خارطة طريق لاستعادة القاعدة الصناعية
تنعقد اليوم القمة الثلاثية «18» في ظرف اقتصادي يتميز بتحولات اقتصادية تكتسي أهمية أبرزها تراجع إيرادات المحروقات حيث يراهن كثيرا لمواجهة هذا الوضع على إعادة الاعتبار للآلة الإنتاجية ودعم المؤسسة وتفعيل الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال مع تشريح وإثارة التحديات بشكل دقيق ومعمق بهدف تبني الحلول الناجعة وتوفير آلية تجسيدها بصرامة على أرض الواقع، ومن المقرر أن يلتقي الشركاء الفاعلون في الساحة الوطنية هذه المرة في قمة ذات طابع اقتصادي محض بهدف بناء قاعة اقتصادية صلبة والانفتاح الكبير على الاستثمار وتوفير العقار الصناعي وتسريع وتيرة تدفق القروض البنكية.
تحتضن ولاية بسكرة لأول مرة القمة الثلاثية على اعتبار أن المنظمين بخلاف السابق قرروا عقدها خارج العاصمة، انطلاقا من كون هذه الولاية الجنوبية تعد في الحقيقة قطبا فلاحيا وسياحيا بامتياز وتتطلع بشكل كبير لاحتضان المصانع والمؤسسات الإنتاجية الوطنية سواء كانت عمومية أو خاصة ويترأس هذا الاجتماع الوزير الأول عبد المالك سلال وبحضور مدير مكتب العمل الدولي الكائن بجنيف، والجدير بالذكر أن القمة الثلاثية التي تضم على طاولتها كل من الحكومة والشريك الاجتماعي وكذا منظمات أرباب العمل إلى جانب خبراء اقتصاديين كما جرت عليه العادة، لم يحدد مسبقا جدول أعمالها كما أكد رؤساء منظمات أرباب العمل الذين اتصلت بهم «الشعب» هاتفيا، كونها ستتحذ طابع النقاش المفتوح في معالجة الملفات الاقتصادية الراهنة أهمها وضع المؤسسة في قلب المعركة التنموية والتعويل عليها كمحرك للاقتصاد الوطني، وجعلها مصدر خلق الثروة وامتصاص البطالة.ومن المرتقب أن يعالج الشركاء بالنقاش والكثير من التشريح التحديات الحالية وأخذ بعين الاعتبار الرهانات المقبلة في ظل تراجع أسعار برميل النفط وبحث سبل استغلال الثروات الوطنية غير النفطية أو الباطنية، وعن طريق الاستفادة من الثروة البشرية وتأهيلها والرفع من تنافسية الأداء الصناعي والسياحي والفلاحي، بعد قطع خطوات قلصت فيها الجزائر حجم استيرادها للمنتجات منذ التهاوي المفاجئ لأسعار المحروقات شهر جوان 2014.
ومن الملفات التي تطرح على تقييم الشركاء نذكر العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي للنمو الذي سينظر في مدى تجسيد بنوده على أرض الواقع وكذا مدى التزام الشركاء بتجسيده في الميدان، كونه يتضمن التزامات كل شريك بهدف تسريع وتيرة التنمية الوطنية في الحياة الاقتصادية.
يذكر أنه في وثيقة العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي للنمو يلتزم كل من الشريك الاجتماعي الممثل في النقابات على الحفاظ على السلم والاستقرار الاجتماعي بعيدا عن الاحتجاجات والإضرابات والتفرغ للعمل، بينما الشريك الاقتصادي المتكون من منظمات أرباب العمل، يعكف على خلق الثروة واستحداث مناصب الشغل والرفع من تنافسية المنتوج الوطني بهدف تغطية الطلب الوطني كخطوة أولى، ومن ثم السير نحو الأسواق الخارجية، بينما السلطات العمومية تسهر من جهتها عل تحسين مناخ الأعمال بهدف ترقية المؤسسة ودعمها. وتعد وثيقة العقد الاقتصادي الوطني للنمو تجربة نموذجية رائدة عربيا وإفريقيا تهدف إلى ترقية الحوار الاجتماعي وتعمل على تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية، علما أن العقد عزز بآلية متابعة و تقييم تم إرساؤها في شهر مارس 2014 سيقرر الشركاء إن كانت ذات فعالية أو تحتاج إلى التفعيل أكثر لمواجهة تقلبات الظرف الاقتصادي والتحولات التي شهدتها سوق المحروقات.
يمكن القول أن القمة الثلاثية سيفتح فيها نقاش وطني مستفيض يهدف في جوهره لمواجهة تقلبات الظرف الراهن، والمتمثلة في تراجع إيرادات النفط، ودون شك فإن الفاعلين في الحياة الاقتصادية سيساهمون بمقترحاتهم في طرح معالم خارطة طريق من أجل بناء قاعدة صناعية واقتصادية صلبة تكون بحجم قدرات وإمكانيات الجزائر الكبيرة وتعزيز التوصيات والقرارات بآليات تصب في تفعيل أداء الآلة الإنتاجية. ويبدو أن جميع الشركاء متفقون على ضرورة تعزيز ودعم المؤسسة سواء كانت عمومية أو خاصة فلا فرق بينهما، والتي وحدها قادرة على خلق الثروة وتخفيض فاتورة الواردات واستحداث مناصب الشغل ومنح الجزائريين الرفاهية.