الخدمة العمومية احترافية وتجاهلها خط أحمر
أثبت الانفتاح السمعي البصري في الجزائر نجاعته وتمكنه من استمالة الكثير من المشاهدين والمستمعين، على مستوى البرامج الإخبارية أو الحصص التي تشغل الرأي العام، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو رياضية أو اجتماعية. ورغم المهنية التي يظهرها أصحاب هذه الحصص إلا أن بريقها في البعض منها، سرعان ما يأخذ منحى مغايرا، لما تعود عليه الجمهور، ليدخلها في نمطية التكلف وعدم رعاية حس المشاهد وذوقه.
فكثير من المرات تخرج هذه الحصص عن مضمونها الإعلامي الخبري وتنجر في السب والشتم أمام مرأى ملايين المشاهدين، وعوض التمتع بتحليل ونقاش مثمر، تتحول الجلسة إلى ملاسنات ومشادات، تكون شبيهة ونسخة مطابقة لما يحدث في ملاعبنا، مما يعرض سمعة المشاهد الجزائري إلى وضعية لا يحسد عليها، وهذه الانزلاقات لا علاقة لها بالمهنية ولا بالاحترافية .
النقاش الذي نشطه ضيوف «الشعب» من قطاعي التلفزيون والإذاعة، تطرق إلى العديد من القضايا الفعلية والحقيقية، التي يمكن القول لا الجزم، بأنها صنعت شريحة من المشاهدين والمستمعين، ليتطرق إلى بعض الخصوصيات التي أهملت بعض الجوانب الجمالية في صناعة هذه الشرائح، منها على سبيل المثال، عدم احترام ذوق المشاهد، مما سينعكس سلبا على الخدمة العمومية المراد تقديمها والمحافظة عليها باعتبارها خطا أحمر، لأنها صمام الأمان مابين الفوضى والمهنية.
ليتطرق النقاش إلى ما تقدمه بعض القنوات ما بين خدمة عمومية وخدمة تجارية «ربحية» أكثر منها عمومية لأنها تعتمد على الإثارة وهو ما أجمع عليه الحضور.
الهدف من الاحترافية الوصول إلى أذواق المستمع والمشاهد
في تدخل الزميلة مريم من القناة الإذاعية الثالثة ركزت على كيفية الوصول إلى دغدغة ذات المشاهد أو المستمع ولفت انتباهه إلى أن هناك مشكل عمومي، يجب الإلمام به وإعطاءه الرعاية والاهتمام الأكبر.
محمد شلوش مساعد المدير العام للإذاعة الوطنية في تدخله حول البرامج الإذاعية التي تركت بصمتها في المؤسسة، رغم مرور العديد من السنوات أرخت للأثير الإذاعي، يقول بأنها كانت تمثل للمستمع الحلقة الأكبر من الاهتمام وجلب أكبر شريحة من المهتمين والمستمعين، ليعرج في سياق حديثه إلى بعض الحصص الخالدة في السجل الإذاعي من بينها «البيت السعيد» للسيدة سامية و»بحث في فائدة العائلات» للأستاذ العربي بن دادة و»أقوال وحكم»، للأخضر السائحي والعديد من البرامج التي فعلا ساهمت في بعث الوعي الوطني والاجتماعي لدى الكثير من المستمعين، وكانت مرتبطة بالشخص ذاته، مبررا ذلك بالبصمة التي يتصف بها أصحاب الحصص ومنحها الصبغة أو الخاصية التي تتناسب مع معدها، إلا أن الكاريزما في التنشيط والتعاطي مع المستمعين تختلف من شخص لأخر، لذلك توصف هذه الحصص على أنها حصص ستار، بمعنى أنها تقتصر على تقديم صاحبها فقط دون غيره. شلوش قدم العديد من الأمثلة الحية لنجاح هذه الحصص وهي إنجاز لمؤسسة الإذاعة. مؤكدا أن التعددية الإعلامية هي إضافة للمشهد وتجربة الصحافة الخاصة نعتز بها رغم النقائص المسجلة، معتبرا إياها إضافة لخلق تنافس من أجل النوعية، بشرط ـ يضيف شلوش ـ تطبيق القانون بصرامة حتى يكون الردع بمثابة الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه، وهنا يشير بأنه يستوجب احترام جميع المهنيين لقانون المهنة وأخلاقياتها.
الابتعاد عن الإثارة واحترام أخلاقيات المهنة خط أحمر
عن تجربته مع الإذاعات المحلية، يؤكد شلوش بأنه في الكثير من الأحيان سواء في الخرجات الميدانية التي يقوم بها عبر الولايات، أو من خلال التوجيهات التي يسهر على تقديمها للزملاء يضع أمامهم كل التسهيلات والخوض في غمار أي موضوع بشرط أن يتم التعامل وفقا لأخلاقيات المهنة، فالعمل باحترافية هو الضامن الأول لمهنية الصحفي، وبالتالي يقول شلوش يجب توفر شروط المهنية من جهة أخرى قبل تطبيق القانون بصرامة، ليطرح تساؤلا حول التماطل في تنصيب مجلس أخلاقيات المهنة باعتباره الإطار القانوني الرادع والضابط لشروط العمل الاحترافي حتى لا تكون الإثارة هي السائد الأكبر.
تلبية رغبات المشاهد ضرورة.. وللإشهار ضوابط تحددها المهنية
ذكرت فوزية بوسباك، نائبة مدير القناة الجزائرية الثالثة بأن التلفزيون الجزائري ملزم على تلبية رغبات الطفل، الكبير، الشاب، الماكثة بالبيت، العامل وكل فئات المجتمع، وحتى المثقف مما يعني أن عليه مواكبة كل هذه الشرائح وأن يؤدي خدمة عمومية. أما القنوات التي نراها اليوم فهي غير قانونية بين قوسين ولا يمكنها أن تؤدي الخدمة العمومية بمفهومها الواسع، معتبرة إياها تعتمد على العمل الإخباري فهي ملزمة بتطبيق أخلاقيات المهنة وتمكين المواطن من الخبر.
ثم أشارت إلى موضوع مهم وحساس باعتباره يمثل المورد المالي لبعض القنوات الخاصة وللقطاع العمومي، حيث أشارت إلى التعامل الذي توليه بعض القنوات الخاصة لهذا الجانب، مبدية بعض التحفظات تجاه هذه السلوكيات التي لها تأثير على المستوى المالي والتجاري، موضحة في هذا الصدد الفارق بين التعامل مع الومضات الاشهارية في القنوات الخاصة، التي لا تمتلك الضوابط الكفيلة بعامل الاشهار، عكس المؤسسات العمومية التي لها ضوابط ومعايير تخضع لها العملية الاشهارية تبعا لأسعار محددة سلفا حسب القطعة والحجم والتوقيت، وكل هذا لا يكون على حساب القارئ أو المشاهد، باعتبارهما الشريك الفعلي والوفي لكل البرامج.
وفي الأخير تشدد بوسباك على أن تطبيق القانون أصبح ضرورة حتى يستقيم العود.