25 ألف هكتار من الأراضي مسقية
تعتبر ولاية تيبازة رائدة في انتاج مختلف المنتجات الفلاحية بما في ذلك تلك التي تصنف ضمن المواد الاستراتيجية، بحيث قدّرت المصالح الفلاحية قيمة الخضروات والفواكه المنتجة محليا بـ6 ملايير دج كمعدل سنوي، فيما تحتل الولاية المرتبة الثالثة وطنيا في الزراعات المحمية والرابعة وطنيا في كل من الحمضيات والكروم بالرغم من محدودية المساحات القابلة للاستغلال الفلاحي.
وتتربع الأراضي الفلاحية المستغلة بتيبازة على امتداد 64311 هكتار من بينها 25 ألف هكتار مسقية مع الإشارة الى كون ثلثي ذات المساحة تابعة للقطاع الخاص من حيث الطبيعة القانونية لها، وتنتج هذه المساحات مجتمعة 4 ملايين و820 ألف قنطار من الخضروات سنويا على مساحة قدرها 18500 هكتار من بينها 902 ألف قنطار تنتج داخل البيوت البلاستيكية بمعية مليون و35 ألف قنطار من البطاطا، أما فيما يتعلق بالحمضيات فقد سجلت المصالح الفلاحية معدلا سنويا يتجاوز عتبة 800 ألف قنطار سنويا إضافة الى أكثر من 600 ألف قنطار من منتجات الأشجار ذات النوى ونصف مليون قنطار سنويا من مختلف انواع الحبوب مع الاشارة الى أنّ هذا المعدل بلغ عتبة 600 ألف قنطار خلال الموسم الفارط بالرغم من انعدام تهاطل الأمطار خلال شهري أفريل وماي من السنة الجارية.
أما بالنسبة لآفاق سنة 2019، فإنّ المصالح الفلاحية بالولاية ترتقب تجاوز عتبة 6 ملايين قنطار من الخضروات سنويا ومليون و650 ألف قنطار من البطاطا و580 ألف قنطار من الحبوب ومليون قنطار من الحمضيات وأكثر من 900 ألف قنطار من منتجات الأشجار المثمرة، تضاف إلى 45 ألف لتر من الحليب بمختلف اصنافه و19500 قنطار من اللحوم الحمراء و 120 ألف قنطار من اللحوم البيضاء بحيث ستتجاوز هذه المعدلات مجمل الأرقام المسجلة حاليا بنسب متفاوتة وتعد بتحقيق وثبة نوعية في مختلف مصادر الغذاء للجزائريين يغنينا من كابوس الاستيراد.
إلا أنّ أكبر عقبة تحدّ من إرادة و تحدي الفلاحين بالولاية تكمن في قلّة اليد العاملة وهي الظاهرة التي أضحت تتفاقم من سنة لأخرى، لاسيما بالمزارع المحيطة بالمناطق الحضرية والتي تشهد نفورا كبيرا للشباب من خدمة الأرض الأمر الذي أرغم أعدادا كبيرة من الفلاحين على الاستعانة بالمكننة أو الآلات الفلاحية التي بوسعها تعويض اليد العاملة البشرية غير أنّ العائق يبقى قائما وبحدّة حينما يجد الفلاح نفسه حائرا أمام تنفيذ عمليات الجني التي لا تطيقها مختلف الآلات المستغلّة، وأشار العديد منهم بخصوص هذه النقطة، بأنّ عدّة مزارع خاصة بالطماطم والفلفل والباذنجال والفاصوليا بقيت بدون استغلال لفترات طويلة ولم يتمكن أصحابها من جني ثمارها اليانعة لأسباب ترتبط بصفة مباشرة بقلّة اليد العاملة، بحيث ولّدت هذه الظاهرة قلقا كبيرا لدى الفلاحين بشأن مصير مهنتهم ومساهمتهم في توفير الغذاء للجزائريين.
وكان ممثلو مختلف الفئات التابعة لقطاعات الفلاحة والصيد البحري والغابات قد طرحوا إشكالية اليد العاملة على مسيري القطاعات الثلاثة مؤخرا على هامش لقاء رسمي جمع الطرفين بمقر الغرفة الفلاحية، مشيرين إلى أنّه لا يمكن تحقيق نجاعة واعدة في القطاع في ظلّ استمرار الظاهرة بشكل مخيف ومثبط للعزائم، ومن ثمّ طمأن مسيروا القطاع مختلف الفلاحين بأنّ القضية تدرس حاليا بجدية على أعلى مستوى ومن المرتقب بأن تخلص هذه الدراسة لاحقا الى نتائج ملموسة يمكن تجسيدها على أرض الواقع، غير أنّ العديد من ممثلي الفلاحين أشاروا بأصابع الاتهام الى تهرّب الفئات الشبانية من استلام المشعل من القائمين على خدمة الأرض نحو برامج تشغيل الشباب، ولاسيما ما تعلق منها باقتناء مركبات نفعية لغرض نقل السلع الأمر الذي ولّد إختناقا مروريا بمختلف المدن والطرقات العامة من جهة وعزوف الشباب عن التخصص في الوظائف الاستراتيجية للبلاد والتي تأتي خدمة الأرض في مقدمتها.
تراجع ثقافة التخزين لدى العائلات الريفية
تراجعت ثقافة تخزين المنتجات الفلاحية لدى مختلف العائلات القاطنة بالمناطق الريفية لتيبازة بشكل رهيب خلال سنوات خلت لأسباب ترجعها هذه الأخيرة إلى تردي الظروف المعيشية خلال العشرية السوداء التي مرت بها المنطقة من جهة وعزوف الشباب عن خدمة الأرض من جهة أخرى.
وقالت شهادات حية مستقاة مباشرة من عدة مناطق ريفية بتيبازة بأنّ تداعيات العشرية السوداء أسفرت عن تكاثر رهيب لما يدعى بالصيد أو الحيوانات البرية التي تمنع الفلاحين والقاطنين بالمناطق الريفية من غرس مختلف المنتجات الفلاحية للاستهلاك العائلي كالبصل والثوم والبطاطا والفول ومختلف انواع الحبوب، ناهيك عن خدمة الأشجار المثمرة التي تولّد ثمارا قابلة للتخزين كالتين والعنب واللوز والبلوط، بحيث أضحت مختلف المزارع العائلية المحاطة ببيوت الساكنة عرضة لهجمات الحيوانات البرية التي لا تبقى و لا تذر ولا تدع على الأرض أيّ منتج يسترزق منه البشر، مما أرغم العديد من العائلات على التراجع عن خدمة الأرض تجنبا لتكبّد خسائر فادحة لا يمكن تعويضها، ومن تداعيات الفترة الحرجة التي ألمت بالمنطقة خلال سنوات التسعينيات نمو نباتات غابية بكثافة بالمساحات المخصصة للزراعات العائلية والأشجار المثمرة، مما حال دون خدمتها من لدن مالكيها، ناهيك عن تحول تلك الفضاءات الى أوكار مفضلة لمختلف الحيوانات البرية التي أضحت تهاجم مجمل المزارع مستغلة قوة تعدادها وتراجع الكثافة السكانية بالمناطق الريفية مقارنة مع سنوات خلت، بحيث أرغمت العشرية السوداء العديد من العائلات على النزوح نحو مناطق آمنة بضفاف المدن للإقامة هناك.
ومن بين التداعيات المباشرة لهذه الظاهرة تراجع كميات المنتجات الفلاحية بالمنطقة وإضطرار سكان الأرياف الى اقتناء مختلف المنتجات من الأسواق العمومية، مما يزيد من كثرة الطلب عليها وارتفاع أسعارها الى حدود لا تطاق، ناهيك عن انعدام ثقافة التخزين التي كانت تغني الأباء والأجداد من اقتناء العديد من المنتجات من السوق وانتشرت بذلك ثقافة السوق على حساب ثقافة استهلاك ما ينتجه وما ينسجه الفرد، ومن ثمّ فقد كثّفت مديرية المصالح الفلاحية بالولاية، من نداءاتها للفلاحين للتكتّل والتعبير عن مقترحات معقولة وملائمة تعيد للأذهان ثقافة التخزين قبل المرور لاحقا الى مرحلة التصدير، لاسيما وأنّ الجزائر تمر حاليا بمرحلة اقتصادية حرجة.