بعد صراع مع المرض، رحل الإعلامي الكبير المجاهد جلول ملايكة في صمت، عن عمر ناهز ٨٧، بعد عطاء كبير يشهد له الخاص والعام نضاله المستميت من أجل دعم حركات التحرر وايصال رسالة الجزائر المناضلة. ذكّر بها رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، في برقية تعزية للعائلة، مشيرا إلى مناقب وخصال الفقيد الذي عرفه في ميدان الشرف وعرف عنه استقامته وتفانيه في خدمة الجزائر.
نتذكر ما قاله الفقيد جلول ملايكة ـ الذي تقلد مناصب عدة وتولى مسؤوليات كثيرة أدى مهمته على أكمل وجه ـ نتذكر قوله الشهير لما كان مسؤول العلاقات مع حركات التحرر في جبهة التحرير الوطني: «أغلب زعماء الحركات التحررية الإفريقية تدربوا في الجزائر»، وتعود بنا هذه المقولة إلى ما تفوّه به الزعيم اميلكار كابرال «إن الجزائر قبلة الثوار».
جلول ملايكة، الذي ترك بصماته في الإعلام السمعي ـ البصري لما كان مقدما للأخبار في مؤسسة التلفزيون والحوارات التي أجرها مع شخصيات ونخب هو وجه سياسي أيضا معروف، فقد كان واحد من الأسماء التي ناضلت خلال الثورة التحريرية وبعد الاستقلال من أجل تقدم البلاد ورقيها.
ويرى الفقيد أن استقلال الجزائر أكبر إنجاز تحقق وأقوى محطة في تاريخ البلاد، التي انتفضت وثارت ضد ما كان المستعمر يروج له زورا وبهتانا «عدم وجود أمة جزائرية في التاريخ البشري». والملاحظ عن جلول ملايكة أنه يتفادى دوما الحديث عن نفسه، اعتقادا راسخا منه أن تاريخه من تاريخ الجزائر التي صغرت أمامها الأشياء وكبرت هي.
وقد قال كلما سئل عن نضاله، أنه جزء من نضال شعب فجر أكبر ثورة في التاريخ البشري غيّرت مجرى العلاقات الدولية وطرحت مفاهيم جديدة عن الحرية والانعتاق وحق الشعوب في تقرير مصيرها، أدرجت في وثيقة حقوق الإنسان. وقد أخطأت فرنسا التي اعتقدت أن القاء القبض على بعض من فجروا الثورة الجزائرية ومحاصرتهم وتعذيب من التحقوا بصف النضال أنها ستجهضها. العكس وقع، حيث امتد لهيب الثورة إلى مانهاتن، وتبين للعالم قاطب أن الجزائر لا تريد غير الاستقلال.
التحق جلول ملايكة بصف الثورة مبكرا بالولاية الرابعة التاريخية مباشرة، حيث كان ضابطا في الجيش وقام بعمليات عسكرية. ثم التحق برفاق الدرب بالحدود المغربية الجزائرية، وكُلّف بذلك في إطار دائرة التسليح، التي كان يُشرف عليها عبد الحفيظ بوالصوف، وكان منصور بوداود هو المسؤول على مستوى المغرب والحدود.
وتقلد بعد الاستقلال مناصب عدة منها مسؤول عن حركات التحرر لإفريقيا، فلسطين ومجموعة أمريكا اللاتينية حتى 1977.
انتخب نائبا بالمجلس الشعبي الوطني سنة 1977 ثم نائبا لرئيسه رابح بيطاط مدة 5 سنوات. كما انتخب في الفترة الثانية من 1977 إلى 1982 ثمّ من 1987 إلى 1992 نائبا ونائب الرئيس، ثمّ تقاعد في سنة 1992.
ظل الفقيد على مواقفه الثابتة، لم يتغير قيد انملة طيلة العشرية، مرددا ما تشبع به خلال الثورة التحريرية بأن الجزائر التي أعطت للعالم درسا في النضال والتف حولها الشعب واحتضن مرجعيتها النوفمبرية، لا يمكن أن يزعزعها أحد. وهو ما سجل في الميدان، حيث بقيت البلاد واقفة صامدة في محيط جيو ـ سياسي ملتهب مضطرب.