محاربة الجريمة المنظمة والإرهاب وبعث تنمية مستديمة
أكدت الجزائر انخراطها التام في المساعي الرامية لتنمية مناطق شمال مالي ودول الساحل الإفريقي، وحثت على تكثيف المبادرات وإنجاز مشاريع ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي لتحسين ظروف معيشة سكان المناطق الحدودية، وشددت في الوقت ذاته على استعجالية تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة في مالي.
اختارت بعثة الاتحاد الإفريقي إلى مالي والساحل، الجزائر لتنظيم ملتقى “حول مبادرات التنمية في منطقة الساحل الإفريقي وآفاق تطبيق اتفاق السلم والمصالحة في مالي”، ورأت أنها الجهة المناسبة لاحتضان مباردة بهذا الحجم، تهدف إلى التعبئة من أجل إعداد برامج تنموية في المنطقة.
وأكد بالمناسبة، وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي رمطان لعمامرة، في كلمته، “استمرار الجزائر في تنسيق جهودها مع الاتحاد الإفريقي ودول المنطقة، لخدمة السلم والأمن والاستقرار في مالي والساحل”.
وقال لعمامرة، إن “مسار السلم في مالي يستحق كامل الاهتمام والمساعدة من قبل دول الجوار والمجموعة الدولية للخروج نهائيا من الأزمة”، لافتا إلى الطابع الاستعجالي الواجب أن تتخذه كل مبادرات ترمي إلى مواجهة التحديات الاقتصادية في شمال مالي، باعتبارها مسببة الأزمة ولكونها عاملا أساسيا للخروج منها وتعزيز السلم.
وشدد لعمامرة، على الصلة الوثيقة بين الاستقرار والسلم ونجاح التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي تتطلع إليها شعوب المنطقة وتمثل أهم مطالبها الرئيسية، لافتا إلى ضرورة التصدي للتحديات الصعبة المتمثلة في الإتجار بالأسلحة، الجريمة المنظمة وانتشار التعصب والإرهاب.
الوزير لعمامرة، عاد إلى اتفاق السلم والمصالحة الموقع بالجزائر في 15 ماي و20 جوان 2015، معتبرا أنه “تاريخي ويحتاج إلى التعزيز عبر تنفيذه بحذافيره في الميدان”.
في السياق، أشار إلى “صعوبات واجهت مسار تنفيذه على الأرض في البداية”، ليوضح “أن الأمر يجري حاليا في جو هادئ وصحيح”، وثمّن المبادرات التي جرت داخل حركات شمال مالي وفيما بينها وغياب أحداث عنف كبيرة على الأرض.
واعتبر انعقاد ندوة باريس لدعم مالي وبداية استئناف الخدمات الاجتماعية القاعدية في الشمال، وانطلاق مسار تجميع ونشر الدوريات المشتركة، بوادر إيجابية على السير الصحيح لعملية تطبيق الاتفاق.
وأكد لعمامرة، أن لجنة المتابعة التي ترأسها الجزائر، تعمل “بشكل مكثف وحثيث لمساعدة الأطراف المالية على تحمل مسؤولياتهم في هذه المرحلة الحساسة”، كاشفا أنها “عقدت 6 اجتماعات، فيما لم تتمكن من عقد الاجتماع الأخير بسبب الاعتداء الإرهابي الذي تعرض له فندق راديسون بلو ببماكو أين كان مقررا إجراؤه”.
ووصف لعمامرة الاعتداء “بالهجوم الإرهابي الذي خلف عديد الضحايا”، مفيدا “بأنه يبين حجم اتساع رقعة التحدي الأمني الذي تواصل مالي مواجهته ويتطلب جهدا قويا ويقظة وتجندا”.
وشدد في السياق، “على أن الجزائر وفي جميع الحالات ستواصل، بإصرار، مساهمتها في خدمة السلم في مالي وتنتظر من شركائها على مستوى لجنة المتابعة والدعم مساندة مكثفة من أجل تسريع وتيرة جميع الالتزامات المضمنة في الاتفاق”.
التزام بالتعاون النوعي
قال وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، إن انخراط الجزائر مع دول الساحل، نابع من واجب التضامن والاهتمام بالاستثمار في الأمن الجماعي بمفهومه الشامل الذي يأخذ التنمية في الحسبان ويمنحها الأولوية.
وأضاف، أنها روابط تاريخية، استراتيجية وإنسانية وثقافية تجمعها بهذه البلدان، وقدمت مساهمات معتبرة، ثنائية ومتعددة على الصعيدين الأمني والاقتصادي، مشيرا إلى التنسيق العملياتي الذي أطلقته مع دول الساحل في إطار لجنة الأركان العملياتية المشتركة واتحاد التنسيق والاتصال.
وأفاد بأن وزراء دفاع وقادة أركان دول الساحل المشاركين في مسار نواكشط، عبروا عن قبولهم في آخر اجتماع، شهر سبتمبر، ببامكو، مقترح إنشاء مركز جهوي للتكوين على القتال في المناطق الصحراوية بمنطقة تساليت شمال مالي.
وعن المبادرات الاقتصادية للجزائر، تحدث الوزير، عن المبادلات التجارية على الحدود، مسح الديون والمساعدات الإنسانية، إلى جانب مشاريع جهوية، كالطريق العابر للصحراء وأنبوب الغاز (نيجيريا - البحر المتوسط)، تضاف لها برامج في الاقتصاد الجزئي لها طابع اجتماعي في مجالات الصحة والتربية والطاقة والتغذية.
على صعيد آخر، دعا لعمامرة إلى توحيد المبادرات الهادفة لإقامة مشاريع تنموية بمالي والساحل الإفريقي، محذرا من تشتت الجهود.
قائمة للمشاريع الهيكلية
كشفت، أمس، بعثة الاتحاد الإفريقي إلى مالي والساحل، عن وضع آليات مساعدة لتنفيذ برامج تنموية في شمال مالي ودول المنطقة وأكدت على أهمية التنسيق بين الدول لوضع دراسة دقيقة لاحتياجات السكان وتطلعاتهم.
قال المبعوث السامي للاتحاد الإفريقي إلى مالي والساحل، الرئيس بيار بويويا، إن مبادرة الاتحاد الإفريقي للتنمية وآفاق تطبيق اتفاق السلم بمالي، المنعقدة بالجزائر على مدار يومين، تهدف إلى حصر المشاريع التنموية الجارية أو المسجلة في منطقة الساحل من قبل مختلف الهيئات والمنظمات والمجموعات الاقتصادية. وأكد أن لائحة المشاريع الهيكلية التي سيتم جردها في نهاية الاجتماع، تهدف إلى ترقية التنسيق والتعاون بين بلدان المنطقة، مفيدا بأن أحد الأهداف المتوخاة من المبادرة يتجاوز آليات الاتحاد الإفريقي أو الميكانيزمات الجهوية للأفارقة، “حيث يتعلق الأمر بإعطاء أولوية للشركاء لتطبيق استراتيجياتهم التنموية، استنادا إلى ما نص عليه اتفاق السلم والمصالحة بمالي”.
أفاد بيار بويويا كذلك بأن البرامج التنموية المسطرة ضمن أهداف، لن يتم تحقيقها إلا في إطار حكامة رشيدة وتنمية بمفهومها الشامل، والتي تدخل ضمن استراتيجية الاتحاد ومجلس السلم والأمن الإفريقيين.
وأوضح المتحدث، أن اهتمام الهيئة القارية بتطوير مناطق مالي والساحل، ليست وليد اللحظة، إنما يعود إلى البدايات الأولى للأزمة التي عرفتها البلاد سنة 2012، مشيرا إلى أن الفوضى التي عرفتها ليبيا سنة 2011، تعتبر السبب المباشر والرئيس فيما آلت إليه الأوضاع في دول الساحل، من تنامٍ للجريمة المنظمة والتهريب والإرهاب.
وشدد على نية بعثة الاتحاد الإفريقي، في تنفيذ مخطط عملها بالمنطقة، معتمدة على ركائز الأمن، الحكم الراشد والتنمية، مؤكدا أن من أسباب نجاح تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة بمالي، الحكامة الناجعة وقضايا حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية، التي يأخذها الاتحاد الإفريقي بعين الاعتبار ويلتزم بدعمها.
وكشف عن وجود عدة استراتيجيات قائمة على التنسيق والعمل المشترك مع هيئة الأمم المتحدة، هدفها المساهمة في صناعة الاستقرار والأمن.
من جهته، أفاد ممثل مفوض المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، استعداد المجموعة لتمويل وتخطيط مشاريع تنموية بشمال مالي وكافة دول الساحل، داعيا إلى وضع قاعدة بيانات ترصد إحصائيات وانشغالات السكان بشكل دقيق، ليتم بعدها بحث سبل تنفيذها وتمويلها.
وعبّر سفير دولة مالي بالجزائر، عن امتنان بلاده لجهود دول الجوار والاتحاد الإفريقي والمجموعة الدولية الرامية لاستعادة السلم وتوطين الاستقرار، معبّرا عن حاجة السكان إلى مشاريع قاعدية تسهل عليهم ظروف الحياة وتنسيهم معاناة الفقر المدقع والأوضاع الاجتماعية القاسية التي يعرفونها، خاصة بعد نشوب أزمة 2012.
المؤتمر الدولي حول المناخ منعطفا في مسعى المجموعة الدولية حول التغيرات المناخية
تأمل الجزائر في أن يشكل المؤتمر الدولي حول المناخ الذي تجري أشغاله بباريس إلى غاية 11 ديسمبر 2015 “منعطفا” في مسعى المجموعة الدولية حول مسألة التغيرات المناخية.
وأكد وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، رمطان لعمامرة، في حديث خص به يومية “لوبينيون” الفرنسية في عددها الصادر أمس أن “الجزائر التي ترأس مناصفة مجموعة العمل المكلفة بالمفاوضات قد ساهمت بفعالية في قيادة المراحل التحضيرية لهذا المؤتمر الكبير الذي نتمنى أن يشكل منعطفا في مسعى المجموعة الدولية حول هذه المسألة”.
وأوضح الوزير أن المؤتمر الدولي حول المناخ والاتفاق الذي سيتمخض عنه يشكلان بالنسبة للجزائر كما هو الشأن بالنسبة للقارة الإفريقية مسألة ذات أهمية كبرى”، موضحا أننا ننتمي إلى “منطقة جغرافية تتأثر على نطاق واسع بالتغيرات المناخية والظواهر الأخرى ذات العلاقة كالتصحر وتدهور حالة الأراضي والشح في الموارد المائية”.
وأكد مجددا أن “التوصل إلى اتفاق دولي قائم على العدل والتضامن ملزم لمجموع البلدان مع الأخذ في الحسبان الاعتبارات المرتبطة بالمسؤولية التاريخية للبعض وبقدرات البعض الأخر هو الهدف الذي ستعمل الجزائر من أجل تحقيقه على المستوى الفردي وضمن مختلف مجموعات المصالح التي تنتمي إليها” خلال مؤتمر باريس.
وأشار إلى أن المشاورات بين الجزائر وفرنسا حول هذه المسألة “قائمة باستمرار”.
وذكر بأن “الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والرئيس فرنسوا هولاند قد أبرزا الضرورة التاريخية للتوصل إلى اتفاق دولي متوازن وملزم للجميع”، موضحا أن جميع اتصالاته مع لوران فابيوس “تصب نحو تحقيق هذا الهدف”.