طباعة هذه الصفحة

جبال هوارة مطلع الحماس الشعبي ومهد القصائد الثورية بقالمة

الأغنية التراثية واكبت ألام الوطن وكانت لسان حال الشعب

قالمة : أمال مرابطي

أجمع المثقفون والمهتمون بالأغاني الشعبية بقالمة على أن الشاعر الشعبي الجزائري عاش ألام وطنه واكتوى بنار الثورة وحب الجزائر فتفاعل مع أحداثها، وأنتج شعرا خلد ذكريات الكفاح المرير ضد الاستعمار وصاغه على شكل أغان  شعبية باحت بالآلام وسجلت تاريخ شعب وكفاح، حيث كان يغني ويؤدي الأغاني بطريقة عفوية، ويعيش محنة الاحتلال ويصور الأحاسيس ليرفعهم إلى الجهاد والتضحية من أجل تحقيق الاستقلال في أغاني ترجموها في قوافي وترانيم وقوالب تعبيرية كانت منعرجا خطيرا في حياة فرنسا الاستعمارية لم تحسب له حسابا.
اعتبر كمال القالمي الأغنية الشعبية الثورية أحد ركائز ووسائل توصيل الخطاب الثوري للجماهير الشعبية، حيث استعانت وتمحورت في كلمات بسيطة من أفواه مبدعين عصاميين من أوساط الشعب المظلوم، يتكلون لغتهم اليومية التي يعيشونها، في حديث عن مأساتهم  لتعبر الكلمة عن الوضع وتعمل على تضميد الجراح التي لم تندمل كما كان هناك اهتمام بالأغنية الشعبية كونها المتنفس أحيانا ذات نغمة حزينة وأحيانا تفاعلية رددتها الطبقات الشعبية بعثا للأمل وشحذا للهمم وللتحفيز وفضح جرائم الاستعمار. وضرب أمثلة عن أغاني ثورية تعبر عن منطقة قالمة ماونة والهوارة وحمام دباغ والتي أعطت حماسا للفدائيين كـ: “رقادي في النشعة (الغابة) ديما وناكل في الكسرة القديمة حرقتها الخائنة بالنار، طوالو الأيام عليا والغربة والميزيرية والغربة وفراق مالية مرير”.
 كما غنى أغنية من التراث في دقائق يستذكر ما سمعه من أجداده، أغنية تعبر عن نضال المجاهدين والفدائيين حين كانوا متوجهين لتونس عبر الحدود فيقول: “كي جبينا على الهوارة نبكي بدموعي همالة  ومتغير وقلبي متحير، وش نحكليكم يا خاوتي على المينة وزائد السيلان، شارل جانا مجبي رعدت منه الجبال يا خوتي مانيش خائف منه خائف من المينة والسيلان، واني طالب على ربي نروحو ونجيو في لمان. قداش نفكر في الجزائر عادت حية، ودمه الشبان مقطر ومبزع في كل  نحية، درابونا نجمة وحرير، طاحنا في قاع البير، نحاربه عليه كبير وصغير، ونحو عليه الظلمية، فرنسا جنت وعمات عادت تلبس في البنات، تخرج فيهم من لاكريطات وتقول الجزائر ليا.
وفي أغنية أخرى يغني في بضع كلمات: “بالطيارات على قالمة بالطيارات .. وفي أغنية ثورية جزائرية من تراث الشرق تروي خوف الجزائريين المدنيين العزل من الطائرة الحربية الفرنسية لونها أصفر فسموها الطائرة الصفراء قصفت جبال قالمة وهضاب سطيف كلمات الأغنية الطيارة الصفراء  احبسي ما تضربيش احبسي ما تضربيش .
كما أفاد الكاتب السعيد بن زينب في أهمية الأغنية الشعبية الثورية بقالمة بأنه ليس ثمة شك بأن الأغنية الشعبية الثورية قد كان لها مفهومها ووظيفتها نضاليا وحماسيا وإعلاميا بحكم أنها كانت حاملة لأخبار.
 
الأغنية الشعبية الثورية بقالمة بأنه ليس ثمة شك بأن الأغنية الشعبية الثورية قد كان لها مفهومها ووظيفتها نضاليا وحماسيا وإعلاميا بحكم أنها كانت حاملة لأخبار.

الثورة ولمعاناة الشعب وتلاحمه وتارة إلى جانب كونها تشكل وقتها ذلك المتنفس الذي يخلد إليه المواطن ويستأنس به ويطلع من خلاله على أحوال الثورة والثوار، كونها زراعة للأمل وصانعة للتآزر والتلاحم لدرجة أنها ارتفعت إلى مصف الصانع للرأي والمترجم الفعلي للواقع بل وحتى كادت أن تتحول إلى ذلك الكاشف لكمائن العدو والمحذر منه.
ويضيف ذات المتحدث: “لقد تجدرت هذه الآلية في الأوساط الشعبية فصار الكبار والصغار يرددونها ويتغنون بها مبرزين أنواع التعابير التي كان ينسجها كاتبها ذلك الشاعر الشعبي ومغنيها ذلك الفنان والمواطن من خلال انفعال كليهما بمضمون كلماتها وأنماطها على سبيل الذكر، تحدث عن معركة مرمورة الشهيرة بقالمة والتي خلدها الشاعر الشعبي الشيخ الدراجي فرسمها في لوحة شعرية فنية راقية ذات تفاصيل في غاية الدقة والروعة والإبداع والوصف، بوصف ما تكبدته فرنسا من خسائر عددا وعدة ومبرزة بطولات الثوار، مشيرا إلى أن الأغنية الشعبية الثورية حافلة بالروح الوطنية وناقلة للأفراح ومعاناة شعب ومعبرة عن كل ما يدور في ساحات القتال والكفاح من بطولات المجاهدين الثوار والفاضحة لجرائم فرنسا والمنددة ببربرية وهمجية عساكرها اللانسانية.
كما أشار إلى أنه هناك لوحات شعرية عديدة من كبار الفنانين الشعبيين ممن تغنوا بالثورة وخلدوا مآثرها فكانت لقصائدهم الدور البارز إبان الثورة التحريرية ومنهم من كانت فرق الرحابة تنهل من أشعارهم الشعبية وترددها في حركات بين روحة وجيئة، مرددة مقاطع مؤثرة.
الأستاذة الجامعية أحلام عثامنية لـ«الشعب”:
 وأوضحت الأستاذة أحلام عثامنية أستاذة الأدب العربي بجامعة قالمة: “إن القارئ للأغنية الثورية يشعر بقوة روحية لا مثيل لها لما تظهره من قيم البطولة، والشجاعة ورغبة جامحة في تثبيت عناصر الهوية الجزائرية من عروبة وإسلام ولغة، وحثهم على ضرورة التمسك بها من أجل الوقوف في وجه المستدمر الفرنسي.
واعتبرت الأغنية القالمية مظهرا من مظاهر الثورة المجسدة في كلمات وألحان متشبعة بالروح الوطنية، من خلال ما تبعثه تلك الأغاني الثورية من  حماسة في نفوس الثوار، فكانت كل كلمة منها كتلة نار ملتهبة توقظ القلوب وتزيدها استعارا وتأججا، جراء ما ارتكبه المستعمر الغاشم من ويلات وجراء إزاء شعب بريء لم يطلب سوى العيش بحرية في وطنه، وقد صورت الأغنية الثورية القالمية بكل صدق واقع الثورة من بطولة ونخوة وتضحيات لدى المجاهدين للدفاع عن وطنهم، وصورت بدقة تلك المعارك التي خاضها الشعب الجزائري ضد العدو. وقالت لا يخلو بيت من اسم بطل أو شهيد فترجمت الآلام من أفواه طبقة مسحوقة.
وأبرز الدكتور فاتح عياد بكلية الأدب جامعة قالمة سياسة البطش والتنكيل الاستعماري في الأغنية الثورية الجزائرية و ـ حسبه ـ فهي تعد وثيقة تاريخية شفوية، أرخت لأحداث مختلفة علاوة على وظيفتها الإعلامية، حيث قيلت من طرف نساء ورجال تألموا من وقع الاستعمار وماسيه، وعاشوا على نقل الواقع وتصويره، عاشوا الحرب بكل تفاصيلها وأرعبتهم طلقات المدافع وقنابل الطائرات وشاهدوا المجازر الجماعية، كلها كانت سببا وعاملا في نقل الواقع. ويعتبر الثامن ماي 1945 خير شاهد على تلك الجرائم الشنيعة التي اقترفتها فرنسا في حقّ شعب أعزل ذنبه الوحيد المطالبة بحقه الشرعي.
وفي ذات السياق قال: “جسدت الأغاني ما يعانيه الشعب الجزائري حيث صورت أحاسيس وأمال الإنسان الشعبي ونقلت لنا نظرته العميقة نتيجة تفاعله مع الأحداث التي عصفت بالمنطقة، فسجلها حية حارة كالدماء الفوارة التي كانت تسيل عقب كل وقعة ومعركة مع المستعمر الفرنسي، كما كان لها الدور الفعال في تنمية الروح الوطنية وشحذ الهمم وتوليد الحماسة في قلوب مختلف الطبقات الاجتماعية وما حققته من دلالات نفسية واجتماعية وسياسية نحو تحقيق النصر والوصول إلى الهدف.