دعا الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول في ندوة نقاش نشطها بيومية «الشعب” إلى ضرورة الربط بين الفعالية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية في مواجهة تداعيات الظرف الراهن المتميز بتراجع إيرادات المحروقات مبرزا أهمية اللقاء الذي جمع الخبراء بالوزير الأول بجنان الميثاق وأكد حينها عبد المالك سلال، أن المهم في هذه المرحلة أن تتم صيانة الثقة بين المواطنين والدولة وإعادة الاعتبار للثقة وهو ما أكده الرئيس بوتفليقة في توجيهاته بمناسبة دورة مجلس الوزراء الأخيرة من أن المشكلة ليست في تراجع أسعار المحروقات بنسبة 50 بالمائة، إنما يتعلق الأمر بكيفية التوصل إلى الربط بين الفعالية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية من أجل ضمان الاستقرار، وبالتالي وتيرة التنمية على اعتبار أن العدالة الاجتماعية تعد ضمانة للتنمية المستدامة.
في ظلّ مؤشرات مالية سلبية أثار محدثنا مسألة التحويلات الاجتماعية والدعم لأسعار المواد الاستهلاكية التي تقدر إجمالا بحوالي 60 مليار دولار أي 28 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، مشيرا إلى أنه لا مجال هنا للمساس بالدعم الموجه للخبز والحليب ومواد أساسية أخرى كونه غير وارد، مضيفا أنه ينبغي التفكير وبأسرع ما يمكن في معالجة الموقف في المستقبل بحيث من الضروري ايجاد آلية لتوجيه الدعم للفئات المستحقة من شرائح ضعيفة الدخل وقطاعات تحتاج للمرافقة. واعتبر أن مثل هذا العمل يتطلب في المدى القريب إجراء دراسات معمقة. وتوقف كمثال عند بعض الزيادات التي وردت في أحكام مشروع قانون المالية لسنة 2016، بشأن أسعار بعض المواد الطاقوية كالبنزين بالقول إنها زيادات طفيفة، خاصة وأن تقرير البنك العالمي يشير إلى أن حوالي 60 بالمائة من السكان في الجزائر لا يستعملون السيارات في تنقلاتهم ومن ثمّة من يملك سيارة ذات دفع قوي أو من الأصناف الفخمة يدفع السعر الحقيقي للبنزين، خاصة المازوت الذي تم مؤخرا بفرنسا الرفع من سعره لإضراره بالبيئة وكذلك الأمر بالنسبة لبعض المواد المصنفة في خانة الرفاهية، غير أنه أكد على أنه ينبغي تفادي التسرع والإمتناع عن اللجوء إلى إحداث صدمة في السوق واعتماد التدرج في التعامل مع مسألة السعار كونحوالي 70 بالمائة من قيمة القدرة الشرائية ترتبط بإيرادات المحروقات.
السيناريوهات الممكنة . .
وعن السيناريوهات الممكنة لتجاوز تأثيرات الظرف المالي والاقتصادي الذي نجم عن أزمة انهيار أسعار المحروقات وتراجع إيرادات الدولة أوضح الخبير الاقتصادي الدولي عبد الرحمان مبتول معتمدا على تحليل للمؤشرات وقراءة نقدية للمعطيات أنه يضع 3 سيناريوهات يمكن توقعها.
أولا: بالرجوع إلى قانون المالية التكميلي 2015، فإنه إذا كان سعر برميل البترول بمعدل 60 دولارا، فإن دخل الشركة الوطنية للمحروقات سوناطراك يكون في حدود 34 مليار دولار وبخصم الكلفة يكون الدخل الصافي في حدود 27 مليار دولار موضحا أن فقدان البرميل دولار واحد يكلف سوناطراك خسارة حوالي 600 مليون دولار سنويا، علما أن أسعار الغاز ترتبط بأسعار البترول. وباعتماد معدل سعر 50 دولار للبرميل فإن الدخل يكون في حدود 25 مليار ربحا صافيا وبمعدل سعر البرميل بـ 45 دولار يقدر الدخل بحوالي 18 مليار دولار مع ربح صاف يصل 14 /15 مليار. غير أنه لاحظ أهمية تفادي المقارنة البسيطة بين معطيات أزمة أسعار المحروقات في 1986 ومعطيات الظرف حاليا كون للجزائر أوراق تساعدها على الإفلات من صدمة محتملة ومن ابرزها تقليص المديونية الخارجية إلى اقل من 4 ملايير دولار كما يتوقع اختتام سنة 2015 باحتياطي للعملة الصعبة يصل 145 مليار دولار. لكن يجب بالمقابل لتثمين هذه العناصر الايجابية اللجوء إلى اعتماد العقلانية في تسيير هذا الرأسمال أي احتياطي الصرف وفقدان التوازن في ترشيد الإنفاق المالي يكون له تبعات خطيرة.
وعليه، توجد تأثير المؤشرات المالية السلبية على صندوق ضبط الإيرادات الذي يحسب بالعملة الوطنية الدينار ويودع فيه الفائض المالي لإيرادات المحروقات. وبنفس الوتيرة الراهنة يتوقع أن يفقد هذا الصندوق رصيده سنة 2017، لذلك يجب اللعب على معادلة الواردات للتقليل من الإنفاق. وبالطبع يتضرّر رصيد احتياطي الصرف بالعملة الصعبة إذا لم يتم التحكم في الإنفاق، خاصة وأن أرقام بنك الجزائر تشير إلى أنه في 2014 بلغت نفقات السلع والخدمات 71,3 مليار دولار خارج أرباح الشركات التي تقدر بمعدل 6 ملايير، مسجلا أن سنة 2015 تعرف في حجم الإنفاق بمعدل 4 / 5 ملايير. وبالوتيرة التي دأب عليها الاستيراد في زمن البحبوحة المالية فإن احتياطي الصرف يتعرض للنفاذ في 2018، وحينها يكون اللجوء إلى صندوق النقد الدولي ليعود بذلك شبح سنة 1994 حينما فرض الأفامي شروطا قاسية، ومعلوم أن وصفة الأفامي مدمرة للاستقرار ولا تخرج عن تخفيض قيمة الدينار وإنهاء الدعم والخوصصة. ومثل هذا التصور يؤدي حتما إلى توقع انفجار اجتماعي خاصة وأن هناك تعود في أوساط الشباب على ثقافة الربح السهل يزيدها ضعف أخلقة الحياة العامة. وأبدى محدثنا أمله في أن لا تعود البلاد إلى طلب تمويل من صندوق النقد الدولي وأن يكون العلاج بتغيير السياسة الاقتصادية للبلاد، مذكرا في هذا السياق أنه اقترح قبل 3 سنوات في لقاء مع قادة الجيش الوطني الشعبي المبادرة بإنشاء جبهة داخلية قوية لواجهة الظرف الصعب وهو أمر يتعدى الإطار الاقتصادي ويدخل في المجال السياسي واعتماد أسلوب قول الحقيقة مثلما حرص عليه رئيس الجمهورية في اجتماع الوزراء الأخير مع ترقية القيم والأخلاق في دواليب المؤسسات لبعث جذوة الثقة.
ضد الليبرالية المتوحشة
واحتكار الدولة لكل شيء
ثانيا: ينبغي انتهاج مسار الواقعية مبرزا إمكانيات تجاوز المرحلة الصعبة كون أنه للجزائر طاقات تساعدها على ذلك. وأكد مبتول بلغة صريحة أنه يعارض الدفع بالبلاد إلى السقوط في الليبرالية المتوحشة وضد أن تحتكر الدولة لكل شيء إنما الأفضل أن يتم تجنيد كافة المؤسسات والمقاولين بدون استثناء من القطاعين العام والخاص للمساهمة في إنتاج الثروة الوطنية وتعزيزها مع العمل بقوة على صعيد إزالة العراقيل البيروقراطية. وتكون البداية بالتكفل بمتطلبات تحديث المنظومة المصرفية والنهوض بالمدرسة أي التكوين وحلّ مشكل العقار الاقتصادي نهائيا مع التوجه إلى إحداث مؤسسات بكلفة ومعايير دولية تعطيها القوة لضمان الديمومة.
وبالنسبة للمؤسسة الجزائرية التي تستفيد من المرافقة والتحفيز أشار إلى أنه يمكن تشجيع المؤسسة ظرفيا، مشيرا إلى أن هناك توجه إلى إطلاق نقاش مع الاتحاد الأوروبي ليس لتغيير عقد الشراكة كما يوهم به بعض من المهتمين والمنابر، إنما لتعديل بعض المواد من أجل تشجيع المؤسسة الجزائرية الإنتاجية وإقامة شراكة على أساس تقاسم الربح. واعتبر أن المشكل يكمن في المؤسسة الجزائرية التي لا تزال غير قادرة على التصدير موضحا أن الإصلاحات التي يستوجب إدخالها تواجه مقاومة من أصحاب المصالح والمتعودين على الريع.
تشجيع المؤسسة واعتماد معيار الكفاءة
ثالثا: السيناريو الثالث كما يتصوره مبتول يتمثل في العمل على تشجيع المؤسسة الجزائرية شريطة اعتماد معيار الكفاءة مسجلا أن حوالي 95 بالمائة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تعاني من أزمة “مناجمنت”، كما أن أغلبيتها ذات طابع مسؤولية محدودة في ظلّ قلة شركات المساهمة. واعتبر أن المشكل يكمن في غياب قطاع خاص حقيقي داعيا في هذا السياق إلى إزالة العراقيل البيروقراطية لبناء قطاع خاص قوي مع الحرص على إدخال الاقتصاد الموازي في الفضاء الشرعي كون السوق الموازية تتوفر على ثقافة المقاولة من دراسة للسوق وحساب دقيق للعملة وقدرة على التفاوض التجاري وتحمل المخاطرة. وفي ذات الاتجاه جدد المطالبة باللجوء إلى رفع التجريم عن أفعال التسيير بشكل مطلق واعتماد عقد النجاعة لأجل لا يتعدى الـ5 سنوات مع تقييم دوري لمدى انجاز الأهداف الاقتصادية والمالية المسطرة وبذلك تكون النتائج المحققة الجانب الحاسم. وينطبق هذا المسار على كل مؤسسة بما فيها المصنفة، خاصة طالما أن الأمر يتعلق بالمنظومة الاقتصادية الوطنية بحيث لا يمكن أن تبقى المؤسسة محل مرافقة لا تنتهي بقدر ما هي مطالبة بأن تنجز الإقلاع على طريق إنتاج الثروة. ——