الموسيـــــــــقي ضمــــــــير أمتــــــــه.. والعبقريــــــــة الجزائريــــــــة ذللــــــــت الأزمــــــــات
استضاف فوروم القناة الإذاعية الثالثة الأول لهذا الموسم 2015 ـ 2016 الذي احتضنته قاعة بوخاري موقاري بالمعهد الوطني العالي للموسيقى، وساهمت في تنظيمه الأروكسترا السمفونية الوطنية، استضاف السيد عبد القادر بوعزارة مدير الأوركسترا ومحافظ المهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السمفونية، إلى جانب مسؤول الإعلام بالمهرجان سعدي رابحي، والمختص في علم الموسيقى ابراهيم بهلول، ومدير المعهد العالي للموسيقى جمال غازي، وراندي أدوم الملحقة الثقافية بسفارة السويد بالجزائر.
استهل مدير الأوركسترا الوطنية، السيد عبد القادر بوعزارة، حديثه في فوروم حصة “Acces libre” للإعلامية نريمان سعدوني، وناقشت موضوع “الموسيقى السمفونية: من يمارسوها ومن يستهلكها؟”، بوصف الموسيقى الكلاسيكية بأنها “حكيمة” ومبنية على قاعدة علمية: “الموسيقي هو ضمير الأمة، وهؤلاء الشباب يستطيعون أن يتحدثوا لغة واحدة بفضل الموسيقى”.
يقول بوعزارة: “بدأنا العمل وشعرنا أسود، وكانت المهمة صعبة ولكننا تحدينا العقبات وواجهناها”.. وأضاف: “لا داعي للتذكير بوضع البلاد في التسعينيات، والكل يعلم الظروف التي عملنا بها والمخاطرة والمجازفة، ولكن هنا تظهر العبقرية الجزائرية”.
أهميــــــــة التكويـــــــن والإعـــــــلام
أما جمال غازي فأجاب عن سؤال: هل عدد الشباب المنخرطين يرتفع؟ بالقول إن الشباب مهتمون جدا بهذا النوع من التظاهرات. وأشار غازي إلى أهمية التركيز على دلالة “سمفونية”، بالقول إن الحديث عن موسيقى سمفونية معناه أوركسترا وآلات مختلفة تعزف معا وتصنع جمالا واحدا ولحنا موحدا، والموسيقى ليست فقط مسألة صوت، ولكن الناس يأتون ليشاهدوا العازفين على المسرح، فالاهتمام ليس فقط بالاستماع ولكن بالمشاهدة أيضا. “هذا المفهوم لـ«السمفونية” مهم جدا وجاء هذا المهرجان ليؤكد على ذلك”، يقول غازي.
من جانبه، تطرق مسؤول الإعلام سعدي رابحي إلى الجانب الاتصالي الذي قال إنه مهم جدا، فالتحضير لا يكون فقط لشهر أو شهرين، فمجرد انتهاء دورة من المهرجان تعني بداية التحضير للدورة التالية. هذا التحضير يكون في جانبين: أولهما الجانب اللوجستيكي، فاستقدام هذا العدد من الموسيقيين ليس بالأمر السهل، فهناك المبيت والنقل والإطعام لـ 300 مشارك. وثانيهما الجانب الاتصالي، ومن أهم النقاط اختيار اللافتة الإشهارية، وقد يتطلب ذلك ثلاثة أشهر من النقاش بين المنظمين لأنها أول ما يجلب الاهتمام للمهرجان.
القفـــــــزة النوعيـــــــة
من جهته رجع المختص ابراهيم بهلول إلى سنة 1980 حينما كان المعهد الوطني للموسيقى تحت إدارة لمين بشيشي، وكان المتعاونون الروس يشرفون على تدريس الطلبة الجزائريين، وهؤلاء الطلبة هم الذين صاروا اليوم أساتذة.. “كنا نقيم حفلا كل أسبوع، ثم قررنا لأول مرة أن نقدم حفلا للجمهور، ولم يتجاوز عدد الحضور 18 شخصا، واليوم لا يجد الجمهور مكانا للجلوس في المسرح، وهذا دليل على أن هذه الموسيقى قطعت أشواطا كبيرة اليوم، وممن لهم الفضل في ذلك السيد بوعزارة”، يقول ابراهيم بهلول.
ليعود بهلول إلى حقبة أبعد، وبالضبط سنة 1965: “في حضور بن بلة ومحمـد بودية، انطلق قطار الثقافة من العاصمة وكان فيه كل الفنانين الجزائريين المعروفين آنذاك، والقطار كان يتوقف في كل مدينة لـ 3 ساعات.. وكان عازف كمان ومغني تينور يمثلان الموسيقى الكلاسيكية، وهنا أيضا إشارة إلى التطور من موسيقي فقط إلى 70 في الأوركسترا السمفونية”.
التربية الفنية هي الأساس
وعن سؤالنا حول دور التربية الفنية في اكتشاف المواهب وهي فتية، أجاب السيد عمارة يزيد الإطار بوزارة التربية الوطنية، بالإشارة إلى سعي الوزارة لتعميم التربية الموسيقية في المؤسسات التربوية، واعترف بأن عدد الإطارات المكونة ليس كافيا ولكن الإرادة في التكفل بهذه المسألة موجودة. وعقب السيد بوعزارة بالقول إنه هناك أصلا عمل مشترك مع قطاع التربية، ولكن هناك نقص كبير في الإطارات ومن المعروف أن العشرية السوداء كان لها دورها في هذا: “هناك إرادة سياسية حقيقية في البلاد، وقد استطعنا رغم الإمكانيات القليلة أن نظهر للجميع أن لدينا أوركسترا ذات مستوى عال”.
من جهتها، تحدثت راندي أدوم الملحقة الثقافية بسفارة السويد، عن التجربة السويدية، وركزت على الجانب التربوي، فالوصول إلى موسيقيي المستوى العالي هو ثمرة النظام التربوي السويدي حسبها: “الأطفال ليسوا مجبرين على اختيار آلة واحدة بل التجول بين الآلات وهو ما يسمح”، تقول أدوم. وأعطى ابراهيم بهلول أمثلة بدول التشيك والمجر والنمسا، فهناك يوجد في كل دائرة كونسرفاتوار، ويخرج الطفل من المدرسة إلى الكونسرفاتوار لتعلم الموسيقى وآلته في يده، ونفس الشيء بالنسبة للفن التشكيلي، ومن الجميل رؤية جيل كامل من الشباب يهتمون بالفن.
الموسيقي المحترف عملة نادرة
وعن نجاح مساعي الأوركسترا الوطنية يقول بوعزارة: “ما حدث لا علاقة له بالوصفة السحرية، بل هو الجدية والاعتماد على المعرفة، كما أننا نعتمد على الأكاديميين، صحيح أن الموسيقي المحترف عملة نادرة في وقتنا، ولكننا أكدنا على مقولة: الثقافة كنز ثمين، لأنها كل ما يبقى من الإنسان حينما يفقد هذا الأخير ذاكرته”.
أما التينور التونسي حمادي لاغا فاعتبر بأن هناك مستهلكين للموسيقى الكلاسيكية، والدليل هو القاعة الممتلئة عن آخرها خلال المهرجان: “صحيح أن أوروبا تملك التقليد، ولكننا نستطيع أيضا بلوغ هذا المستوى”.
من جهته، اعتبر المايسترو أمين قويدر بأن هنالك الممارسين، ولكن هناك أيضا محبو الموسيقى، فالقاعة دائما ممتلئة وهذا دليل نجاح. “الجوق الجزائري هو الوحيد الذي ينتقل إلى المدن الداخلية، لأنه في الدول الأوروبية هناك أوركسترات جهوية”، يقول أمين، مضيفا بأن الجمهور الجزائري ذواق، وفضولي، والقول بأن هذه الموسيقى خاصة بطبقة اجتماعية معينة، “فقد رأيت في المسرح جمهورا من كل الطبقات الاجتماعية” يخلص قويدر.