يحدثنا السيد إيساك وقافي الشيخ، رئيس دائرة الجرد بالحظيرة الوطنية للطاسيلي، عن التدابير المتخذة، القانونية منها واللوجيستية، لحماية الآثار والثروات الثقافية والطبيعية بالحظيرة، وكذا الدور المحوري للإعلام في الترويج لهذه المنطقة وما تزخر به. كما يثمن تنظيم النشاطات والتظاهرات الثقافية بقلب الحظيرة، على غرار “سمفونية الرمال” التي نشطتها الأوركسترا الوطنية السمفونية مؤخرا، ما يروّج أكثر لهذا الكنز التاريخي الوطني والعالمي.
بدأ السيد وقافي الشيخ، حديثه بتثمين مبادرة الأوركسترا الوطنية بتنظيم حفلها في قلب حظيرة الطاسيلي، مؤكدا أنها المرة الأولى التي تحتضن الحظيرة تظاهرة بهذا الزخم، وقال محدثنا: “لم نكن ننتظر حضور فرقة عالمية إلى هنا.. هذه الفرقة الموسيقية لها شهرة واسعة ومثلت الجزائر في مختلف التظاهرات العالمية، وتمثل إضافة لهذه المنطقة المصنفة ضمن التراث العالمي، وعند لقاء الإثنين، الأوركسترا والحظيرة، تكون قيمة مضافة للطرفين”. ويضيف: “هذه أول مرة أحظى فيها بشرف الاستماع إلى هذه الموسيقى على المباشر وفي هذا المكان بالذات، ورغم أني كنت منشغلا بالتنظيم والتحضير للحدث إلا أن الموسيقى جذبتني وبقيت أستمع إليها، أتمنى أن تكون هنالك تظاهرات مشابهة في المستقبل”.
وبخصوص إمكانية استغلال الحظيرة في النشاطات الثقافية الخاصة، مثل تصوير الأفلام أو الفيديو كليبات، يقول: “لم نمنع أحدا من التصوير في الحظيرة، فقط يلزم تصريح من وزارة الثقافة، فأي نشاط تجاري يلزمه تصريح وهو سهل الحصول عليه يكفي فقط إيداع طلب بالوزارة”.
وتأسف محدثنا للانخفاض المحسوس في عدد الزوار، خاصة الأجانب منهم، حيث كان عدد السواح يصل 10 الاف سائح سنويا، ولكن في العامين الماضيين لم تستقبل الحظيرة للأسف سوى بضعة مئات، مع الإشارة إلى أن هذه الأرقام تخص السواح الأجانب، باعتبار أن الجزائريين لا يحتاجون تصاريح لزيارة الموقع.
ويتطلب استقطاب السياح ترويجا واسعا للمنطقة وما تزخر به من إمكانيات، وهنا يؤكد وقافي الشيخ على الدور الكبير للإعلام في تثمين التراث الجزائري عموما وحظيرة الطاسيلي خصوصا. وعن وجود مادة إشهارية للموقع يقول: “لحد الآن لا يوجد أمر ملموس.. هناك مشروع موقع إلكتروني للحظيرة هذه السنة، ولكن ذلك لا يكفي، فوسائل الإعلام هي الكفيلة بالإشهار الواسع للحظيرة لأنها هي التي تملك الوسائل الثقيلة اللازمة لذلك”.
وعن الإجراءات المتخذة للحد من سرقة الآثار، أكد وقافي الشيخ على وجود هناك تعاون مع الدرك الوطني والجمارك، حيث وفر الديوان دورات تكوينية، اثنتان منها للدرك وواحدة للجمارك، “كما قمنا السنة الماضية بحملة شملت رجال الشرطة، شرطة الحدود، الجمارك والدرك الوطني، وعرضنا عليهم الآثار التي يمكن سرقتها وشرحنا أهمية التراث”، يقول، مضيفا بأنه ليس كل الآثار يمكن سرقتها، فالنقوش مثلا لا تسرق إذ لا يمكن حمل صخرة كبيرة، ولكن الأدوات الصغيرة يمكن سرقتها مثل المستحثات وأدوات إنسان ما قبل التاريخ.
ولتفادي كل الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الزوار، كأن يحملوا حجرا على سبيل التذكار ويتضح فيما بعد أن له قيمة تاريخية، ينصح إيساك وقافي الشيخ بـ«عدم حمل أي حجر كان، وهناك تعليمات على مستوى مطار جانت بالمنع التام لنقل الأحجار، وفي حالة السهو والخطأ نشرح للمعني بالأمر بأن هذه الأحجار تراث عالمي ولا يجب أن تخرج من إطارها”.. “قبل أن يتنقل الزوار إلى المواقع الأثرية نزودهم بكتيبات موجودة على مستوى ديوان الحظيرة، تتضمن كل الشروط والتعليمات الواجب اتباعها، ففي بعض الأحيان تحدث هفوات وغلطات، ويجب أن يقوم الدليل المرافق للسياح بتذكيرهم بهذه التعليمات”.
من جهة أخرى، يمكن اعتبار المساحة الشاسعة للحظيرة أهم عائق في حمايتها، حيث تفوق المائة ألف كلم مربع، فيما لا يتجاوز العمال 120 عاملا، أي بنسبة تقارب عاملا واحدا لكل 1000 كلم مربع، لهذا فإن مساعدة الجمارك والدرك الوطني تكتسي أهمية كبيرة في حماية الحظيرة. أما عن استعمال التكنولوجيا في هذه الحماية، يقول السيد وقافي الشيخ إن هناك إمكانية لاستعمال الأقمار الصناعية، طائرات الهليكوبتر، وغيرها من الإمكانيات التي نجدها مستعملة في حظائر أخرى في العالم، وتشرف عليها مؤسسات كبرى، وإذا وصلنا إلى هذا المستوى فسيسهل علينا حماية تراثنا. وتتراوح عقوبة سرقة أو إتلاف الآثار الموجودة في حظيرة الطاسيلي من 5 أشهر حبس وغرامة مالية إلى 5 سنوات حبس وغرامة مالية. وجدّد محدثنا دعوته إلى زوار الحظيرة بعدم لمس النقوش والرسوم الأثرية بالأيدي، لأن ذلك يساهم ويسرّع في تلفها، كما دعا إلى عدم رمي الأوساخ وتشويه المكان الذي يعدّ ثروة إنسانية وتاريخية وطبيعية لا تقدر بثمن.