مقاربة استشرافية للحد من التغيرات المناخية
الوعي بالسمة الشاملة لمشاكل البيئة وميزتها المعقدة وخطورتها وأبعادها المتعددة وفق منظور كوني ومقاربة شاملة اقتصادية، اجتماعية وثقافية، لضمان تنمية مستدامة لجميع شعوب العالم، شكل محور الندوة الوطنية حول حقوق الإنسان والبيئة: بين المسؤولية التاريخية والرؤية المستقبلية في إطار التنمية المستدامة لما بعد 2015، المنظمة من قبل اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، التي احتضنها، أمس، نزل الهلتون.
دعا رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني، إلى توفير محيط نظيف لكل فرد، لأنه يمثل أحد الحقوق التي يتقاسمها كل الأشخاص في العالم، ولأن ذلك يمثل إرثا لكل الإنسانية لابد من المحافظة عليه.
أكد قسنطيني، أن الجزائر قد انخرطت في كل البرامج المتعلقة بحماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، وقد وفّت بالتزاماتها في هذا الجانب، مذكرا بالبعد الديني في الحفاظ على الموروث البيئي.
من جهته تحدث عبد الرزاق بارة، مستشار لدى رئيس الجمهورية، عن الحق في العيش في بيئة نظيفة تحمي صحة الإنسان، وهو الحق الذي لم يدرج إلا مؤخرا ضمن حقوق الإنسان، وهناك ربط بين إجبارية التطور وحماية البيئة، وهذا ما يتطلب تغييرا في السلوك الإنتاجي في الزراعة والصناعة والاستهلاك.
والجزائر في هذا الإطار، لها دورها ومواقفها. وقد قدمت تقريرها فيما يتعلق بالتدابير التي ستؤخذ لجعل درجات الحرارة في العالم لا تتعدى درجتين في آفاق 2030، واقترح بارة أن يدرج الحق في بيئة نظيفة كحق دستوري، للحفاظ على الموروث البيئي للأجيال القادمة. كما يرى ضرورة جعل الأمن البيئي في نفس درجة الأمن المتعلق بحماية حياة الأشخاص من الاعتداءات.
بالنسبة للسفير باح كايتا، ممثل المنظمة العالمية للصحة في الجزائر، فقد دعا للحفاظ على المكتسبات المتعلقة بالبيئة والمحيط من جهة، ومن جهة أخرى بحث كيفية توسيع مجال العمل المشترك من أجل تحقيق التنمية المستدامة، بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والتي ينبغي إدراجها في أجندة الحفاظ على البيئة لما بعد 2015.
أكد في سياق متصل، على ضرورة خروج قمة باريس بتوصيات والتزامات من الدول في إطار تضامني لمكافحة الجوع وحماية الموارد الطبيعية، مشيرا إلى المقاربة التي وضعتها الأمم المتحدث التي تلح من خلالها على ضرورة تضافر الجهود في إطار تشاركي، بإشراك كل الفاعلين من منظمات غير حكومية ومجتمع مدني.
أما سفير فرنسا بالجزائر برنار إيمي، فقد تحدث عن مكافحة الإرهاب بنفس الحدة التي يجب أن نحافظ على البيئة والتوازن الايكولوجي، معرجا على إشكالية التغيرات المناخية التي تشكل محور المؤتمر الدولي الذي ستحتضنه بلاده.
وذكر في سياق ذي صلة، بالجهود التي تبذلها الجزائر التي عرفت الآثار الوخيمة للتغيرات المناخية في سبتمبر 2001 (فيضانات باب الوادي) التي خلفت خسائر كبيرة في الأرواح والمنشآت معتبرة، وبالمواقف التي عبّرت عنها في القمم والمؤتمرات التي تناولت القضايا البيئية.
ندوة الجزائر، التي انعقدت عشية انعقاد المؤتمر 21 للدول الأعضاء حول التغيرات المناخية الذي ستحتضنه باريس شهر ديسمبر القادم، كانت بالنسبة للفاعلين الجزائريين المعنيين بإشكالية البيئة، سواء أكانوا مؤسساتيين أو خبراء، جامعيين أو أعضاء المجتمع المدني ووسائل الإعلام، فرصة من أجل دراسة التحديات الشاملة، انطلاقا من زاوية الانشغالات الخاصة لبلد صاعد، يندمج في المعادلة البيئية قضية المسؤولية التاريخية في تدهور بيئتنا، وقد تم تناولها من قبل المتدخلين من منظور ثالوثي، المتمثل في المسؤولية التاريخية، القاعدة القانونية والتنمية المستدامة، من خلال العلاقة بين الاقتصاد، واحترام البيئة.
كما تطرقت الندوة إلى دور وقدرات المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في التنمية وحماية البيئة، وكذا التحديات التي تواجهها، وذلك بضمان مهمة الوساطة بين السلطات العمومية والمجتمع المدني، من خلال المرافعة والنشاطات وحملات التحسيس والتوعية بأجندة ما بعد 2015، يتعلق الأمر بمسلك ثالث وقوة اقتراح أخلاقية تتموقع على المستوى المتوسطي.
المسؤولية التاريخية للقوى الاستعمارية في استنزاف الموارد الطبيعية
فيما يتعلق بالمقاربة الاستشرافية التي شكلت موضوع الندوة، فقد أكدت على مسؤولية الدول المتقدمة فيما ترتب من أثار بيئية ومناخية سلبية على الدول النامية، تدفع فاتورتها من خلال التدهور المناخي نتيجة الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تنتجها الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية التي لم تصادق لحد الآن على الاتفاقية المتعلقة بهذا الشأن.
كما لم تستثن التدخلات المسؤولية التاريخية للقوى الاستعمارية (حالة الجزائر) في نهب الموارد الطبيعية، نتج عن ذلك وضعية تخلف وأثار وخيمة على البيئة وبالمقابل تحقيق تنمية «مشوهة». ومن هنا، تأتي ضرورة ملحة على بلدان الشمال «للاعتراف بمسؤولية ما اقترفته من استغلال مكثف للموارد الأولية وتبذير الطاقوية منها، وكذا إرساء صناعات ملوثة وذات مخاطر عالية، متسببة في إفقار المناطق الريفية والإخلال بالتوازن الإيكولوجي.