طباعة هذه الصفحة

الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وزارة الشؤون الخارجية وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية

الجزائر والقضاء على الراديكالية  تجربة للتبادل

سبتمبر2015

 مقدمة
تحتفل الجزائر في 29 أيلول/سبتمبر 2015 بالذكرى العاشرة لاعتماد ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي قدمه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة وأجري استفتاء عام عليه. ووافقت الأغلبية الساحقة على هذه المبادرة التي كانت حاسمة في تحديد مستقبل البلد (97.38٪ من الأصوات بنسبة مشاركة قياسية بلغت 79.76٪).
وصرح السيد رئيس الجمهورية في العديد من المناسبات قائلا “إن المصالحة الوطنية ستمثل معلما رئيسيا في مسار تجديد بلدنا” وإنها تناشد كافة الجزائريين والجزائريات “من أجل أن يسامحوا دون أن ينسوا ومن أجل أن يتطلعوا إلى المستقبل بثقة ويستحدثوا نمطا جديدا للعيش معا في جزائر أكثر رخاء على الدوام”. وشدد رئيس الجمهورية أيضا على أن “المصالحة الوطنية خيار واع يركز على المصلحة العليا للأمة” وعلى أنها “خيار استراتيجي تلتئم به جروح شعب بأسره فيتصالح بذلك مع نفسه” وأن “المصالحة الوطنية لا تمثل خذلان أو انثناء وإنما هي خيار حضاري اتخذه شعبنا”.  
وبفضل سياسة المصالحة الوطنية هذه، استعاد البلد أمنه وسلمه واستقراره على نحو نهائي. وقد أُرسيت هذه السياسة بأمان وعزيمة وبإيمان عميق بقدرة الشعب الجزائري على طي صفحة المأساة الوطنية الأليمة وإعادة إدماج أطفاله التائهين والعمل من أجل بناء جزائر جديدة عمادها المساواة والعدالة والحرية للجميع دونما استثناء.
كما أُعيد الأمن والسلم والاستقرار أيضا بفضل الاستنفار القوي للمؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية والإدارية التابعة للدولة وللسكان والقوى الحية للأمة من أجل تنفيذ سياسة المصالحة الوطنية.  
واستخلصت الجزائر درسا قيما من تجربتها المرة في مكافحة التطرف العنيف واستئصال الإرهاب من جذوره مفاده أنه مهما كانت الأهمية التي قد تتسم بها الهزيمة الأمنية للإرهاب فإنها تبقى دائما جزئية، إذ يسعى الإرهاب إلى إيجاد ما يبرره ويبرر ما لا تبرير له، ولذلك فإنه يستغل النقائص وأوجه القصور التي توجد في أي مجتمع لا محالة.
وعليه، فإن السلطات الجزائرية اعتمدت استراتيجية مكافحة تهدف إلى جعل المجتمع برمته وكل مواطن بمنأى عن السيطرة التي يفرضها دعاة التطرف العنيف والإرهاب وعن التضليل الذي يمارسونه. وتنعكس هذه الاستراتيجية على مستويات عديدة.  إذ تستند إلى تعزيز الديمقراطية التشاركية ودولة القانون والعدالة الاجتماعية على نحو مستمر إضافة إلى تعزيز التنمية التي تتيح فرصا وحظوظا متساوية لكل مواطن. 
والجزائر على يقين بأن مكافحة هذه الآفة الخطيرة يفرض نفسه يوميا وفي كافة المجالات سواء كانت سياسية أو مؤسساتية أو اقتصادية أو ثقافية أو شعائرية أو تربوية أو اجتماعية. ومن أجل بلوغ ذلك، من الضروري تحقيق التعاون الفعلي بين كافة المؤسسات الوطنية وجميع الشركاء الاجتماعيين وكافة المواطنين.
وتستند الاستراتيجية الجزائرية لمكافحة التطرف العنيف إلى محورين أساسين: 
من جهة، الحفاظ على مستوى عالي من التعبئة واليقظة في كافة المصالح الأمنية أثناء قيامها بمهمتها المؤسساتية المتمثلة في حماية النظام العام وضمان أمن الأشخاص والممتلكات. ومن جهة أخرى، تطبيق سياسة شاملة للقضاء على الراديكالية تمزج بين إجراءات سياسية واقتصادية وثقافية ودينية في الآن ذاته، وتشارك فيها كافة المؤسسات والمواطنين وتخصص موارد هامة من موارد الأمة.
وبمضيها في هذا السبيل، تنكب الجزائر على لم شمل جميع أبنائها حول قيم جزائرية عتيقة هي قيم التسامح والعفو والتضامن وذلك من أجل بناء مستقبل خال من تهديد آفة الإرهاب ومصفوفته والتطرف العنيف وكل محاولات وإغراءات الانسياق وراء التطرف.

 
1- التدابير ذات الطابع السياسي
 
إن الجزائر مقتنعة بأن دولة القانون، إضافة إلى الديمقراطية التشاركية، بما في ذلك كل من يحترم النظام الدستوري وقوانين الجمهورية ويرفض العنف، من بين الأدوات الأكثر نجاعة في مكافحة التطرف العنيف والإرهاب. وهي مقتنعة أيضا بأن التنمية القائمة على العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص تمثل رادعا قويا في وجه التحريض على التطرف العنيف وحملاته التجنيدية. 
وفي هذا الصدد، تسلحت الجزائر بمؤسسات جمهورية تزاول نشاطها في إطار دستوري تعددي يستند إلى سيادة القانون وشرعية الانتخابات واحترام إرادة الشعب التي يعبر عنها في إطار انتخابات دورية. 
وبالمثل، تعتبر الجزائر أن تحسين الإدارة على نحو مستمر ومكافحة البيروقراطية والفساد فضلا عن اللامركزية وجمع الفاعلين المحليين والمجتمع المدني في إدارة الشؤون المحلية كلها أدوات لمكافحة التطرف العنيف والقضاء على التهميش وأوجه عدم المساواة.  ولذلك فالجزائر عضو مؤسس في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء ولقد أحالت تقرير تقييمها الوطني فضلا عن التقريرين الأولين عن حالة تنفيذ برنامج عملها في مجال تعزيز الإدارة الرشيدة. 
كما عززت الجزائر ترسانتها القضائية ومؤسساتها المعنية بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها. وهي تمثل اليوم طرفا في الصكوك والآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها كما أنها تفي تماما بالالتزامات المترتبة على ذلك وبصورة منتظمة.
ومن بين الإجراءات الرئيسية المتخذة ذات الطابع السياسي، يتعين ذكر ما يلي:
أ‌. الإصلاحات المؤسساتية
نظرا لتيقنه من أن دولة قادرة وقوية تستند إلى سيادة القانون والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتحقيق المساواة والعدل للجميع، واصل البلد، في ظل قيادة السيد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، خلال عام 2011 حركيته في مجال بناء مؤسسات قوية ومستدامة من خلال اعتماد جيل جديد من الإصلاحات المؤسساتية والسياسية والاقتصادية الاجتماعية التي من المتوقع أن تكلل باعتماد دستور جديد. 
واستجابة للمطالب النوعية للمواطن الجزائري، أبانت هذه الإصلاحات عن إرادة جلية لتوسيع الفضاءات والممارسات الديمقراطية الحميدة وتعزيزها على نحو مستمر.
وتمخض عن هذه العملية اعتماد البرلمان أربعة قوانين عضوية ذات صلة بالنظام الانتخابي والأحزاب السياسية والمعلومات وتمثيل النساء في المجالس المنتخبة، فضلا عن قوانين تتعلق بتنشيط الحركة الجمعوية وتناقص الولايات الانتخابية مع مختلف الدرجات المؤسساتية للتمثيل الشعبي. وتشهد هذه القوانين تطبيقا متدرجا وسريعا.
يمنح القانون العضوي رقم 12-01 المؤرخ في 18 شباط/ فبراير 2012 بشأن النظام الانتخابي المزيد من الضمانات إزاء القيام بالواجب الانتخابي بكل حرية وديمقراطية.  وينص هذا القانون على أن الانتخابات سيشرف عليها قضاة وستتم مراقبتها من قبل ممثلي المترشحين من الأحزاب السياسية والمترشحين الأحرار.  ويشارك هؤلاء في لجنة للإشراف على الانتخابات تتشكل من قضاة وفي لجنة مستقلة لمراقبة الانتخابات تتشكل من ممثلي الأحزاب السياسية وممثلي قوائم المترشحين الأحرار المشاركين في الاقتراع. وينص هذا القانون على استخدام صناديق اقتراع شفافة وحبر غير قابل للمحو إضافة إلى التزام الإدارة بتقديم شرح واف لأي رفض للترشح.  كما يتضمن أيضا العديد من الأحكام الجديدة من بينها منح المرشحين أو ممثليهم مباشرة في مراكز الاقتراع نسخا من المحاضر الشفهية لنتائج الاقتراع وتخفيض عدد التوقيعات المطالب بها للترشح للانتخابات الرئاسية.
ويعزز القانون العضوي رقم 12-04 المؤرخ في 12 كانون الثاني/يناير 2012 المتعلق بالأحزاب السياسية التعددية الديمقراطية ويثري الأحكام التي تنظم إنشاء الأحزاب السياسة وعلاقتها بالإدارة العمومية. كما يعزز شفافية الإدارة المالية في مجال التكوين السياسي وينظم النزاعات أو الخلافات التي من شأنها أن تقع بين الإدارة وحزب سياسي معتمد. كما يحمي حقوق الجماعات الوطنية من خلال أحكام قادرة حتى على الوقاية من وقوع المأساة الوطنية من جديد ويحظر أي تقييد للحريات الأساسية ويكرس الطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة ويحمي الوحدة الوطنية ووحدة الأراضي الوطنية والاستقلال الوطني إضافة إلى العناصر التي تشكل الهوية الوطنية.
ويعزز القانون رقم 12-06 المؤرخ في 12 كانون الثاني/يناير 2012 المتعلق بالجمعيات، حرية الجمعيات وينظم النشاط الجمعوي ويسد الثغرات القانونية الموجودة لا سيما فيما يتعلق بالمؤسسات الجمعوية وجمعيات الصداقة والجمعيات الأجنبية الموجودة في الجزائر. كما يعزز أكثر حق إنشاء الجمعيات. ويفرض على الجمعيات الوفاء بعدد معين من الالتزامات العالمية من بينها نزاهة مديريها والشفافية في إدارتها ولا سيما الإدارة المالية واحترام أنظمتها شمل ذلك ما يتعلق بمجال نشاطها الخاص واحترام الدستور والتشريعات المعمول بها وكذلك النظام العام. كما ينص على منح الجمعيات مركز “مصلحة عامة” عندما “يمثل مجال عملها أولوية بالنسبة إلى الجماعات المحلية”. ويكرس هذا النص المجتمع المدني كفاعل أساسي في الديمقراطية التشاركية.
وجاء القانون العضوي رقم 12-05 المؤرخ في 12 كانون الثاني/يناير، بشأن الإعلام ليلبي حاجات وحقوق المواطن والمجتمع في مجال الإعلام وحرية التعبير التي لم تكن موجودة من قبل. ومن بين التقدمات الكبيرة التي كرسها هذا القانون، يجدر ذكر إلغاء جريمة الصحافة وحماية أكبر لحياة المواطن الشخصية وضمان حقه في الإعلام وتحسين الوضعية الاجتماعية والمهنية للصحفيين وإنشاء سلطتين مستقلتين إحداهما للصحافة والأخرى للإعلام السمعي البصري وإنشاء مجلس لأخلاقيات المهنة وفتح مجال السمعي البصري أمام المستثمرين الجزائريين الخواص وتكريس حرية الإعلام المطلقة على شبكة الأنترنت سواء الصحافة المكتوبة أو وسائل الإعلام السمعية البصرية وتحسين نشر الصحافة الوطنية عبر كامل التراب الوطني.  وفتح سن هذا القانون السبيل لإعداد قوانين خاصة بشأن الإعلام السمعي البصري والإشهار واستطلاعات الرأي إضافة إلى وضع الصحافي.
 
ب‌. رفع حالة الطوارئ
 
سبق وأن أشار رفع حالة الطوارئ في عام 2011 إلى إرادة الدولة تعزيز اختيار الشعب الجزائري للديموقراطية والتعددية السياسية وجعله أمرا لا رجعة فيه.  وعلى الرغم من أنه ينبغي التذكير بأن هذا الإجراء لم يكن يهدف إلى إعاقة ممارسة الحريات العامة فإنه أتاح للدولة التصدي بسرعة ونجاعة إلى تهديد لم يسبق له مثيل إذ خول للسلطات العمومية اتخاذ تدابير تحيد عن القانون العادي لاسيما في مجال مكافحة الإهاب.
 
ج‌. الانضمام إلى الصكوك الدولية
 لتعزيز وحماية حقوق الإنسان
 
إلى حد اليوم، انضمت الجزائر إلى ثمانية صكوك من أصل تسعة صكوك رئيسية في مجال حقوق الإنسان كما انضمت إلى خمسة صكوك إقليمية وإلى العديد من الاتفاقيات الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان. وللصكوك الدولية التي صدقت عليها الجزائر أولوية على القانون كما تنص عليه المادة 132 من الدستور. 
وعلى الرغم من العدوان الإرهابي الذي تعرضت له الجزائر فإنها قطعت شوطا معتبرا في مجالي توسيع ميادين الحرية واحترام حقوق الإنسان.
 
د‌. سياسة المصالحة الوطنية مسبوقة بسياستي الرحمة والوئام المدني
 
تتمثل سياسة المصالحة الوطنية في حماية تلاحم المجتمع الجزائري وانسجامه من خلال تعزيز المبادرات السياسية المتتالية، التي تستند إلى القيم الروحية والأخلاقية الراسخة لدى الشعب الجزائري، وهي قيم تتجلى في التسامح والإنسانية وقدسية الحياة البشرية. وتستند هذه المبادرات السياسية إلى مبدأ مفاده أن الإسلام الذي استغلته الجماعات الإسلامية وكل من يرعاها لطالما كان حافزا للمَّ الشمل ومصدرا للنور والسلام والحرية والتسامح. وتستند هذه السياسة أيضا إلى قناعة مشتركة على نطاق واسع مفادها أن سياسة تركز حصريا على القمع لم تكن لتكون كافية لوحدها في قطع دابر هذه الظاهرة على نحو مستدام.
وينقسم هذا النهج إلى ثلاث مراحل. ويتعلق الأمر بسياسة الرحمة التي تم إرساؤها في عام 1995 ثم تلتها سياسة الوئام المدني التي أطلقت عن طريق الاستفتاء في عام 1999 ثم ميثاق المصالحة الوطنية الذي تمت الموافقة عليه عن طريق الاقتراع في عام 2005.  
وتتضمن الهندسة العامة لميثاق السلم والمصالحة الوطنية الأمر رقم 06-01 المؤرخ في 27 شباط/فبراير  والذي تم سنه تحت عنوان “تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية” والمرسوم الرئاسي رقم 06-93 المتعلق بتعويض ضحايا المأساة الوطنية والمرسوم رقم 06-94 المتعلق بتقديم الدولة إعانة إلى الأسر المحرومة التي ابتليت بضلوع أحد أقربائها في الإرهاب وأخيرا المرسوم رقم 06-95 المتعلق بشروط تنفيذ المادة 13 من الأمر رقم 06-01، ويكمل هذا الجهاز الإطار القانوني الموجود منذ عام 1999 الذي يتكفل بضحايا الإرهاب من خلال المرسوم التنفيذي رقم 99-44 المؤرخ في 13 شباط/فبراير 1999 المتعلق بتعويض الأشخاص الماديين الذين وقعوا ضحية أضرار جسدية أو مادية لحقت بهم من جراء أعمال إرهابية أو حوادث وقعت في إطار مكافحة الإرهاب وذوي الحقوق..
وبغية تيسير عودة السلم المدني، اتخذت الدولة إجراءات للرحمة لفائدة الإرهابيين الراغبين في التوبة. ووضع هذا النهج جهازا وطنيا للاستقرار وأعرب عن تضامن الأمة وتعاطفها مع جميع ضحايا المأساة الوطنية وذوي الحقوق.
وساهمت الأحكام التي وُضِعت في إطار نصوص القانون هذه على نحو فعال في إبعاد الأفراد المتورطين في قضايا ذات صلة بالإرهاب عن الأفكار المتطرفة والمخططات الأصولية الراديكالية ولا سيما من خلال الأحكام التالية:
.إجراءات إسقاط الدعوى العمومية في حق الأفراد المتورطين في قضايا الإرهاب.
.استبدال وتخفيف العقوبات المفروضة على الأشخاص المحكوم عليهم نهائيا الذين لا يستوفون الشروط لإطلاق سراحهم.
.تقديم الرعاية لأسر الأشخاص الذين تعرضوا للقتل في إطار مكافحة الإرهاب.
.تدابير إقصاء في حق الأشخاص الذين قاموا بعمليات اغتصاب وهجمات باستخدام مواد متفجرة في الأماكن العامة وعمليات اغتيال.
وباسم التضامن الوطني الذي يمثل جزءً لا يتجزأ من عمل المصالحة الوطنية، أخذت الدولة على عاتقها بكل عزم وإصرار قضية ضحايا المأساة الوطنية إذ مدت يد العون إلى الأرملة واليتيم وإلى كل من يحق لهم أن تهُبَّ دولة قوية لمساعدتهم من أجل أن يعيشوا بشرف وكرامة إلى حين أن تلتأم جروحهم.
وكانت سياسة المصالحة الوطنية ولا تزال منصة في خدمة حقوق الإنسان.  فقدت أتاحت إنقاذ الأرواح ومنحت السكان بصيص أمل من جديد وأعادت السلم الذي لا يمكن من دونه القيام بشيء لفائدة الأجيال الحالية والقادمة. وأتاحت للبلد استرجاع استقراره السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي وعودة الهدوء ومعالجة جراح المأساة الوطنية بنجاعة.
وبفضل هذه السياسة، وافق الآلاف من التائبين على تسليم أنفسهم بملء إرادتهم مما أتاح للأمة إنقاذ المئات بل الآلاف من الأرواح البشرية وتمكن عدد كبير من التائبين من العودة إلى المجتمع والاندماج فيه من جديد. وأتاحت أيضا معالجة مختلف جراح المأساة الوطنية على نحو ملائم. وتضمن ذلك حل الأغلبية الساحقة من النزاعات ذات الصلة بقضية المفقودين الحساسة وإعادة إدماجهم في مناصب عملهم أو تعويض الأشخاص الذين خضعوا لإجراءات إدارية لإقالتهم بسبب وقائع ذات صلة بالمأساة الوطنية وتقديم الدولة الإعانة (منحة الوفاة والمعاشات) إلى الأسر “المحرومة” لتي ابتليت بضلوع أحد أقربائها في الإرهاب (الوفاة في صفوف الجماعات الإرهابية) والاعتراف بالنساء اللواتي تعرضن للاغتصاب من قبل الإرهابيين في المناطق الجبلية كضحايا للإرهاب.
وحسب رأي عدد كبير من الملاحظين، تمثل المصالحة الوطنية في الجزائر نجاحا وتقدما.  إذ لم تُفرض على حساب حقوق الإنسان المعترف بها دستوريا للمواطن ولم تتجاهل التزامات الجزائر الدولية وهي تسعى إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان بما في ذلك أسمى هذه الحقوق وهو الحق في العيش.
ومن المهم الإشارة إلى أن عددا محدودا من الأشخاص يرفضون الحصول على التعويض دون أن يعارضوا مبدأ المصالحة الوطنية.
وتعتزم الحكومة الجزائرية مواصلة تنفيذ المصالحة الوطنية وتواصل استقبال الأطفال الضالين بكل أخوية في الوقت الذي تلاحق فيه بإصرار وبكل ما أوتي القانون من قوة وصرامة أي شخص يمس بسلامة المواطنين وممتلكاتهم أو بالاستقرار والأمن في البلد.

ه- عصرنة الخدمة العمومية

يعتبر إصلاح الخدمة العمومية من الانشغالات الكبيرة التي تساور الدولة.  وبهدف تقريب الإدارة أكثر من المواطنين وتحسين جودة الخدمات التي يستفيد منها السكان، باشرت الدولة العمل على برنامج واسع النطاق لعصرنة الخدمات الإدارية العمومية ورقمنتها وإضفاء الطابعين اللامركزي والإنساني عليها وذلك في مختلف المجالات، انطلاقا من الحالة المدنية ووصولا إلى وثائق السفر والصحة والبريد ...الخ.  ويتمثل الهدف المرجو من ذلك، التمكن من إقامة إدارة رقمية على المدى القصير.  وهناك مرصد وطني للخدمة العمومية طور الإنجاز وتتمثل ولايته في المضي قدما بالخدمة العمومية وتقييم نجاعتها على نحو متواصل.  وسيجمع البرنامج كافة القطاعات المعنية بما في ذلك المصالح الإدارية والمجتمع المدني والمصالح المختصة.  وتحظى النتائج الأولية الملموسة والمتعددة التي حققها هذا البرنامج خلال السنوات الأخيرة الماضية بالرضا والانضمام الشعبي القوي إليها.

2 -التدابير ذات الطابع الاقتصادي

تمثل مكافحة التطرف العنيف والإرهاب والوقاية من العنف المتطرف من خلال المناهج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عناصر مهمة في إطار سياسة التنمية التي تقودها الحكومة الجزائرية.
وتتضمن أولويات هذه السياسة اليوم تدعيم دولة القانون وتعزيز الاستقرار والترويج للحوار الوطني ودعم المجال الاقتصادي والمالي وتحفيز تنمية الأنشطة الإنتاجية وتنمية البنى التحتية الأساسية والترويج لتنمية إقليمية تنسجم مع البيئة وتحترمها وأخيرا تلبية حاجات المواطنين. 
وتضمن المخطط الخماسي الذي بلغت ميزانيته 286 مليار دولار وشمل الفترة 2010-2014 برامج طموحة تلبي حاجات البلد في مجالات البنية التحتية وتعزيز الإنتاج الوطني وتلبية حاجات المواطنين. وعلى الرغم من الظرفية الاقتصادية الأقل مواءمة فإن هذا الجهد المبذول سيتواصل في إطار برنامج التنمية الحالي والذي سيشمل الفترة 2015-2019.
وتتطلع الجزائر في إطار استراتيجية التنمية هذه إلى بلوغ هدف معين يتمثل في دفع حركية جديدة تستند إلى النمو الاقتصادي القوي وأن تجعل في الوقت ذاته من التحويلات الاجتماعية مبدأ جوهريا، ومن تحسين ظروف عيش السكان قاعدة أساسية. وقطعت تلبية الحاجات الاجتماعية بذلك شوطا معتبرا. وبلغت نفقات الدولة السنوية لفائدة الفئات المحرومة بذلك حوالي 12 ٪ من مجموع الناتج المحلي الخام.
 
3 - التدابير المتخذة في مجالي القضاء والسجون

شكل احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون الأسس التي تستند إليها الدولة الجزائرية في الكفاح الذي قادته ضد التطرف العنيف والإرهاب. وقد خاضت هذه المعركة من أجل تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وليس لتقويضها. وتساهم مكافحة الإرهاب في ظل احترام الحقوق الأساسية في تحقيق مقبوليتها ونجاعتها. ومن شأن الحياد عن هذه القيم عند محاربة من يحاولون تحطيمها بالتحديد أن يكون بمثابة مد يد العون إليهم وتشجيعهم على خرق المعايير العالمية التي يستند إليها تنظيم مجتمعاتنا.
وانطلاقا من هذه الاعتبارات، وضعت الحكومة الجزائرية تدريجيا مجموعة من التشريعات بغية تأطير عمل قوات الأمن مما يضمن حقوق الأشخاص المتورطين في عمليات إرهابية في السلامة البدنية وعدم المساس بكرامتهم الإنسانية خلال فترة الاعتقال وخلال المحاكمة وطوال فترة قضائهم لعقوباتهم.
ومن بين التدابير الاساسية التي اتخذتها الحكومة الجزائرية لترسيخ دولة القانون وتقديم المزيد من الضمانات إلى المتقاضين، بمن فيهم أولئك المحكوم عليهم بارتكاب أعمال إرهابية، بغية إعادتهم إلى الطريق المستقيم وإعادة إدماجهم في المجتمع بصورة مستدامة، نذكر ما يلي:
أ‌. إلغاء الهيئات القضائية الاستثنائية
أصبحت مقاضاة الأعمال الإرهابية منذ سنوات عديدة تندرج في إطار القانون الجنائي وقانون الإجراءات الجنائية وهي تخضع اليوم تماما إلى قواعد القانون العام. وتفصل مراكز قضائية متخصصة في قضايا الأعمال الإرهابية، وهي محاكم عادية تتمتع بصلاحية إقليمية واسعة النطاق تتشكل من قضاة لهم تكوين تكميلي متخصص. ويتيح تكريس القانون للاختصاص الحصري للمحاكم المدنية التي تضمن الحق في الدفاع في نظر الأشخاص المدانين، بمن فيهم أولئك المتورطين في أعمال إرهابية، الاستفادة من محاكمات عادلة.
ب‌.  تعليق تطبيق الحكم بعقوبة الإعدام
لم تنفذ الجزائر حكم عقوبة الإعدام منذ عام 1993.  وعلى الصعيد التشريعي، خضعت العديد من الجرائم التي كان من المقرر أن ينفذ حكم بعقوبة الإعدام بشأنها إلى الحذف كلية وببساطة (مثل الجرائم الاقتصادية) أو إلى مراجعة تميل إلى استبدال عقوبة الإعدام بعقوبة سجن.  ومن جهة أخرى، لا يعتمد أي نص قانوني جديد عقوبة الإعدام.  وعلاوة على ذلك، خُففت العديد من عقوبات الإعدام إلى الحكم السجن من خلال العفو الرئاسي.  ومن جهة أخرى، فإن الجزائر عضو في مجموعة دعم اللجنة الدولية لمناهضة عقوبة الإعدام. وتواصل رصد إلغاء تنفيذ عقوبة الإعدام، كما انضمت إلى مقدمي قرار الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في هذا الصدد.  
ج‌. التوبة ومكافحة الراديكالية في السجون
فيما يتعلق بالأشخاص المسجونين لارتكابهم أعمالا إرهابية، يطبق قطاع العدالة داخل السجون جملة من الإجراءات بغية القضاء على الراديكالية. 
ويتعلق الأمر بردود عقابية ملائمة تهدف إلى الحد من تأثير المسجونين المناصرين للتطرف العنيف أو المتورطين في أعمال إرهابية وضمان إعادة إدماجهم في المجتمع من خلال الأعمال التي تهدف إلى:
- توحيد الأدوات المستخدمة والسبل المتبعة مع المسجونين باعتماد نفس المعاملة التي تعامل بها الشرائح الأخرى من المسجونين وذلك عملا بالقانون ولا سيما فيما يتعلق بظروف الاحتجاز (تقديم الرعاية الطبية والنظافة الصحية والطعام والحفاظ على الأواصر الأسرية من خلال الزيارات والحق في المراسلة...الخ).
- إحباط أية نية أو مشروع للتجنيد في صفوف المسجونين وذلك من خلال فصل الأشخاص المتورطين في أعمال إرهابية عن فئات المسجونين الأخرى وذلك بعزلهم في قاعات وأماكن منفصلة تماما. 
- عزل المسجونين الإرهابيين الأكثر خطورة (قادة الجماعات الإرهابية والمحكوم عليهم بالإعدام والمحكوم عليهم بالسجن المؤبد) عن باقي المسجونين من نفس الفئة بغية تفادي أي شكل من أشكال التأثير السلبي أو انتقال العدوى.
- منح الحق في الاستفادة من مختلف برامج إعادة التأهيل وإعادة الإدماج الاجتماعيين أي دروس محو الأمية والتعليم العام والتكوين المهني إضافة إلى مختلف الأنشطة الثقافية الرياضية للمسجونين المتورطين في الأعمال الإرهابية على غرار فئات المسجونين الأخرى والاستفادة أيضا من الحق في الانتفاع بمختلف البرامج السمعية والسمعية البصرية وبرامج المطالعة إضافة إلى الحق في الحصول على الصحافة المكتوبة.
- تقريب الإرهابيين المسجونين من الأئمة المتقنين للعلوم الدينية بغية حث الأشخاص الأكثر راديكالية على التوبة الإيديولوجية في المقام الأول وكذلك لتشجيع هؤلاء الإرهابيين على الاستفادة من أحكام قانون ميثاق المصالحة الوطنية التي تنص على إعادة إدماجهم اجتماعيا وتقديم أفضل تعليم ديني لهم في إطار قيمنا وتقاليدنا الإسلامية القائمة على التقوى والسلام والمغفرة والتسامح.
د. التكوين داخل السجون
تندرج السياسة العقابية الجزائرية في إطار الأنظمة العقابية التي تحث على إعادة إدماج المسجونين. وبالتالي، فالقانون رقم 05-04 المؤرخ في 6 شباط/فبراير 2005 المتعلق بتنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين يكرس مبادئ وقواعد تضع سياسة تعنى بالسجون تستند إلى فكرة الحماية الاجتماعية التي تجعل من تطبيق العقوبات وسيلة لحماية المجتمع وذلك من خلال إعادة التأهيل وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين.  ويستفيد المسجونون بسبب الأعمال الإرهابية من هذه الترتيبات. 
ويستفيد الإرهابيون في السجون أيضا من برامج تكوين مقترحة مسبقا للمسجونين الآخرين في إطار اتفاقية بشأن تكوين المحبوسين مهنيا، عقدت عام 1987 بين وزارة العدل ووزارة التكوين المهني وتم تعديلها واستكمالها في تشرين الثاني/نوفمبر 1997. وتهدف هذه الاتفاقية إلى توفير التكوين في السجون على نحو مركز.  وعُززت هذه الشراكة بإنشاء لجنة مختلطة تتألف من أعضاء من القطاعين وتتخذ من الالتزام بالتدريب المشترك لفائدة كل المحبوسين مهمة لها. 
ه‌. وفضلا عن هذه التدابير في مجالي القضاء والسجون، اتخذت تدابير أخرى من شأنها أن تفضي إلى استعادة الثقة من جديد:
 
- الزيارات التي قامت بها كل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر واللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان والتي شملت الإرهابيين المحبوسين.
- تعزيز إعادة الإدماج الاجتماعي ومساهمة المجتمع المدني وإنشاء مصالح خارجية تابعة لإدارة السجون؛
- تشديد العقوبات الجنائية المفروضة على القيام بالتعذيب لا سيما إذا مارسه أحد الموظفين أو أثاره أو تكتم عنه أو أمر به بغية الحصول على اعترافات.
 
4- تدابير الحفاظ على النظام العام وحماية الأشخاص والممتلكات
 
في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، حافظت الجزائر على مستويات عالية من تعبئة مختلف مصالحها الأمنية ومختلف المؤسسات في البلد كما عززت أمنها الحدودي على نطاق واسع. كما انتهجت سياسة لعصرنة قوات الشرطة من خلال تعزيز التكوين وتدريب ضباط الشرطة على المعايير المهنية وتطوير الشرطة العلمية والتقنية وتعزيز الاتصال على الصعيدين الداخلي والخارجي بغية تنمية علاقة الثقة القائمة مع المواطنين وتأكيدها. 
كما أن الشرطة الجزائرية مدربة مؤسسيا على احترام حقوق الإنسان. وتم تطوير الشرطة الجوارية بهدف تعزيز التفاعل مع السكان المحليين وحماية الشباب على وجه الخصوص من تأثير التيارات المتطرفة وبهدف القيام بعمل لاستعادة الأفراد الذين كانوا عرضة لهذا التأثير إذا كان ذلك لا يزال ممكنا.  
وانتشر عمل الشرطة في مجال القضاء على الراديكالية على العديد من الجبهات من بينها ما يلي:
· كشف موادق التطرف؛
· عزل الجماعات الراديكالية ومناصري التطرف العنيف؛
· تقليص السياق الذي يتيح للأشخاص تطوير أفكار متطرفة؛
· مكافحة الجريمة الإلكترونية كوسيلة لنقل الإرهاب بهدف الوقاية من اللجوء إلى تكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة ومنع استخدامها لأغراض إرهابية،
· منع استخدام الإعلام الإلكتروني ولكن دون تقييد حرية التعبير لا سيما ذلك الإعلام المرتبط بالتكنولوجيات الحديثة لمناصرة الإرهاب.
· مكافحة الراديكالية عبر شبكة الإنترنت من خلال وضع هياكل تابعة للشرطة تعنى بمكافحة الجريمة الإلكترونية ولا سيما تتبع أنشطة الدعاية عبر الإنترنت من خلال خلايا لليقظة عبر الشبكة.
· التقرب من الشباب الذين يدعون إلى الأفكار الراديكالية بغية إبعادهم عنها وذلك في ظل احترام الحقوق الأساسية للفرد.
· إلغاء كافة وسائل الاتصال بين الإرهابيين وأوساط التجنيد (الحي، المعارف، العائلات). 
· سحب الكتب التي تتناول مواضيع دينية ذات طابع متطرف والتي تحرض على التطرف العنيف من فضاءات المطالعة.
· تقويض وسائل الدعاية إلى التطرف العنيف والحركات الإرهابية ومصادر دعمها.
· اللجوء إلى الأطباء النفسانيين من أجل فهم الأشخاص الضعفاء الذين يتقبلون الخطابات المتطرفة والتأثير فيهم واسترجاعهم.
 
5 -  التدابير ذات الطابع الديني
 
التزمت الحكومة في برنامجها بالمواظبة على تعبئة كافات الطاقات من أجل تدعيم الأسس التي يستند إليها المرجع الديني الوطني وذلك بترقية ثقافة الإسلام الحق التي تتجسد في الإنسانية والتسامح والتناغم الاجتماعي كما التزمت بوضع اللمسات الأخيرة على الاستراتيجية الوطنية في مجال الأنشطة الدينية وبمكافحة كافة أشكال التطرف.
ويرتكز العمل الذي قامت به الجزائر في مجال القضاء على الراديكالية والذي يتجلى في استعادة المرجع الديني الوطني وتدعيمه إلى العديد من المبادرات:
· الحفاظ على تراثنا الشعائري من الأفكار الضارة التي انتقلت إلى مجتمعنا في السنوات الأخيرة والتي تتنافى مع المرجعيات الدينية التي مارسها أسلافنا منذ قرون والتي كانت تستند إلى الاعتدال والتفتح والتسامح.
· تحسين تكوين الأئمة ومستواهم من أجل إدارة المساجد والتعريف برسالة الإسلام على نحو أمثل.  وقد خصصت كافة الموارد الضرورية لبلوغ هذه الأهداف.  فعلى سبيل المثال، لم يكن هناك على الصعيد الوطني سوى معهد واحد مختص لتكوين الأئمة مقابل 12 معهدا اليوم 6 منها  قيد الإنجاز.
· تكوين المرشدات اللواتي يضطلعن بنفس عمل زملائهن الأئمة من الرجال باستثناء إقامة الصلاة.  فهن يمارسن منذ سنوات طويلة عملا جواريا لدى العائلات.
· إخضاع كافة الوظائف إلى التكوين قبل مباشرة العمل وذلك من أجل ضمان تحقيق الأهداف التالية:
- الفهم الجيد للإسلام بغية التعريف به بمنأى عن أي تطرف.
- تحديد قواعد التربية الروحية المكونة للشخص والتي تتيح للمجتمع إحراز التقدم.
- الحفاظ على الوحدة الدينية والمرجعيات الدينية والمعاملة الحسنة لغير المسلمين في إطار احترام الشريعة التي تفرض احترام الغير وأراءه ومشاعره بغض النظر عن جنسيته أو ديانته.
· استعادة المساجد لدورها الشعائري والثقافي والتربوي والاجتماعي الحقيقي بما ينسجم مع عمل المؤسسات الأخرى في البلد. ويتعلق الأمر بجعلها تضطلع بدور تربوي وديني للقضاء على الأفكار المتطرفة والحيلولة دون القيام بأية أنشطة راديكالية في أوساط السكان على العموم وفي أوساط الشباب على وجه الخصوص الذين من شأنهم أن يكونوا هدفا لأعمال الدعاية والتلقين العقائدي.  ولتحقيق هذه الغاية، هناك خريطة وطنية جديدة للمساجد هي طور الإنجاز.
· إدراج موضوع الوقاية من التطرف العنيف في خطب الأئمة والتعليم القرآني وفي كل التظاهرات التي يشترك فيها قطاع الشؤون الدينية والمسجد على وجه الخصوص.
· مشاركة المرشدين الدينيين (والمرشدات الدينيات) في أعمال التوعية الجوارية ضد ظاهرة العنف والتطرف. وأنجز هذا العمل على نطاق واسع في إطار تنفيذ القانون المتعلق بالمصالحة الوطنية.
· إعادة تنظيم مؤسسة الفتوى في المجالس العلمية التابعة للشؤون الدينية على الصعيد المحلي وفي المساجد وفي استخدام وسائل الإعلام.  ويهدف هذا العمل إلى محاربة الأفكار التي تسيء تأويل النصوص الدينية وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
· افتتاح مرصد وطني قريبا لمكافحة التطرف الديني. وسيتمثل دوره الرئيسي في تحليل الظواهر ذات الصلة بالتطرف الديني واقتراح حلول الملائمة.  وسيجمع مختف المؤسسات الوطنية وعلماء من مجالات متعددة والحركة الجمعوية إضافة إلى الشباب والنساء.
· تنظيم أعمال مشتركة للتوعية والتكوين والتفسير مع المجتمع المدني والمنظمات الدولية المعنية على غرار منظمة اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
· تكوين وتأطير الأئمة الذين يزاولون عملهم في أوساط الجالية الجزائرية المقيمة في الخارج وذلك في إطار اتفاق عقد بين الجزائر وفرنسا.  وهذه التجربة هي قيد التوسع لتشمل بلدان أخرى.
· إطلاق رابطة العلماء في دول الساحل من أجل إسلام معتدل وسلمي ومتسامح.
· المضي قدما في بذل الجهود من أجل تعزيز التسامح والانفتاح والتفاهم المشترك من خلال التكوين الديني التي تقدمه جامعة أدرار إلى دول المنطقة منذ عقود والمعهد الإسلامي في تمنراست إضافة إلى تقديم المئات من المنح للدراسات الجامعية الإسلامية سنويا إلى رعايا هذه الدول.
· تكييف الإطار التشريعي والتنظيمي الذي يحكم النشاط الشعائري من أجل مكافحة التطرف العنيف ومواجهة التحديات المعاصرة.
· تشجيع الكتاب الديني المعتدل عوضا عن الكتب التي تحرض على العنف والتمييز الذي يترتب عليهما آثار سلبية تمس الإسلام والديانات الأخرى.
· حشد الجامعة الإسلامية الجزائرية في نشر إسلام معتدل ومتسامح وفي التكوين العالي للأئمة لا سيما إدراج دورات تدريبية عديدة إضافة إلى تخصص دكتوراه في إطار نظام التكوين ليسانس.ماستر.دكتوراه (ل.م.د).
· زيادة التعاون مع الحقل التعليمي من أجل التصدي إلى تسلل الجماعات الطائفية.
· مشروع إنشاء أكاديمية لعلوم الفقه تجمع بين كافة المذاهب الإسلامية تقوم بإصدار الفتاوى وتتكون من مختصين في الفقه وأطباء وعلماء اجتماع وحقوقيين إضافة إلى مهارات وطنية في شتى المجالات.
· مشروع إنشاء جمعيات دينية بمرسوم رئاسي تتيح التكفل بالنشاط الديني داخل المساجد وأماكن العبادة وخارجها أيضا.
· مشروع قيد الدراسة لإنشاء مؤسسة مفتي الجمهورية.
 
6 -  التدابير الموجهة صوب البيئة المباشرة للعائلات والحركة الجمعوية والزوايا والمنظمات التقليدية الأخرى
 
أدرج عمل الدولة في مكافحة التطرف العنيف والقضاء على الراديكالية أيضا إطارات ومنظمات أخرى يمكنها التأثير في تصرف الأشخاص والمساهمة في تراجع الأفكار المتطرفة. ومن بين هذه العوامل ما يلي:
- العائلات: يكمن الهدف في توعيتها من أجل تفادي وقوع أبنائها في الراديكالية وتشجيع توبة أقربائها الضالعين في أنشطة التطرف والإرهاب. فالشعور بالانتماء إلى دائرة أصولية والرغبة في الانتقام غالبا ما دفع بالشباب الذين اعتقل أفراد عائلاتهم أو قتلوا لضلوعهم في الأعمال الإرهابية إلى الالتحاق بالمجموعات الإرهابية الناشطة. وغالبا ما حقق العمل لدى العائلات مبتغاه.
- السكان: يهدف العمل المنجز إلى توعيتهم إزاء الأخطار المترتبة على التطرف العنيف والإرهاب والتي تعرض أمنهم الشخصي وممتلكاتهم وشرفهم إلى الخطر.  وتكتسي العلاقات مع السكان أهمية جوهرية لما يمكن أن تحققه من نجاح على نطاق واسع في مجال مكافحة الإرهاب والعمل على محاربة التطرف العنيف والقضاء علىالراديكالية.  وتعتبر إدارة هذه العلاقات عنصرا أساسيا للعمل النفسي من شأنه أن يساهم في كسب دعم السكان.
- الزوايا والمدارس القرآنية: تستقبل الزوايا والمدارس القرآنية مختلف شرائح المجتمع الجزائري من كافة أنحاء البلد. وقد شكلت ولا تزال تشكل منصات لزرع أفكار الإسلام تصوراته الإيجابية والبناءة وإقامة روادع أمام التطرف العنيف والراديكالية. 
- نظام الصدقة والزكاة والوقف: يتمثل عمل الحكومة الجزائرية في تنظيم الأموال المتداولة في صورة زكاة أو وقف وضمان تأطير هذا النشاط من خلال آليات تضمن شفافية جمع المداخيل المتأتية من هذه المصادر وتوزيعها.  وبالتالي، تجمع وزارة الشؤون الدينية أموال الزكاة وتستخدمها في تقديم المعونة إلى المحتاجين ومساعدة الشباب أيضا في إنشاء أنشطة إنتاجية في إطار المؤسسات الصغيرة وذلك من خلال منح القروض. وتعتزم الحكومة إنشاء مؤسسة مالية عمومية (مؤسسة الزكاة) تأخذ على عاتقها مهمة جمع أموال الزكاة والتبرعات وتوزيعها على نحو عادل على المحتاجين ويهدف ذلك أيضا إلى ضمان تتبع الأموال وتفادي جمعها واستخدامها لخدمة أغراض التطرف العنيف والإرهاب.
ـ الثقافة الإسلامية والكتاب الديني: يستند العمل المنجز في هذا المجال إلى ما يلي:
ـ نشر مبادئ الثقافة الإسلامية القائمة على أسس حرية التفكير والتعاون والتسامح من خلال المراكز الثقافية الإسلامية ومرافقها في الولايات وعلى الصعيد المحلي.
- تنظيم منتديات علمية وأيام دراسية بهدف تعزيز الاعتدال والتسامح كقيم مركزية في الحضارة الإسلامية (على سبيل المثال: المنتدى الدولي حول “الإسلام والتطرف العنيف” والمنتدى الدولي حول “ الأمن الإيديولوجي” والمنتدى الدولي حول “ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين”).
- تنظيم قافلات علمية تهدف إلى إبراز التنوع الثقافي في الجزائر.
- مساندة الكتاب الديني المعتدل كما ذكرناه آنفا على حساب الكتب الدينية التي تحرض على العنف.
 
7  - التدابير المتخذة في مجالي الاتصال والإعلام
 
لقد شمل الكفاح في الجزائر ضد التطرف العنيف والإرهاب الميدان الإعلامي أيضا، وهو ميدان استثمرت فيه الجماعات الإرهابية ومنظروها ومجندوها الكثير.  
ومن بين التدابير التي اتخذتها الحكومة بغية التصدي إلى الخطاب المتطرف، وذلك بمحاربة الإرهاب وتحقيق فهم صحيح للإسلام الحق، ذلك الإسلام الذي يدعو إلى السلم والتسامح والانسجام في المجتمع وينادي إلى الأخوية بين البشر نذكر ما يلي: 
- إعادة صياغة الإطار التشريعي والتنظيمي بغية تعزيز التعددية السياسية وحرية التعبير وفتح الحقل الإعلامي.
- تطوير محتويات إعلامية تجرد الخطاب المتطرف مما يدعيه من شرعية وتفند من قيمته وتكشف تنافيه مع قيم وتعاليم الإسلام الحق وتشرح قيم التلاحم والعفو والتسامح التي ينادي إليها الإسلام وتبين الدمار والأعمال الوحشية التي يرتكبها الإرهاب وحماته وتندد على نحو مستمر بالخلط بين الدين الإسلامي والإرهاب والتطرف العنيف. 
- مشاركة كافة قوى الأمة ومواردها المشرقة في الحقل الإعلامي لمكافحة الخطاب المتطرف والعنيف والإرهاب: المثقفون وأصحاب النفوذ الاجتماعي والشخصيات المعروفة لإلمامهم بالدين (الأحاديث الدينية والنقاشات التي تذاع في قنوات الإعلام العمومية) والمختصون في القضايا الأمنية للقيام بتحليلات في البرامج التلفزيونية والإذاعية والمقالات الصحفية للأعمال الإرهابية وأنصارها وآثارها المدمرة
- إيلاء وسائل الإعلام شديد الاهتمام بالآراء المعتدلة والمفكرين المسلمين المشهورين في لقاءات مواضيعية على الصعيدين الوطني والدولي.
- تطوير خطاب وتواصل يستهدفان الشباب على وجه الخصوص على أمواج القناة الإذاعية الموجهة إلى الشباب “ جيل FM “.
- تطوير تواصل موجه صوب الخارج بغية شرح واقع ظاهرة الإرهاب وضم أعداد غفيرة إلى الكفاح من أجل القضاء عليه.
- تكريس حرية التعبير من خلال الإكثار من العناوين في الصحافة المكتوبة العمومية ولاسيما الخاصة باللغتين العربية والفرنسية على الصعيدين الوطني والجهوي وذلك في صورة جرائد يومية وأسبوعية وشهرية تتناول مواضيع عامة أو خاصة (حوالي 360 إصدار بين الجرائد اليومية والمجلات) وزيادة عدد دور النشر أيضا.
- إنشاء حوالي 50 قناة إذاعية عمومية تتناول مواضيعا محددة وعامة على الصعيدين الوطني والمحلي وتتيح لكل ولاية أن تمتلك قناة إذاعية واحدة على الأقل إضافة إلى القناة الإذاعية الدولية التي تبث برامجها عبر شبكة الإنترنت.
- إنشاء إذاعة القرآن وشاشة القرآن الجزائرية اللتان تساهمان عبر برامج قوية في نشر إسلام السلم والتسامح والإنسانية والتضامن الذي لطالما عاشه الجزائريون.
- مشاركة وسائل الإعلام في عمليات مكافحة الإرهاب والعمليات الأمنية بصفتها وسيطا إعلاميا للتعبئة والتوعية ضد هذه الظاهرة.
- تنظيم دورات تكوينية للصحفيين على المبادئ الأخلاقية والأخلاقيات المهنية بشأن مسؤولية إدارة المعلومة الأمنية وضرورة ضمان تحقيق توازن بين الواجب الإعلامي والمقتضيات الأمنية.
- مرافقة ودعم سياسات الرحمة والوئام المدني والمصالحة الوطنية. إذ انتقل بذلك الوسط الإعلامي من مرحلة التنديد بالميول الأصولية ومواجهتها إلى مرحلة تهدئة المجتمع برمته.
- تحرير القطاع السمعي البصري الذي أتاح إنشاء 25 قناة تلفزيونية جزائرية خاصة التي كان من بين أهم الآثار الإيجابية المترتبة عليها، صرف انتباه الشباب الجزائري عن بعض القنوات التلفزيونية الاجنبية التي تحرض على الخطاب المتطرف والانخفاض الملحوظ في مشاهدة الجزائريين لها على العموم وتهميش الخطابات المتطرفة وتأثيرها في أوساط الشباب.
- تنديد العلماء عبر وسائل الإعلام إضافة إلى خطب الأئمة وبين عائلات الإرهابيين ومختلف مواقع المؤسسات العمومية على شبكة الإنترنت بالفتاوى التي تبيح “الجهاد” المزعوم الذي تدعو إليه الجماعات الإرهابية وذلك بهدف إضعاف عملها الدعائي وتعزيز مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.
- بث العديد من برامج وآراء رجال الدين المعروفين بدعوتهم إلى الاعتدال والتسامح عبر القنوات الإذاعية والتلفزيونية التي يتتبعها الإرهابيون مثل القناة الاولى وقناة القرآن الكريم التي وضعت خصيصا للتصدي إلى الخطاب الراديكالي.
- تظافر الجهود الرامية إلى رفض الإسلام الراديكالي والتطرف العنيف بالإجماع في وسائل الإعلام في القطاع العمومي وتوجيه الدعوة باستمرار إلى القطاع الخاص إلى السير على نفس المنوال مما أدى إلى تسجيل انخفاض ملموس في إمكانية إعادة إحياء القدرات الإرهابية.
وعلى الصعيد الإقليمي، فالجزائر عضو في لجنة مكافحة الإرهاب في وسائل الإعلام ولجنة مكافحة الإرهاب على شبكة الإنترنت التابعة لجامعة الدول العربية.
 
8 - التدابير المعمول بها في التربية الوطنية
 
تخصص الجزائر منذ استقلالها ما يعادل 25٪ من ميزانيتها السنوية لقطاع التربية الوطنية. ومعدّل التمدرس بها من بين الأعلى في العالم.  إذ بلغ 98.4٪ عام 2014.
إنّ التربية والتكوين هما السبيلان الجوهريان والأكثر فعالية لمكافحة الظلامية والتطرف العنيف. وتقوم المدرسة الجزائرية، من حيث نشأتها وبرامجها التعليمية وبرنامجها الوطني الخاص بمكافحة العنف في الوسط المدرسي، المكرّسة في القانون التوجيهي للتربية الوطنية رقم 08 ـــ 04 المؤرّخ في 23 يناير/ كانون الثاني 2008، بدور هام في مكافحة التطرف العنيف والراديكالية.
إنّها مدرسة تهدف إلى تكوين مواطن يتمتع بمرجعيات وطنية راسخة ويرتبط ارتباطا وثيقا بقيم المجتمع الجزائري وقادر على فهم العالم الذي يعيش فيه والتكيف معه والتأثير فيه وفي نفس الوقت، جاهز للانفتاح على العالم الخارجي بدون أيّ عقدة.
تضطلع المدرسة الجزائرية بوظائف تعنى بالإرشاد والتنشئة الاجتماعية والتزويد بالمهارات أي أنّها تتيح للمتعلمين اكتساب المعارف والخبرة الضرورية لمواصلة التعلّم والاندماج في الحياة العملية وتلقينهم احترام القيم الروحية والأخلاقية والمدنية للمجتمع الجزائري والقواعد السلوكية في الأسرة التي تعدّ نواة المجتمع.  وتسمح المدرسة أيضا بتزويد المتعلمين بالمعارف والكفاءات الأساسية التي تمكِّنهم من الالتحاق بدراسات وتكوين التعليم العالي والحصول على منصب شغل ومواصلة التعلّم مدى الحياة.
تقوم المدرسة الجزائرية على مبادئ جوهرية يكفلها الدستور، وهي كالآتي:
· ضمان الحق في التربية؛
· ضمان التعليم؛
· إجبارية التعليم حتى سنّ السادسة عشر
· دور الدولة في ضمان تكافؤ فرص الاستفادة من التربية؛
· صياغة حقوق وواجبات التلاميذ والمعلمين ومدراء المؤسسات التربوية.
كما أنّ مادتين من القانون التوجيهي للتربية الوطنية تحميان المؤسسة التربوية من كلّ تأثير أو تلاعب إيديولوجي أو سياسي أو متحيّز.
وتمّت مراجعة برامج التعليم في إطار القانون التوجيهي للتربية الوطنية رقم 08 ـــ 04 المؤرّخ في 23 يناير/ كانون الثاني 2008. وتكفل هذه البرامج، بالتكامل مع باقي مكونات النظام التعليمي، تجسيد أهداف نقل القيم الوطنية وترسيخها:
- القيم الجمهورية والديمقراطية: تعزيز الوعي بالقانون واحترامه، احترام الغير والقدرة على الاستماع للآخر، احترام القوة الحاكمة وحقوق الأقليات.
- قيم الهوية الوطنية الثابتة (الإسلام والعروبة والأمازيغية) إذ تتماشى تنمية وتعزيز هذه القيم مع بعدها العالمي المتعلق بحقوق الإنسان والمواطنة وحماية الحياة والبيئة.
- القيم العالمية: تعزيز الفكر العلمي ومهارات التفكير والنقد والتحكم في أدوات الحداثة من جهة، وحماية حقوق الإنسان بكل أشكالها والدفاع عنها وحماية البيئة والانفتاح على ثقافات وحضارات العالم، من جهة أخرى.
ويشتمل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي على الفروع المعرفية التالية:
- التربية الإسلامية، وتستند إلى القيم الإنسانية والأخلاقية التي يثمِّنها الإسلام: التسامح والكرم والعدل والعمل والإخلاص. وتهدف هذه المادة إلى تعزيز السلوك السليم لدى المتعلم وتلقين ركائز الإسلام الخمس مع التدبر في بعض الآيات القرآنية والأحاديث.
- العلوم الإسلامية، التي تُلقن ابتداء من السنة الأولى من