دقّت ساعة الحقيقة أمام المنتخبين المحليين لتقديم بدائل ومبادرات إقتصادية لخلق الثروة والمساهمة في نسبة معينة لتغطية نفقات التسيير والتجهيز التي تبقى حاليا حكرا على الميزانية العمومية وصندوق دعم الجماعات المحلية، في ظل عدم نضج بعض الأفكار والتصورات الخاصة بتشجيع الاستثمار وإيجاد بدائل مرتبطة بمداخيل الجباية ورسوم الأنشطة الصناعية والتجارية..
لو انطلقنا من هذه الحقيقة لأخذنا كمثال أن حجم الميزانية الإضافية لسنة 2014، الخاصة بولاية بومرداس قدرت بـ356.9 مليون دينار حسب تقرير لجنة الإقتصاد والمالية للمجلس الشعبي الولائي منها 104.7 مليون دينار خصصت لنفقات التسيير و240.4 مليون دينار خاصة بفرع التجهيز والاستثمار، منها نسبة ضئيلة فقط ناجمة عن إيرادات الرسم على النشاط الصناعي بقيمة 29.5 مليون دينار والبقية مرتبطة بإعانات الدولة، رغم ذلك تساءل أعضاء اللجنة عن أسباب انخفاض الميزانية الإضافية لسنة 2014 بحوالي 120 مليون دينار دون تقديم مقترحات وحثّ المجالس البلدية المنتخبة على تحريك وتيرة النشطة الاقتصادية المحلية وتشجيع المستثمرين من أصحاب المشاريع الذين يعانون من مشاكل إدارية مفتعلة وأخرى بحجة غياب الأوعية العقارية الصناعية.
والأهم من ذلك، وفق تقديرات بعض الاقتصاديين أن ولاية بومرداس تملك كل مقومات النهضة الاقتصادية ورفع نسبة النمو المحلية انطلاقا من حجم القدرات التي تميزها في مجالات عدة أبرزها الفلاحة والسياحة وكذا قطاع الموارد الصيدية.
ابرز مثال على الوضعية الاقتصادية والمالية الصعبة لبعض البلديات النائية بولاية بومرداس التي تبقى رهينة بنسبة 99 بالمائة لميزانية الولاية هي بلدية قدارة، أو بلدية المتناقضات بالنظر إلى ما تزخر به من إمكانيات فلاحية وفرص لمختلف المشاريع الاقتصادية والتنموية لتحسين الظروف المعيشية للمواطن وتوسيع مجالات التهيئة الحضرية والمستلزمات الضرورية من مرافق وهياكل قاعدية بالخصوص تلك الموجهة لفائدة الشباب المهمش.
أكثر من هذا تتواصل بهذه البلدية الجبلية عملية الاستنزاف المتواصل للقدرات الطبيعية ونخص بالذكر هنا المحاجر التي تدر أرباحا طائلة على أصحابها رغم اعتراضات المواطنين وتأثيرها السلبي على الصحة العامة والبيئة، مقابل فتات لا يتجاوز 1.2 مليار سنتيم كرسوم جبائية عن النشاط موجهة لخزينة البلدية، حسب ما كشف عنه لـ “الشعب” رئيس المجلس الشعبي البلدية كمال اخزرون، وقال في رده على سؤالنا المتعلق بمصادر دخل البلدية وطريقة تغطية تكاليف التسيير، نفقات العمال والتجهيز..بلدية قدارة مرتبطة بصفة كلية بميزانية الولاية وصندوق دعم الجماعات المحلية التابع لوزارة الداخلية، حيث لا تتعدى الميزانية الأولية السنوية 7.5 مليار سنتيم لا تغطي سوى 7 إلى 8 أشهر من رواتب العمال، في حين تقدر نسبة الميزانية الإضافية حوالي 11 مليار سنتيم موجهة لأشغال التهيئة وتوفير أساسيات الحياة..
وفي سؤال عن الإستراتيجية المتخذة من طرف البلدية لترشيد النفقات العمومية في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، والتصورات المستقبلية لإيجاد مصادر أخرى لخلق الثروة وتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي في هذا الجانب، أكد رئيس بلدية قدارة بالقول..في الحقيقة لقد باشرنا عملية التدقيق في تسيير ميزانية البلدية اعتمادا على مبدأ الأولويات لعدم الوقوع في الأزمة، ومعه كذلك محاولة معالجة بعض المشاكل الإدارية المعقدة المتعلقة بوضعية العقار الفلاحي لمساعدة حاملي المشاريع في الاستقرار وإرساء قواعد نشاطهم، لكن كل ذلك يتطلب تدخل للسلطات الولائية والعليا ونخص بالذكر هنا اللجنة الوزارية المشتركة المكلفة بدراسة ملفات العقار الفلاحي وطريقة التنازل لإدماجه في القطاع الصناعي نتيجة افتقاد البلدية لأراضي تابعة لأملاك الدولة.
وأضاف بالقول..هناك منطقة نشاطات مقترحة لكننا ننتظر تسوية وضعية العقار الفلاحي، بهدف مساعدة المستثمرين في مباشرة عملية النشاط، وهناك حاليا حوالي ثلاثة ملفات تنتظر الخط الأخضر والحصول على عقد الامتياز منها مشروعان الأول عبارة عن معصرة حديثة للزيتون تكون كفيلة بمساعدة المنتجين في هذه البلدية الجبلية لتسويق منتوجهم، وبالتالي تشجيعهم على العمل، في حين يحمل المقترح الثاني انجاز اسطبلات متعددة لتربية مختلف أنواع المواشي، لأن تضاريس المنطقة تساعد كثيرا هذا النوع من النشاط وغيرها من المبادرات الأخرى التي تنتظر الدعم والمرافقة..
هو مثال إذن عن طبيعة الوضعية المالية والاقتصادية لعدد من بلديات بومرداس التي تتواجد اغلبها في مناطق جبلية نائية، تعيش تقريبا نفس الظروف من التبعية المطلقة لميزانية الدولة، مقابل غياب أو نقص الجدية لدى بعض المنتخبين الذين إكتفوا بما في أيديهم دون التحرك لتنويع مصادر الدخل، وبالتالي فإنهم مطالبون للتحرك وتشكيل قوة اقتراح لمساعدة الإدارة المحلية في تحمل أعباء الميزانية وجزء من النفقات العمومية التي تتوسع بتوسع المتطلبات اليومية للمواطن.