عاد السفير عيسى لؤي إلى أولى بداية النضال الفلسطيني والمعارك التي خاضها الشعب عبر مراحل متعددة، موظفا كل الوسائل التي يفرضها الظرف ويطالب بها الاستحقاق في سبيل استعادة الوطن المحتل عاصمته القدس الشريف.
توقف السفير عند محطة مفصلية من التاريخ الفلسطيني، الذي كسر التعتيم الإعلامي والحصارات والممنوعات، موصلا القضية إلى منهاتن، منتزعا اعتراف أغلبية دول المعمورة بدولة فلسطين التي تخوض آخر المعارك من أجل اكتساب العضوية الكاملة في الهيئة الأممية.
«قدمنا كل شيء ولم نعد إلى المفاوضات ما لم يحدد جدول زمني لبسط السيادة على الأرض الفلسطينية وتضبط أجندة دقيقة عن الاعتراف الإسرائيلي والتزاماته وفق قرارات الشرعية، بعيدا عن المغالطات واللفّ والدوران. قدمنا كل شيء من أوسلو، مدريد إلى آخر محطات المفاوضات. لكن الطرف الإسرائيلي، في كل مرة، يتنكّر ويناور ويجد السند من راعي السلام، للأسف، الولايات المتحدة، التي تعطي مبررات على ما تقوم به الدولة العبرية بأنه دفاع عن الذات»، هكذا قال السفير لؤي من منبر «منتدى الشعب» بنبرة التحدي، رافعا صوته إلى الأعلى مردّدا ما ذكره الرئيس أبومازن للملأ... لكيري بأن هذه مطالب فلسطينية ولن يكون بعدها مطلب. والقيادة الفلسطينية تنتظر رد واشنطن عليها آخر الشهر، لتضع خارطة طريق للمقاومة من أجل إثبات الذات وصراع الوجود وليس الحدود».
على هذا المنوال، سار السفير لؤي وهو يرصد النضال الفلسطيني، مذكرا بموقف الجزائر المبدئي الثابت «مع فلسطين ظالمة أو مظلومة»، مجيبا على السؤال الكبير، لماذا حملت المقاومة في فلسطين الثورة والانتفاضة تسمية الثورة الجزائرية الثانية السائرة بلا تردد نحو استعادة الحق الشرعي في إقامة الدولة المستقلة عاصمتها القدس الشريف.
في هذا الموقف دلالات وأبعاد تفرض التوقف عندها والتمعّن فيها، دون تركها تمر مرور الكرام.
فقد فجر القادة الفلسطينيون الثورة بعد أن تلقوا التدريبات العسكرية الكفيلة من الثورة الجزائرية، استلهموا منها التنظيم والهياكل وحددوا الاستراتيجية التي لا تتوقف عند مكان وزمان؛ استراتيجية تضبط الوسائل وتحدد الخيارات وتكيّفها وفق الظرف والاستحقاق ونوعية الصراع مع العدو الذي يجد السند والدعم من قبل الغرب.
فجر القادة الفلسطينيون وكانوا يعلنون جهرا، أن ثورتهم مستلهمة من الثورة الجزائرية التي غيّرت مجرى التاريخ ووضعت في العلاقات الدولية مفاهيم جديدة ومبادئ منها حق تقرير المصير والمقاومة الشرعية من أجل استعادة الكرامة والحرية.
فجر الفلسطينيون الثورة وظلوا يناضلون على جبهتين من أجل تأمين استقلالية القرار وعدم اتخاذ أية جهة عربية لهم ورقة توظف لحسابات ووجهات غير الوجهة الفلسطينية التي أوصى بها المجلس الوطني الفلسطيني دوما ووضعها ضمن قرارات استعادة الوطن المحتل والحرية المفقودة.
وأقوى القرارات، الإعلان من الجزائر يوم 15 نوفمبر 1988 عن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، عاصمتها القدس الشريف. وهي قرارات عززتها مواقف الجزائر ومرافقتها للنضال الفلسطيني ودعمها لوحدة الصف والكلمة وإعلاء القضية فوق كل الحسابات والصراعات الإيديولوجية.
نتذكر ما ناضل من أجله رؤساء الجزائر من بومدين إلى بوتفليقة، مرورا بالشاذلي بن جديد من أجل حماية الوحدة الفلسطينية وعدم التدخل في الشؤون الفلسطينية، منها بالخصوص الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، ورفع الإملاءات عن القضية المركزية جوهر الصراع في الشرق الاوسط كله. وهي تشكل الإسمنت المسلح إذا ضرب فجر المنطقة برمتها وإذا لقي المساندة والدعم توحّدت حوله الإرادات العربية وتعززت القوى.
وسبب الاهتزازات الارتدادية والاضطرابات التي تعرفها المنطقة العربية تحت تسميات عدة، منها «الربيع» الذي تحول إلى شتاء عاصف وما ولده من تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ وفق ما وصفته وزيرة الخارجية الأمريكية غونداليزا رايس بـ «الفوضى الخلاقة»، هو محاولات لإبعاد القضية الفلسطينية من جوهر الصراع وإدماجها ضمن المسائل الثانوية بدل الأساسية. لكن الفلسطينيين واعون بهذه المسألة ويدركون جيدا أنهم أقوى من أن يسقطوا البندقية وغصن الزيتون من أيديهم، آخذين في الحسبان الثورة الجزائرية التي وصف ضعاف النفوس مفجريها خطأ «بالمغامرين»، لكنهم تحدّوا الظرف وجعلوا من المستحيل ممكنا، بانتزاع السيادة وإعادة بناء الدولة المستقلة.
إنها محطة مفصلية ذكّر بها السفير لؤي «من منتدى الشعب» واهتم بها أكثر من متدخل في إعطاء رؤية استشرافية للصراع الفلسطيني الذي يتخذ في كل مرة أدوات نضال تبقيه في الواجهة قوة مؤثرة لا يخشى الآلة الحربية الإسرائيلية ومن يدور في فلكها ويساندها. هي صورة وردت في واجهة كتاب المحلل المداوم على نشر مقالات ومساهمات عبر جريدة «الشعب»، شمس الدين شيتور، بعنوان: «فلسطين معاناة شعب...». صورة الطفل الشهيد فارس عود وهو يرمي حجرا على دبابة إسرائيلية»، تصدّرت كتاب شيتور الذي أهدته الرئيسة المديرة العامة السيدة أمينة دباش إلى السفير لؤي، تعبير وفاء للقضية الفلسطينية التي يحملها كل جزائري في قلبه ويشدو بحياتها إلى يوم الاستقلال التام.