طباعة هذه الصفحة

ترشيـد النفقات والتدقيق في المشاريع

سعيد بن عياد
22 سبتمبر 2015

فتح النقاش الذي باشره الوزير الأول مع نخبة من الخبراء الاقتصاديين في شتى التخصصات أفقا جديدا لمواجهة التحديات التي تحملها أزمة أسواق المحروقات، بحيث كانت المناسبة سانحة لرصد تشخيص جريئ للمؤشرات الراهنة وطرح تشكيلة من البدائل الممكنة التي تقود إلى بر الأمان دون إحداث اختلالات عميقة على مستوى الجبهة الاجتماعية.وتباينت الأفكار بين من دعا إلى انسحاب الدولة من المجال الاقتصادي وترك الباب مفتوحا على مصراعيه للقطاع الخاص، بما في ذلك الأجنبي ووقف التحويلات الاجتماعية من جانب. ومن دعا بالمقابل إلى اتباع مسار عقلاني يرتكز على التزام نظام تقشف مرن يحقق التوازن بين الصرامة المالية والحرص على إنجاز الاستثمارات المسطرة، على اعتبار أن المرحلة تقتضي إحداث قفزة على طريق النمو بتوظيف كافة الإمكانات والموارد الوطنية والمحلية.
وبالفعل، فإن المرحلة التي تطلق - تحت وطأة تراجع إيرادات المحروقات - ضوءاً برتقاليا يلفت الانتباه ويثير الانشغال تمنح مساحة مواتية لإعادة ضبط ورقة الطريق في المديين القريب والمتوسط، ضمن الخيار الاستراتيجي القائم على تأكيد دور الدولة (القطاع الاقتصادي العمومي) في مواصلة القيام بدورها ضمن المعايير التي تعتمدها الأسواق، مع تعزيز الشراكة مع القطاع الوطني الخاص والمتعاملين الأجانب الذين لديهم قناعة راسخة بالاستثمار المنتج في السوق الجزائرية.
ولعل أول ما ينبغي أن يجسد هذا التحول التكتيكي دون المساس بالتوجه الاستراتيجي للدولة الوطنية الاجتماعية، إعادة النهوض بقيمة العمل في المؤسسات وترقية الأداء في الورشات في ظل إعادة صياغة للأدوار ذات الطابع الاقتصادي للهيئات ومختلف المتدخلين، كما هو الحال للقائمين على الشأن المحلي، على غرار الولاة ورؤساء المجالس المنتخبة الذين يمكنهم أن يحققوا الكثير باقتصاد النفقات وترشيد البرامج والتدقيق في المشاريع.
وفي ضوء تبادل الرؤى وعرض الأفكار، تشكلت قناعة وسطية تراعي كافة المعطيات مع التركيز على اعتماد بدائل معقولة لا تؤثر على مكاسب عالم الشغل والمؤسسات التي يراهن عليها في إنجاز الوثبة نحو إرساء اقتصاد متنوع وغير مرتبط عضويا بالمحروقات التي تخضع بدورها إلى إعادة ترتيب من شأنه أن يزيل كافة الرواسب التي لا جدوى منها، من خلال اللجوء حتما إلى إخضاع مؤسسات القطاع للتدقيق الدوري، مما يزيل فيها “ذهنية الريع” وتوجهها بالتالي إلى دخول عالم الاستثمار المنتج للقيمة المضافة والانخراط في الديناميكية الجديدة التي تعتمد على ثلاثية الصناعة والفلاحة والسياحة كروافد تدفع بقطاعات أخرى مرتبطة إلى النمو مثل النقل والخدمات والتكنولوجيات.
وفي ظل هذا المناخ المتسم بالحيطة والحذر، بعيدا عن السقوط مبكرا في التشاؤم، تقف المؤسسة الاقتصادية الجزائرية على عتبة مرحلة تواجه فيها تحدي الديمومة والإسراع في مواكبة المؤشرات الراهنة بذهنية جريئة قادرة على إنجاز الهدف، من خلال الرهان على العنصر البشري والدفع بالكفاءات إلى مراكز اتخاذ القرار الاقتصادي. وتتوفر فرص كثيرة لبناء شراكة اقتصادية وطنية إنتاجية في مختلف القطاعات، انطلاقا من قاعدة التزام تجاه البلاد التي قدمت للمؤسسة الجزائرية بكل أنواعها الكثير، مثلما يؤكده قانون المالية التكميلي أملا في أن يتم شق الطريق نحو اقتصاد خارج المحروقات.