تشارك 54 دولة إفريقية في قمة باريس حول التغيرات المناخية، وعينها على ضبط اتفاقية صارمة تلزم الدول الأكثر تصنيعا وتلويثا للمناخ، بتخفيض نسب انبعاث الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، واقتناص مساعدات مالية وتكنولوجية لتنفيذ استراتيجية التكيّف مع الظاهرة والتقليل من آثارها السلبية.
دفعت إفريقيا ثمن التغيرات المناخية غاليا، رغم أنها لا تتحمل مسؤولية انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري. حيث بدأت معاناة الشعوب مع ارتفاع حرارة الكوكب منذ سبعينيات القرن الماضي، فسكان الساحل الإفريقي على سبيل المثال، يعانون اليوم المجاعة وشح الغذاء في أرض كانت بها بحيرات وأنهار قبل أن يأتي عليها الجفاف.
وعلى مر العقود، كانت القارة دائما ضحية السياسات الاستعمارية والاقتصادية للقوى الكبرى المسؤولة الأولى عن معاناة الشعوب الإفريقية، فهل ستذعن في مؤتمر باريس المناخي وتوقع على بنود ملزمة لها بالمساهمة في منع ارتفاع الحرارة بـ2 درجة مئوية في آفاق 2100.
ما يهم إفريقيا، في القمة الجارية بالعاصمة الفرنسية هذه الأيام، ليس تبنّي الاتفاقية فقط، إنما تفعيل صناديق مالية تأخذ منها حصتها لتمويل مخططاتها وتنفيذ استراتيجية مكافحة الاحتباس الحراري والنجاح في التحول الطاقوي من الأحفوري إلى المتجددة.
حيث تعتبر البلدان الإفريقية أحق بالتضامن والمساعدة من قبل المجموعة الدولية، فآثار تحول المناخ ظاهرة على الأرض، ورصدتها الأمم المتحدة عبر دراسات وبحوث في أكثر من مناسبة.
ومن بين التقارير الأممية حول انعكاسات التغير المناخي على إفريقيا، يذكر برنامج الأمم المتحدة حول المناخ، أن ارتفاع الحرارة بدرجتين سيؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي للقارة بـ10 أو 15 من المائة سنة 2050.
وقدم جملة من الإحصائيات تدل كلها على خطورة الوضع، لكونها تتعلق بارتفاع متسارع للسكان تقابله هشاشة في الأمن الغذائي.
فانخفاض المردودية الفلاحية وقصر فصل التساقط، يعتبر تهديدا مباشرا للمناعة الغذائية. علما أن عدد سكان القارة مرشح لبلوغ 2 مليار نسمة في 2050.
ويتوقع خبراء الهيئة الأممية، أن استمرار الوضع بصورته الحالية، لن يكون بإمكان الأفارقة توفير أكثر من 13 من المائة من حاجاتهم الغذائية.
تجدر الإشارة، إلى أن 240 نسمة يعانون المجاعة في الوقت الراهن. كما يعاني 2.5 مليون شخص في النيجر وحدها من المجاعة الناجمة عن الجفاف وقلة المنتجات الفلاحية كل سنة.
ومن نتائج ارتفاع درجات الحرارة، شح الموارد المائية وهشاشة بنية الأرض. وعليه، فإن توقعات 2030 تفيد بانخفاض إنتاج القمح ستتراوح بين 10 و20 من المائة بإفريقيا الاستوائية التي ستكون من أكثر مناطق العالم تضررا جراء الاحتباس الحراري.
ونبّه البنك الدولي قادة الدول الإفريقية في أحدث تقاريره، إلى ضرورة اعتماد أسلوب عقلاني يحافظ على مخزون الماء والتنوع الإيكولوجي، بالشكل الذي يتيح إمكانية الصمود والتكيف مع التغيرات المناخية.
في المقابل، وعكس هذه الأرقام السلبية، يمكن لإفريقيا أن تستفيد من مخرجات قمة باريس، من خلال التوجه العالمي نحو الطاقات المتجددة واحتمال انخفاض أسعار استغلال، بالنظر إلى التطور التكنولوجي، بما سيمكنها من سد العجز الطاقوي الذي تعرفه حاليا، بسبب افتقاد غالبية الدول إلى موارد تقليدية لإنتاج الطاقة الكهربائية.
ومن مصلحة البلدان الإفريقية، مطالبة القمة بتفعيل صندوق التوازن البيئي الذي أقرته الأمم المتحدة سنة 2011، بميزانية قدرها 140 مليار دولار، ونيل حصتها من الموارد المالية لتنفيذ بنود الاتفاقية ووضع استراتيجيات التكيف مع التغيرات المناخية قيد التطبيق.
ويجب على ذات الدول، أن تتفاوض على تحويل التكنولوجيات الحديثة ونقل الخبرات، في إطار التضامن العالمي الذي تنادي به الأمم المتحدة والتخلي عن الحسابات المصلحية.