طباعة هذه الصفحة

بوادر تخلص لبنان من “الشغور الرئاسي”

أسماء “ثقيلة” تبحث عن إجماع

جمال أوكيلي

البوادر السياسية لخروج لبنان من واقع “الشغور الرئاسي” تلوح في الأفق وترتسم في المشهد العام لهذا البلد، وكل الأنظار مشدودة إلى رئيس تيار المرده سليمان فرنجية الذي كان محل إقتراح رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، فهل اللّبنانيون مقبلون على مرحلة جديدة في مسيرة بناء المؤسسات الوطنية القادرة على مواجهة التحدّيات الإقليمية؟.
المؤشر الملموس الذي جمع كل الأطياف باتجاه التفكير في مثل هذه الإستفاقة الوطنية هو إطلاق سراح العسكريين المخطوفين عند “جبهة النصرة”، هذا الحدث وحدّ كل اللبنانيين وجعلهم يتسابقون من أجل إبداء كامل الإستعداد في مناقشة كل التسويات المطروحة بكل روح وطنية بعيدا عن كل مزايدات أو مساومات.. وقد كان لتصريح اللّواء عباس إبراهيم المكلف بمتابعة هذا الملف الأثر البليغ في نفسية اللبنانيين عندما قال “نحن مستعدون للتفاوض مع أي كان... من أجل الإفراج عن الأسرى اللّبنانيين، مشخصا حتى الجهة التي يرفض الجميع الإلتقاء بها هذا ما أظهر قدرة اللّبنانيين في إدارة شؤونهم دون أي تدخل أو ضغط خارجي في مسألة المفاوضات مع الآخر، كتعبير عن إيلاء المزيد من الثبات لقرارهم السيادي.
هذا الزخم القائم على الشعور الفيّاض بالانتماء الوطني، هو الذي هزّ ضمير الكثير من الساسة الذين قرّروا الإنخراط في المسعى الجديد الذي صدر عن الحريري، بعد تسجيل ٣٢ عملية انتخاب رئيس الجمهورية، باءت كلها بالفشل الذريع بسبب عدم إكتمال الإنتهاء من هذا الفراغ بعد طرح اسم فرنجية.
ويراهن الكثير من القادة اللبنانيين على هذه المبادرة السياسية للتخلص من أزمة رئاسة الجمهورية منذ انسحاب السيد ميشال سليمان بتاريخ ٢٥ ماي ٢٠١٤.
ومنذ تلك الفترة، والسيد تمام سلام رئيس الحكومة يتولى صلاحيات الرئاسة في نطاق ما يسمح به الدستور ومرّ لبنان بأوضاع سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية صعبة جدّا، نظرا لغياب حد أدنى من التوافق على كيفية تسيير تلك الفترة الحسّاسة وكادت أزمة “النفايات” أن تعصف بالبلد، بعد أن تحوّلت إلى إحتجاجات واعتصامات يومية، تداعياتها كانت أقسى من الفعل السياسي. ناهيك عن التفجيرات في الضاحية الجنوبية.
التفاعل هذا كان على أكثر من صعيد سمح للكثير أن يبقى ورشة رئاسة الجمهورية مفتوحة للعثور على المترشح الذي يحظى بالإجماع في البداية كان زعيم التيار الوطني الحر ميشال عون، لكن تبين بأنه من الصعوبة بإمكان أن يلقى موافقة الكتائب بقيادة سمير جعجع المترشح كذلك، في إطار ما يعطيه الدستور اللبناني من مزايا الرئاسة للمسيحيين ومنصب رئيس الحكومة للسنة والبرلمان لأغلبية ما تبقى من انتماءات عقائدية تشكل مكونا بوزن معقول في البلد.
وإلى غاية بروز فرنجية كشخصية وطنية مرشّحة لتولي أعلى منصب في الدولة اللبنانية، يلمس الكثير من المتتبعين أن هناك تفهما واضحا لتجاوز هذه المرحلة والانتقال إلى فضاء آخر وردت مؤشراته في كلمة نصر الله الأخيرة. بالرغم من أن هذا الأخير مازال حاملا لورقة عون غير أن ما يقرره المسيحيون هو ما يتم إبداء الرأي تجاهه.
ولا يريد حزب الله كسر هذه الحيوية الجديدة لأنه سئم كذلك من تشرذم الصف اللّبناني واستمرار هذه الحالة إلى ما لا نهاية، مقارنة بما حدث من مستجدات أرادت أن تضع الحزب في قفص الاتهام على أنه سبب بلاوي هذا البلد، بما يقرر من عرقلة مسارات التسوية، وإعلان الحروب مع إسرائيل، والتدخل في سوريا.
واستراتيجية حزب الله خلال هذه المرحلة هو عدم إثقال كاهله بالمواقف المعادية للآخر حتى يكسب ود الفعاليات اللبنانية في اتخاذه للقرارات الحاسمة خارج التراب اللّبناني، مثل إرسال عناصره إلى سوريا، لذلك فما عليه إلا أن ينخرط في المسعى الوطني الشامل الرامي إلى تجنيب البلد المزيد من الإنفلاتات والعودة إلى الإهتمام بمشاكل الوطن والمواطن.
وينتظر قادة حزب الله إشارات قوية من سليمان فرنجية تجاه مسائل حساسة جدّا كانت دائما محل خلاف مع مكوني السنة والمسيحيين، وبخاصة ما يعرف بسلاح المقاومة، بالإضافة إلى قضايا أخرى شائكة إحتارت الحكومات اللبنانية المتعاقبة في الطريقة التي تسلكها من أجل التعامل معها، هل تسكت عنها؟ لتزداد الضغوط من كل جهة كما كان الحال خلال عهدتي السينورة والحريري، هذه عينة من جملة عينات أخرىِ عاشها لبنان في السابق.
أولى المصطلحات السياسية التي استعملها فرنجية لأول وهلة تبدو مشجعة وجامعة، فبعد لقائه بالبطريك الماروني الكاردينالي مار بشارة بطرس الراعي وجه رسائل سياسية إيجابية عندما قال “هدفه ليس الوصول إلى الرئاسة، وإنما حل الأمور لبلوغ ذلك التوافق والإجماع الوطني وأن يعطي كل التطمينات للفريق الآخر، وسيعمل على إنجاز قانون إنتخابي ينصف التوازن الوطني، ويعطي التمثيل الحقيقي لكل الطوائف.
والكرة حاليا عند حزب الله، في اختبار قدرته في تفكيك رسائل فرنجة، عندما أشار إلى أن هناك نوعا من خلط الأوراق في البلد. أي أن الرؤية السياسية غير واضحة في الوقت الراهن بخصوص النسبة المتعلقة بالتأييد لهذا المترشح.
وقد يبدي حزب الله تحفظاته إزاء إحتمال تولي الحريري رئاسة الحكومة لأن مواقف هذا الأخير ما تزال وفيه لسابقتها بخصوص مكانة حزب الله في المشهد اللبناني ولن يقبل به نصر الله شريطه تصحيح أرائه في الاتجاه الإيجابي، لأن تجربة السينورة لن تتكرر عندما تخلى عن نصر الله في ظروف صعبة خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، في حين كان موقف سليمان فرنجة متقدما آنذاك حاز على احترام حزب الله الذي سيرد له هذا الجميل في حالة عدم وقوعه تحت ضغط وتأثيرات أوساط مسيحية أخرى، التي ترفع شعار “الإنضواء تحت راية الدولة اللبنانية” والأيام القادمة ستكشف لنا مزايدا من المستجدات في بلد فرضت المسؤولية الوطنية نفسها بقوة.