ما يزال مشكل الإدماج الاجتماعي للقصر والشباب الذين ارتكبوا جنحا مطروحا لحد الساعة، فنسبة عودة بعض هؤلاء لمراكز إعادة التربية بعد خروجهم منها لدليل قاطع على ذلك، ممّا عمّق من انتشار الانحراف والآفات الاجتماعية كالسرقة، تعاطي وترويج المخدرات، وقد يصل الأمر الى القتل .فقد أثبتت إحصائيات لمديرية الأمن الوطني أنّ هناك ثلاثة آلاف قاصر كانت لهم قضايا مع العدالة سنة 2014، اقترفوا جنحا كالسرقة، خيانة الأمانة، تعاطي وترويج المخدرات، تمّ حبسهم مدة سنة إلى ستة أشهر وسنة كأقصى حد.
وفي هذا الصدد، كشف سيد علي لعبادي، رئيس جمعية حماية الأحداث من الانحراف والاندماج في المجتمع لـ «الشعب»، أن مشكلة الانحراف في أوساط الأطفال القصر دفعه إلى تأسيس جمعية لمكافحة هذه الآفة التي تمس بأمن
واستقرار المجتمع سنة 2013، وذلك في محل يمتلكه والده، ومنذ ذلك الوقت
وأعضاء الجمعية التي يرأسها يبذلون كل ما في وسعهم لاستعادة القصر المنحرفين وأصحاب السوابق العدلية، ولكن الأمر على حد قوله صعب وشاق عليهم لأن جماعات الأشرار التي تستغل الأطفال يحكمون قبضتهم عليهم باستخدام شتى الأساليب من عنف مادي ومعنوي، ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف خاضعين لأوامرهم، منفذين لها بصفة آلية، والنتيجة أن الجمعية تتمكن من إنقاذ طفل واحد فقط من مجموع عشرة أطفال بسبب هذه الوضعية الصعبة. ونوّه لعبادي بالمجهودات الكبيرة التي تقوم بها مصالح الأمن بمداهماتها لأوكار الجريمة والفساد من أجل وضع حد لهذه الآفات الخطيرة التي تهدّد جميع أفراد المجتمع ودون استثناء، مضيفا في سياق حديثه بأنّها تبقى غير كافية، وتتطلب تضافر جهود عديد القطاعات خاصة وزارتي التضامن والشؤون الدينية للتخلص منها نهائيا.
وعلى حد قول السيد لعبادي، فإنّ خطر هؤلاء المنحرفين وصل إلى المؤسسات التعليمية، حيث ضبط أعضاؤها في إحدى خرجاتهم الميدانية طفلا لا يتجاوز سنه الثالثة عشرة يروّج للمخدرات في أوساط تلاميذ متوسطة تتواجد غرب العاصمة، حيث تمّ اقتداؤه إلى مقر الجمعية لاستمالته ومحاولة إخراجه إلى بر الأمان.
حتى لا يعود القصر والشباب إلى اقتراف جنحا مرة أخرى، فإنّ جمعية حماية الأحداث من الانحراف والاندماج في المجتمع ستشرع في تنظيم دورة تربصية بالمجان بداية شهر نوفمبر في مجال إصلاح الهواتف النقالة والساعات، يستفيد منها مسبوقين قضائيا تتراوح أعمارهم بين 16 سنة فما فوق، مع وجود بعض الحالات في سن الثالثة عشرة والتي تتطلب رعاية خاصة لإنقاذها من الانحراف والضياع.
وبشأن هذا التكوين، قال رئيس الجمعية سيد علي لعبادي أنه تم بالتنسيق مع المديرية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بوزارة العدل، تحت شعار
«صنعتك في يدك» ليترسّخ في ذهن هؤلاء بأن العمل هو السبيل الوحيد لضمان كرامة العيش، وأن عالم الإجرام عواقبه وخيمة، كاشفا لـ «الشعب» أنه تم إيداع حوالي ثلاثين ملفا، تحتوي على شهادة ميلاد وصورتين مع استمارة، حتى لا نثقل كاهلهم ونسهل عليهم العملية، إضافة إلى هذا فإن التربص تتخلله خرجات ترفيهية تساعد الأطفال المنحرفين على مواصلة التكوين في جو من البهجة والمرح.
وأوضح سيد علي لعبادي بأن هذا التكوين يهدف إلى تمكينهم من الكسب بالحلال ويجنّبهم الانحراف من جديد،
مشيرا إلى أن التكوين يشرف عليه متخصص في المجال الالكتروني ويدوم شهرين لتمنح له في النهاية شهادة تعادل تلك التي تمنحها مراكز التكوين المهني والتمهين، وتفتح له آفاقا في عالم الشغل.
لم يتوقّف عمل جمعية حماية الأحداث من الانحراف والإدماج في المجتمع لولاية الجزائر على مكافحة الانحراف في أوساط القصر بل تعداه إلى إيلاء الأهمية لتلاميذ الأقسام النهائية بأطوارها الثلاثة الابتدائي، المتوسط والثانوي، بتقديم دروس تدعيمية مجانية لهم وذلك بمقرها الكائن بشارع العقيد لطفي بباب الوادي. وفي هذا الصّدد أكّد رئيس الجمعية لعبادي سيد علي، أنّه المبادرة خرجت إلى النور بالتنسيق مع مديرية الشباب و الرياضة لولاية الجزائر، وهي موجهة لأبناء العائلات ذوي الدخل المنخفض الذين لا تسمح لهم ظروفهم المادية بتلقي دروسا خصوصية بالمقابل.
ونوّه السيد لعبادي بمجهودات الأساتذة والبطالين المتخرجين من الجامعة الذين لم يبخلوا بمساعداتهم التي أسهمت في تحسين مستوى العديد من الطلبة، حيث أبدى أولياءهم ارتياحا لمثل هذه المبادرة التي تقوم بها الجمعية، وتمنوا أن تدوم حتى يستفيد منها أكبر عدد ممكن من التلاميذ الذين هم في حاجة ماسة لمواد تعد أساسية في مشوارهم الدراسي. واستغلّ السيد لعبادي الفرصة للإشادة بمجهودات الولاية وما تقوم به من دور لدعم المجتمع المدني، داعيا إياها إلى مساعدته ماديا للاستمرار في نشاطاته، كما وجّه نداءه للمحسنين للتبرع بكل ما تجود بهم أيديهم من أجل مواصلة مشاريعهم الخيرية.
الجدير بالاشارة إليه، أنّ جمعية حماية الاحداث من الانحراف والادماج الاجتماعي جمعية ولائية تنشط على مستوى العديد من بلديات العاصمة، تتكفل بالمنحرفين قصد إدماجهم في المجتمع، وذلك عن طريق مختصين نفسانيين
واجتماعيين بتوعيتهم وتحسيسهم بمخاطر الانحراف المؤدي حتما إلى الجريمة.