفريدة في تسيير العمل مهما كانت صعوبته... هذه الميزة جاءت من تراكم التجارب والحنكة التي اكتسبها على مر السنين التي قضاها في المجال الإعلامي.
بالرغم من المناسبات العديدة التي التقيت فيها بـ “عمي مسعود”، إلا أن المرة الأولى التي بقيت في ذاكرتي ولن تبارحني أبدا وأعطتني صورة نيّرة عنه... تعود إلى أيام كنت بالجامعة طالبا في معهد علوم الإعلام والاتصال... أين اخترت إنجاز بحث حول الأسبوعية الرياضية في نهاية الثمانينيات “المنتخب” التي كانت تابعة لمؤسسة “الشعب”... توجهت إلى مقر الجريدة لطلب معلومات عن الجريدة ومحتواها وطريقة عمل الصحفيين... هنا “فوجئت حقا” بالاستقبال الحار لمديرها آنذاك مسعود قادري، الذي وفّر لي كل الإمكانات لأنجز بحثي في ظروف مريحة.
وشاءت الصدف أن تكون مسيرتي المهنية بعد التخرج في جريدة “الشعب”، حيث أصبحت ألتقي بمدير “المنتخب” بانتظام، سواء من خلال المقالات التي كان يكتبها أو التغطيات الاعلامية في الميدان... وانطباعي الأول عن الشخص مازال ساري المفعول إلى اللحظة.
عمي مسعود قادري الذي “تقاعد” منذ سنوات عدة، ازداد اهتمامه بالكتابة بصفة خاصة... فبالاضافة إلى الكتاب الذي صدر له هناك مشاريع أخرى في الطريق سترى النور قريبا.
مسيرتي في جريدة “الشعب” بدأت في القسم الدولي...
استقبلنا الصحفي القدير الذي حدثنا في أول الأمر عن بداياته في أمّ الجرائد، أين مازال يحتفظ في بذاكرته حتى باليوم الذي وظّف فيه بصفة رسمية: “كان ذلك يوم 2 ماي 1973 وذلك كصحفي رسمي، بعد أن مررت بفترة عمل كمتعاون. أثناءها كان رئيس التحرير هو الهادي بن يخلف ومحمود زعيم مكلف بالإدارة... ولم يكن في الجريدة آنذاك مدير بعد تعيين المرحوم عيسى مسعودي في منصب آخر... فقد كنت في كلية العلوم واتصلت ببعض الزملاء في جريدة “الشعب” الذين دعوني لإجراء اختبارات صغيرة لمعرفة مستواي، فالتحقت بهذه الجريدة - المدرسة في القسم الدولي، الذي عملت فيه لمدة تفوق السنة، تحت إشراف أحد الصحافيين الكبار سعيد حموش الذي تكّون بالكويت. وكان المرحوم كمال عياش مكلفا بالقسم الوطني والهادي بن يخلف رئيسا للتحرير، في حين كان يشرف على القسم الرياضي المرحوم مسعود زغيب، ويعمل الى جانبه بلقاسم غماس، الدكتور عمر بن خروف الذي كان أستاذا في التاريخ... في سنة 1974 بمناسبة الألعاب المغاربية التي نظمت بالجزائر، كان القسم الرياضي بحاجه إلى تدعيمه بصحافيين، وبما أنني كنت أميل إلى الرياضة التحقت بالقسم الرياضي في سن 25... حيث كنت مهتما بالرياضة، لأنني تابعت تكوينا في معهد تكوين إطارات الشباب والرياضة ولدي إلمام واسع بالقوانين الرياضية... كما أنني كنت أمارس الرياضة في ذلك الوقت... ولذلك كانت كل الظروف مواتية لكي ألتحق بهذا القسم”. ليضيف مسعود قادري، أن “رئيس القسم مسعود زغيب استقال من منصبه وتحول إلى وزارة الشباب والرياضة كمدير فرعي، في وقت وزير القطاع عبد الله فاضل... وعين طبطاب على رأس القسم الرياضي الذي بدأت مسيرتي في القسم الرياضي معه، والتحق بنا بعد ذلك بلقاسم خماس وعبد القادر جبلون... وكانت الانطلاقة الحقيقية للقسم الرياضي بجريدة الشعب بعد الألعاب المتوسطية عام 1975”.
لماذا كانت الألعاب المتوسطية الانطلاقة الحقيقية؟ يقول قادري: “قبل هذا الموعد كانت لدينا صفحة يومية غير قارة، تحذف من حين لآخر ما عدا الصفحة التي تنشر فيها نتائج المقابلات بعد جولة البطولة الوطنية”.
تثبيت الصفحة الرياضية وجعلها قارّة في 1975
بعد الألعاب المتوسطية 1975 بشهرين، تم تعييني على رأس القسم الرياضي، وبدأنا في العمل على تثبيت الصفحة الرياضية لكي تكون قارة ويومية، الأمر الذي استدعى انتداب صحافيين آخرين للقسم، حيث التحق بنا كل من عبد الرزاق دكار، نجيب بوكردوس وعبد الرحمان شويعل، إضافة إلى إنشاء شبكة حقيقية من المراسلين عبر الولايات التي يوجد فريق يلعب في القسم الأول لكرة القدم لتقديم كل المعلومات وتغطية المقابلات، يقول ضيف الشعب. من جهة أخرى، فإن تنظيم الجزائر الألعاب الافريقية عام 1978، زاد في المسيرة المستمرة إلى الأمام بالنسبة للقسم الرياضي، حيث أن إقبال القراء كان في تنامٍ مستمر، وهذا بالاهتمام بالصفحات الرياضية مما فتح آفاقا جديدة لهذا القسم، في نظر الزميل مسعود قادري...
تعب ومعاناة في إرسال المواضيع....
وأنا أستمع لما كان ضيفي يرويه عن مسيرته بالجريدة، أدركت أن تطور الإعلام الرياضي كان يسير بالتوازي مع التطور الرياضي الكبير بالجزائر، ليس في كرة القدم فقط وإنما في رياضات كرة اليد وألعاب القوى والملاكمة... وهنا يضيف مسعود قادري قائلا: “هذا التطور الكبير أعطى لنا فرصا لمتابعة المنافسات خارج الوطن والسفر إلى البلدان التي كانت تحتضن المنافسات التي يشارك فيها الفريق الوطني، على غرار الألعاب المتوسطية عام 1979 التي احتضنتها مدينة سبليت بيوغسلافيا - سابقا -، والألعاب الأولمبية 1980 وكأس إفريقيا لكرة القدم لنفس السنة... ويتذكر محدثنا أن الصعوبة لم تكن في الحصول على المعلومات، لكن في أمر آخر خلال المهمات بالخارج، حيث يقول: “كنا نعاني من مشكلة كبيرة في إرسال المواضيع بسبب عدم توفر الوسائل التي تمكننا من ذلك، أحيانا نمكث في مركز البريد للاتصال هاتفيا بالجزائر لمدة 24 ساعة، متعبين وجد منرفزين من عدم تمكننا من إيصال المعلومات التي تهم القراء... وصلت إلى حد البكاء خاصة في ألعاب البحر المتوسط 1979 بسبليت (يوغسلافيا سابقا)... على خلاف صحافيينا الذين يكتبون بالفرنسية، الذين كان بإمكانهم استعمال التيليكس في ذلك الوقت... وبالتالي يمكننا القول إن زمن الفاكس هو الذي أنقذنا في التغطيات الإعلامية خارج الوطن”.
من جهة الأداء الرياضي، مازال يتذكر عمي مسعود الأداء الراقي للمنتخب الوطني لكرة القدم في تلك الدورة بحضور لاعبين ممتازين وكان مرشحا لنيل الميدالية الذهبية، حيث أبدع كل من سليماني، دوادي، كويسي، بن شيخ، بلومي... بعد أن أجروا تربصا لمدة شهر في المكسيك.
وأصبحت المواعيد الدولية عديدة بالنسبة للمنتخبات الوطنية، لاسيما كرة القدم، حيث يقول مسعود قادري: “كنا نتابع المقابلات في جو فريد من نوعه في قسم التحرير بحضور المدير العام بوعروج وصحافيين، أمثال بشير حمادي... ارتفعت نسبة المساحة المخصصة للرياضة في جريدة الشعب في بداية الثمانينيات، خاصة وأن المنتخب الوطني حقق في سنة 1982 أول مشاركة له في كأس العالم... أي أن الاهتمام الجماهيري بالمونديال يكون كبيرا... وبالتالي تم إيفاد صحافيين إثنين (2) إلى إسبانيا لتغطية الحدث، وهما المتحدث إلى جانب زميلي جبلون... أين وضعنا خطة لتوزيع العمل في أكبر حدث كروي عالمي بمشاركة الفريق الوطني... والشيء المهم هو أن عملية الاتصال تم حلها في هذه المناسبة وكنا نعتمد على بطاقات للهاتف يتم استخدامها بسهولة، مما ارتسم على حجم العمل وكانت تغطية موفقة للغاية باعتراف كل الذين تابعوا مراسلاتنا”.
ولادة أسبوعية “المنتخب” في 11 ديسمبر 1985
النجاح الباهر لهذه التجربة من الناحيتين الرياضية والإعلامية، دفع المسؤولين بوزارة الإعلام للتفكير في إعطاء دفع للإعلام الرياضي وإمكانية إنشاء أسبوعية رياضية...
يقول قادري في هذا الشأن: “في سنة 1985 قررت وزارة الإعلام إنشاء جريدتين مسائيتين «المساء» و«أوريزون»، وكلفني المدير العام لجريدة الشعب آنذاك كمال عياش، بعد أن كان قد حضر بعض الجلسات لتمثيله في اللجنة التحضيرية لإنشاء الجريدتين واللتين رأتا النور تقريبا في أواخر تلك السنة... بعدها مباشرة اتصل بي الأمين العام للوزارة الذي أخبرني بأني مكلف بمشروع إنشاء أسبوعية رياضية باللغة الوطنية، أين تم تشكيل فوج عمل وبتأكيد الموعد المحدد بتاريخ 11 ديسمبر 1985 أي ذكرى تأسيس جريدة الشعب... واشتغلنا بعدها في تبويب مختلف المواضيع وظروف العمل لمدة أسبوعين... ورغم الصعوبات التي وجدناها في أول الأمر في تركيب الجريدة، أين كنت أتحول إلى وهران ليلا وأعود بالمادة صباح اليوم الموالي للقيام بطبع “المنتخب” بمطبعة الشعب، أين تم سحب العدد التجريبي بالألوان يوم 11 ديسمبر كما كان مخططا، حيث كنا عند وعدنا. هذا العدد الذي أرضى الجميع وشُجّعنا على مواصلة العمل... واستمرت التجربة لمدة أربع سنوات في ظروف ممتازة، قبل أن تظهر عدة مشاكل توقفت إثرها الجريدة في 1992”.
مسيرة إعلامية عمّرت 40 سنة....
تحول مسعود قادري إلى ميدان آخر بعد هذه التجربة “الإعلامية الرياضية”، حيث التحق بمؤسسة البث الإذاعي والتلفزي أين كان يشغل منصب رئيس دائرة الاتصال ويشرف من خلال عمله على إنجاز مجلة تقنية مختصة في ميدان السمعي بصري... إلى غاية خروجه التقاعد من هذه المؤسسة... لكن نشاطه في الكتابة بقي في أوجه أين أنهى كتاب “موسوعة تاريخ كأس العالم”... ويحضر كتابا ثانيا تحت عنوان “مواقف وآراء في الرحلات الرياضية”، إلى جانب كتاب آخر حول التراث الجزائري...
عمي مسعود، الذي امتدت مسيرته الصحافية لمدة 40 سنة، بقي ملتصقا بميدان مهنته غزيرا الإنتاج يسعى دائما لتقديم الأفضل للأجيال الحالية التي بدون شك ستتلقى الصور التي ينقلها ويكون صداها كبيرا بالنظر لمستوى أداء عمله.
للإشارة، فإن مسعود قادري غطى عديد الأحداث الرياضية الكبيرة، على غرار 3 دورات لكأس العالم (1982، 1986 و1990 )، أولمبياد سيول 1988، وعددا من دورات كأس إفريقيا لكرة القدم والألعاب الإفريقية...
عندما سألناه عن أحسن موعد حضره، قال بدون تردد: “كأس افريقيا بنيجيريا عام 1980 تعد أحسن دورة بالنسبة لي، رغم المغامرات التي عشناها خلال تلك المنافسة في أدغال إفريقيا، كون الجزائر كسبت فريقا كبيرا وصل إلى الدور النهائي، وجود لاعبين يتمتعون بإمكانات معتبرة ويتميزون بأخلاق عالية أمثال فرقاني، عصاد، بلومي، كويسي... حيث كان للعمل الذي قام به الثنائي خالف ورايكوف الأثر العميق في بروز منتخب وطني قارع أقوى المنتخبات العالمية وحقق نتائج خلال تلك السنوات بما فيها كأس العالم عام 1982”.