يشكل بناء قاعدة صناعية صلبة أولوية تحتل الصدارة في البرنامج التنموي، ويعتمد كثيرا في توسيع المنظومة الصناعية على استقطاب الاستثمار وبناء الشراكات مع الأجانب. لذا توفير العقار الصناعي صار يمثل تحديا ويحظى بالاهتمام بل حدّدت أجال للانتهاء من تهيئة الحظائر الاقتصادية التي التزمت في السابق الحكومة بتوفيرها من اجل تسريع وتيرة استحداث المؤسسات الصناعية، وأعطي الضوء الأخضر من اجل الاستفادة من العقار الصناعي غير مستغل لتفعيل الآلة الإنتاجية، فهل سيكون العقار الصناعي حافزا قويا لإعادة الاعتبار للأداء الصناعي؟...في ظلّ وفرة جميع التسهيلات الجبائية ومقومات النهوض الصناعي بما فيه الثروة البشرية والموارد الطبيعية الخام.
لعلّ التخطيط الجيد والحكامة في التسيير من شأنهما أن يتوجا الجهود وتتحقق أهداف إرساء اقتصاد متنوع يخلق الثروة في ظلّ الحرص القائم والتدابير التي تصبّ في مجملها في مجال الإنعاش الاقتصادي عن طريق انتهاج سياسة التقليص من فاتورة الواردات من خلال ترشيد النفقات وتنويع الإنتاج الوطني ودعم الصناعات الناشئة. والبنوك بدورها مطالبة بالمزيد من المرونة من اجل تدفق القروض البنكية بشكل يسرع وتيرة النمو، على اعتبار انه يعول كثيرا على الاستثمار كمنفذ لضخ الثروة خارج قطاع النفط.
دفتر للشروط بالمرصاد
للمستثمرين المزيفين
وتأتي التصريحات الرسمية التي تستجيب لانشغال المهتمين بالاستثمار لتطمئن المستثمر الحقيقي بوفرة العقار والعديد من المزايا والتحفيزات الاستثمارية المغرية، حيث يجري في الوقت الحالي استرجاع مساحات مهمة لا تقل عن 60 بالمائة من العقار الصناعي غير المستغل عبر كامل التراب الوطني، وما يراهن عليه بشكل كبير في ضبط العملية وتحويل العقار إلى من يستغله طرح دفتر شروط خاص بالتنازلات عن العقار الصناعي (نظام الامتياز) من أجل الوقوف على حقيقة إنشاء المشروع واستغلاله للغرض الذي طلب من أجله، ودون شك الصرامة في الرقابة على مدى احترام دفتر الشروط سيجنب تكرار التجارب السابقة، وحتى يتقدّم نحو استغلال العقار المستثمرون الحقيقيون سيكون دفتر الشروط بمثابة “الغربال” والأداة الفاعلة في انتقاء المستثمرين الفعليين، الى جانب تحديد قانون المالية التكميلي 2015 نسبة 3 بالمائة كرسم يدفع من طرف المستفيدين من العقار الصناعي غير المستغل بعد انقضاء 3 سنوات من الحصول عليه.
للإشارة، فإن مهمة إعداد دفتر الشروط قد أسندت إلى وزارة المالية، علما أن الدفتر ينصّ على حقوق وواجبات كل مستثمر ويحافظ على حق الإدارة في استرجاع العقار الصناعي إذا ثبت إخلال بالشروط من طرف المستثمر المستفيد، ومن ثمة يكون دفتر الشروط بالمرصاد للمستثمرين المزيفين. لكن تبقى إشكالية تفضيل العقار المتواجد بالمدن الساحلية يقلل من فرص إقبال المستثمر نحو مناطق خارج الولايات الكبرى التي تتوفر على أكبر قدر من وسائل النقل المتنوعة ناهيك عن قربها من الموانئ.
لذا الإجراءات التحفيزية وطبيعة العديد من النشاطات التي يفترض أن تنشأ في منطقة دون سواها كفيل بحل أي مشكل يطرح أو تحد قد يثار، خاصة أن آخر الإحصائيات المعلن عنها تفيد الانتهاء من تهيئة ما لا يقل عن 31 منطقة صناعية على مساحة تناهز 8000 هكتار عبر مختلف ولايات الوطن، في انتظار إنهاء مشروع انجاز 18 منطقة صناعية خلال الفصل الأول من عام 2016، ويدرك جيدا مدى أهمية تسريع وتيرة تهيئة العقار الصناعي كونه يعزّز القاعدة الصناعية الوطنية ويعيد للمنتوج الجزائري حضوره في الأسواق.
تحفيزات قوية والاستثمار المنتج على المحك
لا خلاف أن الصناعة على وجه الخصوص تحظى في الظرف الاقتصادي الحالي بعناية خاصة، وعلى ضوء الشراكات التي شرع في بنائها في عدة قطاعات مختلفة نذكر منها الحديد والفوسفات والاسمنت والنسيج وما إلى غير ذلك من جهة، ومن جهة أخرى يضمن مشروع قانون المالية لسنة 2016 سلسلة من التحفيزات واجراءات تسهّل للراغبين في الاستثمار في قطاع الصناعة تضمنها ايضا قانون المالية التكميلي 2015.
ودون شك، فإن مشروع قانون المالية للعام المقبل والذي يناقش داخل البرلمان خلال الأيام القليلة المقبلة سيعمّق المزيد من الاجراءات المحفزة والتي يجب أن يتطلع عليها المستثمر حتى يتدفق المتعاملون على بناء مشاريعهم أو شركاتهم خاصة منهم الأجانب، ومما سيوضّح مسار الاستثمار ويعطيه دفعا قويا نذكر مشروع تحضير بطاقية تشمل أكبر الشركات الأجنبية الناشطة في قطاعات مهمة على غرار التكنولوجيات الحديثة وتوفير لها التسهيلات بهدف الاستثمار في الجزائر. وبالفعل يشكل العقار الصناعي أحد محاور التحفيزات القوية التي تساهم في تطهير مناخ الأعمال وتدفع من وتيرة نمو القطاع الصناعي ويجعل من الاستثمار على المحك، على اعتبار أنه يراهن عليه في تنويع الاقتصاد الوطني وانشاء القيمة المضافة وامتصاص البطالة والتخفيض من الواردات وتنمية التصدير خارج قطاع المحروقات بعد تلبية طلب السوق الوطنية.
وزيادة على كل ذلك، ينتظر من الاستثمار الأجنبي المنتج نقل الخبرة التكنولوجية وتجارب التسيير الرائدة والناجحة للمؤسسات الصناعية بمقاييس عالمية عالية، كون التسيير الناجح من الشروط الواجب توفرها لدى إنشاء المؤسسة الإنتاجية سواء في القطاع الصناعي أو باقي القطاعات الاقتصادية الاخرى.