على الشباب استلهام العبر من نضال الشعب الجزائري
في رحاب الذكرى 61 لاندلاع الثورة المجيدة في أول نوفمبر 1954، نستذكر تضحيات الشهداء الأبرار والمجاهدين الأبطال، الذين ثاروا ضد استعمار وحشي لم تعرفه الإنسانية، لقنوه درسا لن ينساه أبدا في المدن والقرى والمداشر.
في هذا اليوم الأغر نستحضر فيه نضال هذا الشعب الأبي، الذي قهر أعتى قوة عسكرية آنذاك جعلها تجر أذيال الهزيمة النكراء، متكبدة خسائر فادحة في العدة والعتاد، بالرغم من وسائله الجهنمية كتطبيق سياسة الأرض المحروقة ومحاولة عزل المجاهدين بخطي شال وموريس الكهربائيين وإقامة المحتشدات المسيجة بالأسلاك الشائكة لمنع احتضان الثورة من قبل الشعب خاصة في الريف.
هذه القيم الثورية من تضحية ونكران الذات، وحب الوطن والتضامن والتقدير وكذلك العدالة كانت صمام أمان سمحت بإعطاء الصورة القوية لنظام عمل الثورة، في تسيير شؤونها الداخلية، باحكام لا مثيل له، إنبثق من بيان أول نوفمبر بخصوص بناء الدولة الوطنية التي جاءت مكرسة في المواثيق الأساسية للثورة.
كل هذه المحاور وغيرها كانت محل نقاش ثري بين المجاهدين خزماط بلقاسم وعديلة عبد القادر وجيل الاستقلال وهم كما بلعزوق، محمد عفير، وقزو رمضان منهم أبناء المجاهدين والشهداء.
لم يخل حديثنا حول الجزائر بين الأمس واليوم من لحظات مؤثرة جدا ذرف المجاهد عديلة عبد القادر دموعه، وهو يتذكر استشهاد ٦ أفراد من عائلته وهو في سن ١٤ سنة كما لم يستطع محمد عفير ابن شهيد من إخفاء دموعه متأثرا بما قاساه اجتماعيا وهو صغير رفقة أمه الحنون استشهد والده وهو لم ير هذا العالم.
كان علينا تجاوز هذه الحالة النفسية الطارئة عندما أعاد الجميع شريط معاناة الجزائريين وهذا بدعوة كل هؤلاء إلى التفكير في مستقبل الجزائر، إنطلاقا من قيم نوفمبر الخالدة التي كوّنت إنسانا جزائريا واعيا لحاضره ومدركا لمستقبله الذي لا يراه إلا وهو حر مستقل هكذا كانت نظرة الثورة الانتصار أو الاستشهاد.
عهد الرجال
أردنا أن يكون نقاشنا منصبا حول نوفمبر والتحديات المستقبلية على ضوء انطلاقة الجزائر نحو أفق واعدة على كافة الأصعدة، وفي هذا السياق يرى السيد أحدم خزماط مسؤول ناحية باب الوادي للمنظمة الوطنية للمجاهدين والتي تضم ٥ قسمات (القصبة، بولوغين، رايس حميدو، واد قريش، وباب الوادي) بأن ميزة الثورة الجزائرية هي أنها شطبت من أدبياتها مفهوم أو صفة «الزعامة» بل أن كل من اعتلى منصب معين في القيادة كان يعتبر نفسه مسؤولا.
وهذه خاصية تاريخة لا تجدها في مكان آخر، زادت في عنوان الثورة روح التضحية وهذا عندما احتضنها الشعب الجزائري، تقرر تحطيم أسطورة فرنسا التي اعتقد الكثير بأنها لا تقهر.
ومنذ الوهلة الأولى للثورة أقسم المسؤولون والمجاهدون على أن ينذروا حياتهم مهما كانت الظروف، من أجل استقلال الجزائر وأن يهبوا أرواحهم الطاهرة لطرد هذا الاستعمار البشع، الذي مكث لمدة ١٣٠ سنة، وهو يعيث فسادا في هذه الأرض الطيبة.
وقيم التضحية مغروسة في وجدان الجزائريين وفي أغوارهم النفسية لا يستطيع أحد مهما كان جبروته أن ينزعها منهم فهي الجدار المنيع الذي تصدى لمحاولات إركاع هذا الشعب وإخضاعه لأهدافه الجهنمية، هذا ما جعل الثورة تزداد تجذّرا في الأوساط الشعبية، وفي مقابل ذلك تؤثر تأثيرا مباشرا في جنرالات الاحتلال.
خلال الثورة عندما كنا نترك شيئا معينا عند فرد من أفراد الشعب، لم يكن ذلك هاجس يقلقنا في العثور عليه، بل أنك تجد «أمانتك» محفوظة تبحث عن صاحبها دون إلحاق بها أي ضرر يذكر، وأكثر من هذا عندما شددت قوات الاحتلال قبضتها على العاصمة ما بين سنتي ١٩٦٠ - ١٩٥٩ بكل الوسائل القمعية وبخاصة الأسلاك الشائكة (٤ أحياء بالقصبة السفلى) كان يصعب تنفيذ العمليات الفدائية نظرا للحصار المضروب على تحركات الأشخاص والتفتيش الدقيق، إرتأى المسؤولون آنذاك إلى حيلة مفادها وضع المسدس بداخل رغيف خبز الذي يلقيه شخص إلى شخص آخر موجود في الجهة الأخرى للحاجز والذي يسلمه للفدائي الذي ينتظره في مكان معيّن.
هذه عينة حية عن قمة التضحية لدى الجزائريين في تلك الفترة النضالية من مسيرتهم الوطنية التحررية.
علينا أن نبقي هذه القيم سائدة في أوساط الأجيال الصاعدة، ليطلعوا على الطريقة التي ناضل بها المجاهدون من أجل الجزائر، مع مناشدة الجمعيات الناشطة بإدراج التاريخ في برامجها لنقل رسالة نوفمبر إلى كل الشباب وتأسف السيد خزماط لغياب عمل واضح في هذا الشأن من قبل الجمعيات التي لاترى نفسها الا فيما تطلبه فقط لا أكثر ولا أقل أما مسألة التاريخ فلا تعيرها أدنى اهتمام أو عناية هذا ما أدى إلى كل هذه الهوة. نفس الكلام عن الأحزاب التي عليها أن تبني برامجها على ركائز أول نوفمبر فيما يتعلق ببناء الدولة التي كانت أمل كل الأجيال المتعاقبة والتي أفتت عمرها من أجل استقلال الوطن لترى العلم الجزائري بكل ألوانه الزاهية (الأخضر ، الأحمر والأبيض) يرفرف عاليا في كافة أنحاء البلاد، كتعبير على إفتكاك السيادة الوطنية من فرنسا.
الذاكرة .. الأبدية
أما المجاهد عديلة عبد القادر أمين قسمة المجاهدين بالقصبة، فأكد أن مرجعية نوفمبر تبقى البوصلة التي تحدد إتجاهات الجزائريين في كل هذا الزخم الذي يحيط بناء ولا يمكننا أبدا العيش بدون هذه الذاكرة الوطنية الفريدة والأبدية التي ترمز إلى التفتح على مستقبل واعد بدءا بالاستقلال إلى بناء الدولة الوطنية، وهذه توصية الشهداء وكل من سار على هذا الدرب الاستشهادي الذي تعهد فيه الجميع منذ إطلاق الرصاصة الأولى على المضي قدما قصد استعادة الأرض وتحرير الإنسان من نظام كولونيالي بغيض لم تعرفه البشرية أبدا أراد طمس الشخصية الجزائرية ومسح الانتماء الحضاري لهذا الشعب.
ففي كل مرة كانت عيني المجاهد عديلة عبد القادر ترقرق بالدموع عزته وفخره بهذا الوطن رفض أو كبحها في مقلتيه ليأخذ أنفاسه من جديد ليواصل حديثه وكل ذاكرته ممتدة عبر زمن الثورة ومخيلته زاخرة بأحداث تاريخية في كل مرة تفرض نفسها عليه كي يرويها لجيل الاستقلال لا يحمل في عقله ما دمرته فرنسا وما فعله أذنابها في الجزائريين فقط وإنما كان من لحظة إلى أخرى يظهر لنا قيم الثورة السامية التي أزالت كل ماهو مضر بالجزائريين، ووحدت بين أبناء الوطن الواحد مذكرا بمرور زعماء كبار بالمنطقة التي جاهد فيها وهي «الورسنيس» واستشهدوا هناك بالاضافة إلى وجود مجاهدين أشاوش من كل القطر الجزائري، لقوا حتفهم في ساحة الوغى وإلى يومنا هذا لا يعرف أحد مسقط رأسهم وكتب اليوم على قبورهم «شهيد الثورة» أي أنهم قدموا أنفسهم قربانا لحرية الجزائر، وليس لشيء آخر.
قرار وطني وتاريخي
الشاب محمد عفير، ابن شهيد أمين مكتب أبناء الشهداء بقسمة القصبة، ظل يستمع لحديثنا طيلة الساعتين وهو متشوق من أجل التدخل لقول رأيه حتى لا يحدث أي تشويش في تسلسل أفكاره لكن احترامه للمجاهدين خزماط وعديلة أجبره على قمع هذه الرغبة في التعبير.
وما إن شرع في إعطاء رأيه بخصوص قيم الثورة سبقت الدموع الكلام محاولا إمتصاص هذا الفعل اللاإرادي والمرتبط بتراكمات الماضي بحلوه ومره الذي مر عليه محمد وهو صغير ابن شهيد عانى الأمرين جراء حالته الإجتماعية آنذاك بالرغم من ذلك فهو ينظر إلى المستقبل ويفضل الفرحة على شيء آخر.
في تدخله قال السيد عفير أن الثورة الجزائرية لم تأت من العدم بل هي نتاج تراكمات نضالية تاريخية لا مثيل لها بدأت هذه الهواجس الوطنية مع الرعيل الأول الذي أدرك أن هذا الإستعمار لا يفهم إلا لغة السلاح وسيأتي اليوم الذي يدفع فيه الثمن باهظا وغاليا طال الزمن أو قصر وهكذا كان الحال في يوم ١ نوفمبر ١٩٥٤ باسترجاع العزة والكرامة.
هذا القرار الوطني التاريخي بني على كلمة واحدة الاستقلال ولا بديل عن ذلك هذا الهدف الحاسم هو الذي وحد الجزائريين حول ثورة دامت ٧ سنوات كاملة وإنتهت باسترجاع السيادة الوطنية وعلينا أن نعي قيم روح التضحية من أجل الاستقلال في الوقت مهما تكن الظروف التي إجتزناها.
ويأمل السيد عفير أن تكون هناك إلتفاتة جادة من قبل المسؤولين تجاه الأسرة الثورية التي ما تزال تعاني في الجانب الاجتماعي خاصة السكن.
.. عظيمة بامتياز
اعتبر السيد كمال بلعزوق مسؤول التنظيم لأبناء المجاهدين بقسمة القصبة أن الثورة الجزائرية عظيمة بامتياز من خلال صداها العالمي نظرا لعدالتها إلى جانب نظيرتها الفيتنامية،، ومهما يكن فلا يعقل أن يسعى البعض للتقليل من شأنها،، هذا جحود،، لايقبله الوطنيون الأحرار،، فالثورة الجزائرية أكبر من كل مايقال عنها هنا وهناك،، لانها استعادت السيادة الوطنية الهدف المتوخى من طرف كل الذين ضحوا من أجل هذا الوطن وهو تحت نير الاحتلال،، كما وجهت صفحة موجعة لكل أولئك الذين راهنوا على طريق آخر.
وماعلى شباب اليوم الا الحرص على تلك القيم الوطنية الهادفة والراسخة في آن واحد،، واعتبارها كأولوية في كسب تلك الحصانة المعنوية،، لمواجهة اي طارىء في المستقبل،، لانها الدليل والتبراس في الذهاب الى الافضل في بناء المؤسسات وترقية الانسان.
وتساءل السيد بلعزوق الذي تحصي عائلته ٢٣ شهيدا بالبرج عن سبب عدم اقدام وزارة المجاهدين على بناء سكنات لذوي الحقوق مادامت تحوز على ميزانية تصنف الثالثة بعد قطاعين هامين،، بدلا من ارسال الكثير من طالبي السكن الى «السوسيال» وهم قلة قليلة يكمن تلبية رغباتهم بالسرعة المطلوبة،، فالكثير من البنوك ترفض منع المجاهدين إعانات مالية بسبب بلوغهم من السن،، ولايحق لهم الاستفادة من هذا الامتياز.