يشكل التعّنت المغربي ورفضه لفكرة الحوار ومناوراته السياسية، عقبة أساسية أمام جهود إعادة بعث مسار التسوية السلمية للقضية الصحراوية التي يقوم بها المبعوث الأممي للصحراء الغربية كريستوفر روس والتي لقيت ترحيبا من الجانب الصحراوي والدول الملاحظة (الجزائر وموريتانيا).
وتعد الدعوة الرسمية التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بضرورة عودة طرفي النزاع حول الصحراء الغربية (جبهة البوليساريو والمغرب) إلى طاولة المفاوضات «بجدية وبدون شروط مسبقة»، «تقييما ضمنيا» للجهود التي قامت بها الأمم المتحدة منذ 2007 من أجل حل هذا النزاع «دون أن تحقق النتائج المرجوة»، بحسب ما يرى ممثل البوليساريو لدى الأمم المتحدة، أحمد البوخاري.
ولئن فشلت جهود التسوية السلمية للنزاع الصحراوي لحد الآن، فذلك بسبب «التعنت المغربي» وتشبثه بما يسمى بـ»الحكم الذاتي» القائم على سياسة توسعية على حساب حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، بحسب المسؤول الصحراوي.
ويبدو بحسب الملاحظين، أن رغبة الرباط في إجهاض كل الجهود المنخرطة في مسار التسوية السلمية لا تزال قائمة ويتضح ذلك من خلال «الزيارة الإستفزازية» التي قام بها ملك المغرب إلى الأراضي المحتلة بعد يومين من تصريحات بان كي مون وكذا التصريحات «غير المسؤولة» التي أعربت عنها الخارجية المغربية التي حاولت عرقلة مهمة السيد روس من خلال منعه من زيارة الأراضي الصحراوية المحتلة.
ولقي موقف الرباط من مهمة السيد روس ردا صريحا وواضحا من الأمم المتحدة التي أكدت دعمها الكامل لمبعوثها إلى الصحراء الغربية بما يشمل الأراضي المحتلة التي «يمكن لروس زيارتها متى يشاء في إطار مهامه الأممية».
وعليه، يرى الوزير الصحراوي المنتدب لدى أوروبا محمد سيداتي أن إبقاء كريستوفر روس في مهمته الأممية بعد محاولة الرباط التشويش عليه من خلال «سحب ثقتها منه» سنة 2012، «هو صفعة للرباط» التي طالما حاولت «إبقاء الأمم المتحدة بعيدة عن النزاع».
ويتواجد السيد روس بمخيمات اللاجئين الصحراويين منذ الجمعة في زيارة تدوم يومين في ثالث محطة له بعد كل من الجزائر والمغرب وذلك في إطار جولة جديدة إلى المنطقة يحاول من خلالها إقناع طرفي النزاع بالعودة إلى طاولة المفاوضات التي شهدت آخر فضولها إلى شهر مارس 2012 بمنهاست بالولايات المتحدة الأمريكية.
مناورات فاشلة
والحقيقة أن المناورات المغربية لإفشال جهود الحل السلمي للنزاع الصحراوي ليست جديدة حيث ذهب ممثلو المغرب بالأمم المتحدة شهر أكتوبر الماضي إلى حد اللجوء إلى «تغيير ألفاظ تقرير لجنة تصفية الإستعمار بخصوص قضية الصحراء الغربية» خوفا من نقل القضية الصحراوية من الفصل السادس إلى الفصل السابع للجنة.
هذا السلوك وصفته اللجنة الأممية الرابعة خلال إجتماعها شهر أكتوبر المنصرم بـ»الممارسات غير اللائقة والتي لا تحترم الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة وموظفيها وتهدف إلى الإبقاء على الإستعمار بأراضي الصحراء الغربية».
وبهذا الخصوص ندّد منسق المنتدى الإقليمي لتصفية الإستعمار المنظم من قبل اللجنة الخاصة شهر ماي 2015 أمام اللجنة الرابعة بالمساعي المغربية ضد شخصه لتمسكه بموقفه المبدئي المتعلق «بعدم إمكانية تغيير أية وثيقة رسمية مصادق عليها». وأكد قائلا: «قرأت بنفسي كل التقرير الإجرائي أمام جميع المشاركين في المنتدى قبل الموافقة عليه».
من جهته، صرّح ممثل الإكوادور البلد الذي ترأس اللجنة الخاصة لتصفية الإستعمار لعدة دورات متتالية أن لجوء المغرب إلى الممارسات «غير اللائقة» من أجل فرض مواقفه السياسية «أمر غير مقبول» وأضاف قائلا: «لسنا ممن يستسلمون للضغوطات».
كما مارست الرباط سياسة الهروب إلى الأمام من خلال رفضها المطلق لفكرة الحوار منذ 2012 في تهرب واضح من النقاش الدائر في الأمم المتحدة حول القضية التي باتت تؤرق المخزن بعدما حصدت في السنوات الأخيرة انتصارات دبلوماسية في الكثير من دول العالم وبرلماناتها.
وسبق وأن سحبت الرباط ثقتها من السيد روس في سنة 2012 متهما إياه «بالتحيّز» قبل أن يستأنف جهوده الدبلوماسية في فيفري من العام الجاري حيث قام في نهاية سبتمبر بزيارة إلى المنطقة لكن دون تحقيق نجاح يذكر.
واعترض، حينئذ، المغرب على مهام كريستوفر روس بعد تقديمه لتقرير إلى مجلس الأمن الدولي يؤكد فيه أن السلطات المغربية أقدمت على «اختراق اتصالات بين بعثة الأمم المتحدة مع مقر الأمم المتحدة في الصحراء الغربية» وأوضح «أن عوامل كثيرة
قوّضت قدرة البعثة على مراقبة الوضع ونقل تقارير ثابتة عنه».
وتسارع السلطات المغربية إلى إلصاق تهمة «الانحياز» لكل من يتبنى موقفا متزنا وموضوعيا من القضية الصحراوية، حيث إتهمت سويسرا البلد الأكثر حيادية في العالم «بالانحياز» لجبهة البوليساريو بعد رسالة بعثتها وزارة خارجية الاتحاد الفدرالي السويسري في 26 جوان الماضي إلى كل الدول الأطراف في معاهدات جنيف لسنة 1949 لحماية ضحايا الحرب والتي تعلن فيها انضمام جبهة البوليساريو إلى هذه المعاهدة والبروتوكول الإضافي الأول.
الصحراويون مستعدون لكلّ الخيارات
هذا وأكد ممثل جبهة البوليساريو في الأمم المتحدة امحمد البخاري، يوم الجمعة، أن الشعب الصحراوي «مستعد لأية خيارات قد تفرض عليه» في حال فشل مسار التسوية السلمية لقضيته وأنه في حال «إصرار المغرب على غلق كل الأبواب أمام الحل السلمي، فإن القيادة الصحراوية ستراجع رؤيتها الإستراتيجية» من أجل بلوغ هدفها المتمثل في الحصول على الإستقلال.
وقال السيد البخاري على هامش لقائه مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية كريستوفر روس الذي يزور مخيمات اللاجئين الصحراوين، أن «الطرف الصحراوي مستعد للدخول في المفاوضات التي تدعو إليها الأمم المتحدة وذلك إنطلاقا من تشبثنا بالحل السلمي لقضيتنا»، و أن «الشعب الصحراوي مستعد أيضا لأية خيارات أخرى قد تفرض عليه في حال فشل المسار السلمي لهذا النزاع».
وطالب السيد البخاري «المسؤولين المغاربة بالتراجع عن الأفكار التوسعية التي لا مكان لها في هذا القرن و قبول العيش في إطار احترام الجار مثلما تقتضيه الشرعية الدولية»، مشددا على أن «الفشل سيكون لا محالة مصير كل الأطماع التوسعية على حساب حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره».
كما وجه المسؤول الصحراوي نداء إلى الشعب المغربي «كشعب جار وشقيق يشترك مع الشعب الصحراوي في الحاضر و المستقبل « بالضغط على السلطات المغربية من أجل الدفع نحو حل هذا النزاع المستمر منذ 40 سنة وأنه «لا يقبل أن يتم إقحامه في نزاع قائم على أحلام توسعية مستحيلة التحقيق».
ضرورة وجود آلية لمراقبة حقوق الانسان في الاقليم المحتل
وبخصوص الإنتهاكات المغربية المتكررة لحقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية المحتلة، أكد السيد البخاري أن هذا الموضوع يشكل مبعث «قلق مستمر» للقيادة الصحراوية وللمنظمات الحقوقية الدولية على غرار «هيومن راتس ووتش « و «منظمة العفو الدولية»
بالإضافة إلى العديد من الدول التي تطالب «بملء الفراغ في مأمورية بعثة الامم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية المينورسو» التي لا تضطلع بمهام مراقبة حقوق الإنسان، معتبرا أن «هذا الفراغ أصبح يشكل فضيحة تمسك بمصداقية الأمم المتحدة».
وأبرز أن هناك محاولات لإيجاد آلية أخرى لمراقبة حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية المحتلة من خلال زيارات دورية لممثلي مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف، إلا أنه يضيف السيد البخاري-» لا يمكن أن تكون هذه الآلية كفيلة بمراقبة الوضع الحقوقي المزري في الأراضي المحتلة التي يتطلب مراقبة يومية وصلاحيات موسعة»، معتبرا أن المؤسسة الوحيدة التي لديها هذه القدرات هي بعثة «المينورسو».