تحلّ ذكرى غرّة نوفمبر لتلقي بظلالها على الساحة الوطنية بمناسبة العيد الـ 61 لثورة التحرير المجيدة، في وقت يواجه فيه الاقتصاد الوطني تحديات تستوقف الإرادة الوطنية لكافة الشركاء من أجل حشد الإمكانيات وتجنيد الموارد لتجاوز منعطف تداعيات انهيار أسعار المحروقات وضمان ديمومة النمو.
وتعدّ المناسبة - علاوة على جانبها التاريخي - مواتية لتجديد النفس من خلال الرجوع إلى بيان أول نوفمبر، الذي سطّر الطريق إلى الاستقلال وخصّ العمل كقيمة اقتصادية واجتماعية بعناية تستوجب رد الاعتبار من أجل تجسيد الرسالة الحضارية للمشروع التحرري الذي قطع أشواطا على امتداد السنوات الموالية لاسترجاع السيادة الوطنية بتجسيد انجازات لفائدة المجموعة الوطنية لا يمكن التنكر لها.
في ظل المؤشّرات المالية التي تطلق “إشارة برتقالية” تحذّر من المستقبل إذا لم تراع مستلزمات ترشيد النّفقات وحوكمة التسيير وشفافية تمويل الاستثمارات، فإنّ المنظومة الاقتصادية بكافة مكوّناتها من مؤسسات ومتعاملين عموميين وخواص وشركاء أجانب منتجين بحاجة لاستلهام العبر من هذا الموعد البارز في حياة الأمة، وإطلاق المبادرة باتجاه الرفع من حجم ونوعية الأداء بالتحسين المستمر للإنتاجية، والتقليص إلى أدنى حدّ ممكن في التكاليف لاقتصاد الموارد، وحمايتها من الضياع والتلاعب من أطراف انغمست في أنانيتها.
ولعل أوّل المواقع التي يجب أن تجسّد مثل هذا الطموح تلك المركبات والمصانع التي ارتبط اسمها بعمر استقلال الجزائر، مثل مركب الحجار الذي استفاد مؤخرا من تمويل إعادته إلى الحظيرة الاقتصادية الوطنية، حيث يقع على عاتق عماله وإطاراته ثقل رفع التحدي بمضاعفة الإنتاج وترقية جانب الجودة حتى يحقّق المركب الأهداف التنموية الكبرى للمجموعة الوطنية. وكذلك الأمر لمركبات الإلكترونيك والكهرومنزلي والجرارات وكافة الورشات التي لا تزال تنبض بالحياة في كبريات المناطق الصناعية على امتداد أرجاء البلاد.
وما أحوج عالم الشغل اليوم لتلك الإرادة النوفمبرية - التي طبعت جيل تحرير البلاد من براثين الاستدمار الفرنسي - من حرص على إنجاز الهدف وإخلاص في العمل وإتقان في القيام بالمهام لرفع التحديات القائمة في هذا الظرف أو تلك التي تلوح في الأفق بما يعطي للاقتصاد الوطني المناعة في مواجهة المنافسة الإقليمية والدولية، وكافة إفرازات الأسواق المختلفة سواء تلك الخاصة بالمحروقات أو بالغذاء والتجهيزات وكذا بورصات العملات الأجنبية.
في هذا الإطار، فإنّ أكبر مهمة يستوجب القيام بها على مسار النهوض بالاقتصاد الوطني التفاف كافة الشركاء بما في ذلك المواطن حول مبادرة رد الاعتبار للعملة الوطنية، وانتشال الدينار من دوامة السقوط وفقدان قيمته الشرائية، وذلك باعتماد سلوكات نقدية وتجارية تعكس درجة من الوطنية الاقتصادية ترتكز على رد الاعتبار لقيمة العمل وإتقانه، والحد من مختلف أشكال الفساد وأبرزها المساس بالمال العام، وانخراط الكثيرين في المضاربة والأنشطة الموازية والمنافسة غير النزيهة والغش.
وليس من يوم جدير كأول نوفمبر لتجديد العهد مع المصلحة الوطنية، والانطلاق على درب مواجهة المرحلة على ما فيها من صعوبات بانخراط المؤسسة الجزائرية عمومية وخاصة، وبالشراكة الأجنبية في ديناميكية النمو واقتصاد النفقات دون المساس بالمكاسب الاجتماعية المشروعة، خاصة وأنّ الظرف موات لانجاز المشاريع والبرامج الاستثمارية في قطاعات خارج المحروقات، ذلك أن المؤشرات بقدر ما تدق ناقوس الخطر على الأمن المالي في المديين المتوسط والطويل بقدر ما تطرح فرصا ثمينة للاستثمار وإنتاج القيمة المضافة مما يضع المتعامل والمقاول ورجل العمال الاحترافي النزيه أمام مسؤولية المساهمة في إنتاج الثروة وتنمية الدخل الوطني، ومن ثمة تأمين الاقتصاد الوطني الذي يوفّر للجميع مكاسب ثمينة تسوجب التزام كل واحد في موقعه بالعمل بروح نوفمبرية خالصة.