يعدّ من بين الأقلام المميّزة التي شكّلت لسنوات طويلة الاعلام الرياضي المكتوب وجريدة «الشعب» بصفة خاصة، بأسلوب فريد من نوعه يشهد له كل المتتبّعين من قرّاء وإعلامييّن ورياضيّين.
إنّه الصّحفي عبد الرزاق دكار، الذي طبع مسيرته الطويلة بعمل ممزوج بالموهبة والاحترافية والذكاء، الذي أعطاه ميزة خاصة من بين زملائه في المهنة.
بالاضافة إلى أنّني كنت أتابع «لقطاته» عبر جريدة «الشعب» وأنا في الجامعة، شاءت الأقدار أن أدخل عالم الصحافة من البوابة التي كان طرفا فيها وبدأت خطواتي الأولى في هذه المهنة رفقته.
ولذلك، فإنّ الشّرف الكبير الذي أحسست به وأنا أنتهز هذه الفرصة للتحدث معه وعنه في نفس الوقت من خلال هذا «البورتريه» الذي أقدمه من غير العادة، يعكس مسار زميل بقيت علاقتنا في مستوى الاحترام المتبادل، رغم فارق السن مما يعبر عن «الروح الرياضية العالية» لـ «دكار» الشّخص والصّحفي.
في اتصال هاتفي بعد وضع خارطة الطريق مع زملائي في الجريدة حول العدد الخاص بذكرى تأسيس «الشعب»، ردّ بكل بساطة عن «الموعد»، وزارنا في مقر الجريدة بشارع الشهداء.
لحظات عادت بي تلك الوقفة إلى أيام زمان، وأنا أسجّل بعض تدخّلات عبد الرزاق دكار وهو يقوم بتصحيح المقالات الأولى التي كانت انطلاقتي في جريدة «الشعب»، لكن تواضع الشخص تجعلك في جو مريح للحديث عن مسيرته التي كانت مليئة بالأحداث، وكلها في المجال الرياضي بالرغم من تنوّعها في مؤسسات مختلفة انتهت بالتلفزيون الجزائري منذ أشهر معدودة فقط.
بداية المغامرة عام 1975.. بعد الألعاب المتوسطية
ومن المنطقي أن تكون بداية خطواته في الجريدة هي الانطلاقة للحوار الذي جمعنا بدكار، والذي كان شيقا وسارّا بدون أن نعرف أنه تجاوز «شوطا في مباراة كرة القدم»، لأنّ الصور عادت في كل مرة عن الأحداث الكبرى التي عرفتها الرياضة الجزائرية، إلى جانب أنّ الضّيف أعطى بدقة مسار هذه الجريدة العريقة في السنوات التي قضاها بها، ولحظاتها الأولى كانت في سنة عرفت الرياضة الجزائرية تألقا كبيرا، فقال «عبد الرزاق»: «التحقت بجريدة الشعب في عام 1975، بعد ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي احتضنتها الجزائر، حيث كنت طالبا في كلية الحقوق بالعاصمة وتعرّفت آنذاك على الصحفي عبد القادر جبلون الذي كان في القسم الرياضي للشعب، واقترح عليّ الالتحاق بالجريدة بعد ما سبق لي وأن تعاونت مع جريدة الجمهورية».
وقبل دكار هذا الاقتراح الذي كان بمثابة الطريق الذي سيسلكه لـ «البروز» في هذا الميدان، خاصة وأنّه مازال يتذكّر ذلك اليوم الذي توجّه إليه الى مقر الجريدة، قائلا: «كان آنذاك رئيس التحرير في جريدة الشعب السيد زهاني، إلى جانب سيدة للأسف الشديد لم أتذكّرها رغم أنّها شجّعتني للالتحاق بالجريدة، وبعد لقاء مع زهاني تمّ اعتمادي كصحافي متعاون، وفي نفس الوقت أواصل دراستي في كلية الحقوق».
استقبلوني بحفاوة.. ووجدت المساعدة الضّرورية
وعن مجموعة الصحافيين الذين عمل معهم خلال المرحلة الأولى التي سار فيها دكار، يقول: «وجدت مجموعة من الأساتذة في القسم الرياضي الذي توجهت إليه مباشرة، فالرياضة كانت قبل كل شيء هواية بالنسبة لي كوني أمارسها آنذاك، حيث وجدت كل من مسعود زغيب، مسعود قادري، مطبطب وعبدو الذين تتلمذت الى جانبهم لأنهم أساتذة محترمين واستقبلوني بحفاوة، وفتحوا لي كل الأبواب لتعلم هذه المهنة بعمق».
وفضّل دكار الحديث على نقطة أساسية في مسار الاعلامي المبتدئ، والتي تكون لها نتائج ملموسة على عمله، وهي فترة التمرين قائلا: «لا يمكنك أن توقّع المقال مباشرة عند دخولك القسم الرياضي، وإنما عليك المرور عبر مراحل تقدّم أساسيات العمل من برقيات وترجمة عدد من البرقيات رغم الموهبة التي قد تتمتع بها في الكتابة، والحقيقة تقال هنا أن الأساتذة الذين ذكرتهم وفّروا لي الوقت الكافي لإتقان العمل».
ونحن نتحدّث مع ضيفنا، علمنا أنّ الصرامة
والعمل المتواصل لعدد من الأشخاص هو الذي أرسى القيم الحقيقية التي تواصلت ضمن الأقسام المختلفة لجريدة «الشعب»، لا سيما القسم الرياضي الذي تطور في محيط مساعد. وفي هذا الاطار قال دكار: «كان القسم الرياضي منظّما بفضل حنكة وعمل مسعود زغيب أين أعطى للقسم الرياضي قيمته وتطوره الذي ساعدته النتائج الكبيرة
والمعتبرة للرياضة الجزائرية، والتي بدأت منذ التتويجات في ألعاب البحر الأبيض المتوسط 1975، وكذا تتويج فريق مولودية الجزائر بكأس إفريقيا للأندية البطلة عام 1976، وهو ما أدى الى اتخاذ قرار اعتماد الاصلاح الرياضي في عام 19، فقد استفاد الاعلام الرياضي من هذه النقلة النوعية لمستوى الرياضة الجزائرية بالرغم من أنّ في جريدة «الشعب» كنّا نعاني بعض الشيء مقارنة بجريدة «المجاهد»، حيث كنا نقوم بمجهود إضافي وتغطية النقص في الامكانيات، ووصلنا فعلا إلى فرض أنفسنا على الساحة».
عمّال المطبعة..حلقة مميّزة
وخلال السبعينات وبداية الثمنينات من القرن الماضي، عرف القسم الرياضي لجريدة «الشعب» تطورا كبيرا من خلال إعداد صفحتين في بعض الأحيان يوميا، اضافة الى ملاحق في المنافسات الكبرى. وهنا يفتح دكار قوسا والحديث عن تلك القفزة، ومن كان يجتهد للوصول إلى تلك النوعية في العمل، قائلا: «الفضل ليس للصحافيين بالدرجة الأولى، كون الوسائل التقنية في ذلك الوقت لم تكن بمثل الحجم الذي نعرفه الآن، لذلك فإنني أقول أن عمال المطبعة لهم الفضل الكبير الذين كانوا يستخدمون الرصاص لتركيب الصفحات كما هو معلوم، والمصور مثلا عليه تحميض الصور، وبعملنا نحن كصحافيين فرضنا الاحترام لدى هؤلاء التقنيين، الذين كانوا يحترموننا ويسيرون في الاستراتيجية الاحترافية التي وضعناها فائدة للجريدة والقارئ في متابعة الاخبار في حينها، وكان القسم يعتمد على صحافيين وهم مسعود زغيب، عبد القادر جبلون، مسعود قادري، عبد الرزاق دكار ونجيب بوكردوس بالاضافة الى متعاونين في رياضات مختلفة».
وبالنسبة للقسم الرياضي، كان العمل أكثر في مختلف الملاعب لتغطية المقابلات، وهنا يتذكّر محدثنا أنّ الامكانيات لم تكن كبيرة، قائلا: «أحيانا نقوم بتغطية مقابلات في ملعب 5 جويلية ونلتحق بعدها بالجريدة مشيا على الأقدام، والقيام بتحرير الموضوع. هو نوع من التحدي حسب امكانيات الجريدة، وتدريجيا تحسّنت الأمور حتى عدنا نغطي حتى المنافسات خارج الوطن».
«حضرت كؤوس عالم والألعاب الأولمبية...»
وفي هذا الاطار، قام دكار بتغطية عدة منافسات دولية ساهمت في ترقية عمله الاعلامي، يتذكرها بدقة كبيرة: «تغطية المنافسات الدولية حسب أهمية الحدث يمكنني أن أسردها خلال تواجدي بـ «الشعب»، حضرت كأس العالم 1986 بالمكسيك بمشاركة الجزائر، وفي 1990 مونديال ايطاليا الذي كلفت لتغطيته كليا والتركيز على المنتخبين افريقيين مصر والكاميرون، وفي كرة اليد قمت بتغطية مونديال 1986 بألمانيا، والألعاب الأولمبية بلوس أنجلس 1984، وبالاضافة إلى هذه الأحداث الرياضية الكبيرة التي اكتسبنا فيها خبرة كبيرة ونتفتح من خلالها على العالم، حصل لي الشرف أن حضرت عدة بطولات افريقية وعربية للمنتخبات والأندية سواء في الجزائر أو الخارج».
كرة اليد..قصة حب وعمل في نفس الوقت
ويعرف عن دكار أنّه مقرّب جدا من رياضة كرة اليد التي كانت في الثمانينات وبداية التسعينات الرياضة الثانية على الصّعيد الوطني بعد كرة القدم طبعا بفضل النتائج الكبيرة التي حقّقتها، وأشار ضيفنا: «يسعدنا كثيرا أن يعرف عنّي أنني قريب ومولوع بالكرة الصغيرة، حيث كنت قريبا من اللاعبين والمؤطرين والمدربين أنا وإدريس دقيق الصحفي السابق بالتلفزيون الجزائري حتى أن هناك نكتة فيما يخص حضورنا الدائم لمتابعة أطوار هذه الرياضة، حيث في بعض الأحيان لم نكن نتحول الى قاعة حرشة، الأمر الذي يدفع بمدير هذه القاعة إلى البحث عنا هاتفيا ويقول أنّهما قد يعانيان من مرض كونهما لم يأتيا الى القاعة، فقد كان حضورنا دائم يصل أحيانا الى 12 ساعة بهذه القاعة، فالأمر وصل الى حد الادمان إن صح التعبير...».
ويذكر عبد الرزاق دكار أنّ القسم الرياضي كان يهتم بكل الرياضات، ولا يركز على رياضة كرة القدم فقط: «كنّا حرصين على أنّ كرة اليد تأخذ حقها من المساحة، ففي العمل اليومي من المنطقي أن اليوم الذي يلي مقابلات البطولة في كرة القدم تأخذ حيزا كبيرا، لكن في اليوم الموالي نعطي الاهتمام لمختلف الرياضات وبدقة كبيرة، وعندما يكون حدث بارز في أية رياضة يأخذ مكانه ويزاحم حتى كرة القدم، ووصلنا إلى أن أيّ خبر عن رياضة ما نقرأه في اليوم الموالي للحدث ونقرأه بجريدة المجاهد 24 ساعة فيما بعد، وهذا بفضل التفاني في العمل، فحتى لو أنّ المقابلة تنتهي على الساعة العاشرة ليلا يبقى عمال المطبعة ينتظروننا باحترافية كبيرة لكي نقدم لهم المادة وتخرج في وقتها. وأنتهز هذه الفرصة لأحيّيهم مرة أخرى، رغم أنّ الامكانيات التقنية لم تكن بنفس مستوى الوقت الحالي».
كسب ثقة الآخرين..استثمار لسنوات طويلة
خلال مسيرته الطويلة التي قضاها في المجال الاعلامي، التقى دكار بالعديد من الشخصيات، وقدّم هذه النقطة بفلسفة عن طبيعة العلاقة: «من خلال احتكاكنا اليومي بالأشخاص الفاعلين في المجال الرياضي نكسب ثقة هؤلاء الأشخاص، وفي زمننا لم نكن نجري وراء السبق الصحفي وإنما نبحث عن الخبر، حيث أن السبق يأتينا الى المكتب بفضل الاستثمار الذي قمنا به لمدة سنوات من الاحتكاك بهؤلاء الأشخاص، كنا مهنيين لا ننسب كلاما لم يقله مسؤول أو مدرب، وعندما يكلمك كصديق لا يمكنك ان «تخونه» وتقدم ما قاله لك في اطار معين، فالثقة كانت كبيرة. وهنا يمكنني الذكر أنني أصبحت صديقا كبيرا لوزيرين للرياضة بعد أن كنت قد انتقدتهم في عمود، رأيت بعض التصرفات فكتبت في الموضوع وكانت انتقاداتي منطقية حسب ما رأيت، والآن أصبحوا أصدقاء لي الى أبعد الحدود».
سفراء خلال المنافسات الدولية بالخارج
ومن جهة أخرى، ومن خلال المهمات العديدة التي قام بها خارج الوطن، أشار دكار إلى نظرة قيّمة للعمل الاعلامي في قوله: «كنّا نسعى إلى تمثيل الجزائر بصورة محترمة جدا لأنّنا كنّا نحسّ فعلا بأنّنا سفراء للجزائر في مختلف البلدان قبل أن نفكّر في الجري وراء الأخبار وصياغتها».
وسرد لنا عدة أمثلة عن الكيفية التي كان يتصرف بها، إلى جانب العديد من الاعلاميين الجزائريين من جيله.
وفي تقييمه لمسيرته بجريدة «الشعب»، اعتبر رئيس القسم الرياضي السابق لجريدة «الشعب» أنّ مسيرته باليومية الأم، أنها كانت ناجحة الى أبعد الحدود، والتي سمحت له التعرف والاحتكاك بأشخاص وشخصيات كبيرة في الوسط المهني من صحافيين وتقنيين ومصورين وإداريين. وأضاف: «كان المسؤولون حقا يسمعون للانشغالات المهنية للاعلامي لمحاولة تحسين العمل المتواصل على غرار كمال عياش وبوعروج».
شريط حول تاريخ الصحافة الرياضية الجزائرية نال شهرة كبيرة
وفي سنة 90 والانفتاح الذي عرفه الاعلام الوطني توجهت مرحليا الى جريدة «المساء»، لأنها كانت تابعة لمؤسسة «الشعب»، يقول دكار الذي غادر القطاع العمومي بعد ذلك.
ووضع عبد الرزاق دكار حدّا لعمله الاعلامي، وانتقل إلى شركة «بروموسبور» التي كانت تعنى بالرياضة بسوناطراك، وكان مكلفا بالاعلام بهذه المؤسسة قبل أن يصبح أمينا عاما لها، وبقي في اتصال دائم بالمجالين الاعلامي والرياضي .
وعاد محدثنا بعد هذه التجربة إلى «هوايته ومهنته» الأصلية، وهي الاعلام من بوابة التلفزيون الجزائري أين عمل لمدة 5 سنوات ونال منها تقاعده، ويقول عن هذه التجربة: «في الحقيقة انتقالي إلى السمعي البصري لم يكن صعبا بالنسبة لي، كوني كنت في اتصال دائم مع مهنيين في هذا القطاع على غرار بشيري محرز، دريس دقيق، تيكوك الذين ساعدوني كثيرا، وكنت تعلّمت بجانبهم تقنيات التركيب
وآليات العمل، فدامت التجربة 5 سنوات، أُحِلت على التقاعد الذي وبسبب خطأ فإنّني صنّفت في المرتبة التي كانت لديّ في 1982 بجريدة الشعب، وإن شاء الله فإن الخطأ في الطريق للتصحيح».
وخلال مروره بالتلفزيون الجزائري، قام دكار بإنجاز شريط وثائقي نال شهرة كبيرة في المدة الأخيرة حول موضوع تاريخ الصحافة الرياضية الجزائرية، والذي كان عبارة عن شهادات لأجيال من الصحفيين والتقنيين الذين ساروا بالموازاة مع الأحداث الرياضية الجزائرية. وقال عن هذا العمل: «قمت به بشغف وحب، كانت فرحتي كبيرة عند بثّه لأنّه عمل تأريخي حاولت تقديم صورة للأشخاص الذين سرنا معهم في هذه المهنة الشريفة في الاختاص الرياضي منهم من غادرونا و أخرون مازالوا في الميدان».
وختمنا حديثنا الشيق ببعض الذكريات التي مازال يحملها عن عمله في جريدة «الشعب»، والتي قال بشأنها: «أتذكّر تلك اللّحظات التي كان القسم الرياضي يستقطب الصحفيين والتقنيين من كل الأقسام، الذين يقدمون آراءهم عن عملنا ونحن بدورنا نقدم لهم نصائح أو ملاحظات في جو حميمي وعملي في نفس الوقت، والذي يساهم في ترقية العمل اليومي فكنا نستقبل الرسام الكاريكاتوري هارون، وحتى الشيخ فارح الذي يعد أيقونة في العمل الاعلامي واللغة العربية الذي كان يشاركنا في نقاشات وتحاليل رياضية شيقة، كما أتذكّر أنّنا استقبلنا صحافيين شبان ورافقناهم، أين وجدوا الجو الملائم لتطوير معارفهم وعملهم،
وهذا التصرف هو تكملة لما وجدناه نحن من قبلهم من طرف الذين استقبلونا في خطواتنا الأولى بجريدة الشعب لأن الفائدة الرئيسية هي العمل المتقن في هذه الجريدة».