بعد أكثر من عشرية عن رحيلها الى عالم الخلود، تعود روح المطربة البدوية وهرم النغمة الشاوية الراحلة «بقار حدة»، لتخيم هذه الأمسية على قاعة مسرح قسنطينة الجهوي من خلال عمل مسرحي درامي أنتجه مسرح عنابة الجهوي عز الدين مجوبي، يروي المسيرة الحافلة لحياة الفقيدة، وهذا في إطار البرنامج المسرحي لتظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية.
هذا العمل الفني الذي يؤرخ مسرحيا لحياة هذه المرأة البسيطة التي تربعت على عرش الأغنية البدوية لأكثر من نصف قرن ويحمل عنوان:
«حدة يا حدة»، ألف نصه جلال خشاب وقاما بتصميم عرضه كل من صونيا وحبال البوخاري، وساعد في إخراجها بشير سلاطنية. تتقاسم أدواره على الركح إضافة الى الممثلة لينا لعريني التي تتقمص شخصية «بقار حدة الخنشة»،مجموعة مميزة من الممثلين المسرحيين: زكريا بباس، بشـير سلاطنيـة، عبد الرحمان جموعي، ســـامي غريـسي، حسين صويلح، عــبد الرزاق كتاش، محمـد حضـري، منــى بن سلطـان، أسمهان فرفار، جمـال صمادي، محمد عبد الكريم بوسعادة، محمد الصالح غجاتي، نزار سحنون، أمين محمد كنيوار، حرود خير الدين، زروال زكريا، محمد إلياس فرفار، وحيـدة كحلي وغادة ياسمين بن عمار.
وحسب ملخص المسرحية، فان هذا العمل الذي جاء ليرسم مسار «الشخصية الفنية بقار حدة» عبر محطاتها، الحياتية، الاجتماعية، الفنية
والنضالية، يعتبر من جانب آخر «رؤية جديدة لهذه الشخصية التي استطاعت الانفلات من القبضة «الباترياركية»، وآمنت بالرسالة الفنية، مسخرة لها تضحيات جسام، تبدأ بالتمرد المعلن على الحياة البائسة، ودفاعها عن الرسالة التي خلقت لأجلها، ويمتد إصدارها إلى ضرورة إثبات أحقية وجدارة الصوت الأنثوي في وسط مجتمع رجولي مانع دونه من اعتلاء كرسي الفن والنجومية».
وفي ندوة صحفية احتضنتها صباح أمس قاعة الندوات بمسرح قسنطينة الجهوي، أجمع كل من الدكتور جلال خشاب، مؤلف النص وصونيا، مديرة المسرح الجهوي بعنابة ومخرج المسرحية حبال البخاري، أن هذا العمل الدرامي والذي يستغرق 70 دقيقة ويستخدم اللغة الدارجة ويشارك فيه ممثلون محترفون وهواة، هو عبارة عن كشف جديد لهذه الشخصية التي عاشت مجد المرأة المتحررة لسنوات عديدة لكن المرأة أيضا التي ماتت في غياهب النسيان، حيث تركوا الرأي الأخير للمشاهد الذي سيحكم كما أشاروا على هذا العمل الدرامي والذي يعرض في ثلاث أمسيات.
ويجب التذكير في الأخير، أن الراحلة «بقار حدة» كانت حياتها الاجتماعية والفنية في الواقع مسرحية متعددة الفصول، وضعت أول خطواتها في عالم الغناء في سنة أربعين من القرن الماضي وهي ابنة العشرين، حيث صدح صوت هذه المرأة عاليا، ليلج عالما كان فقط حكرا على الرجال، وكان أول من أخذ بيدها العازف على آلة
«القصبة»، إبراهيم بن دباش، الذي أصبح فيما بعد زوجها ومرافقها في كل حفلاتها داخل
وخارج الوطن، فاستطاعت «بقار حدة» إبنة سوق أهراس، أو «حدة الخنشة» كما يلقبها البعض الأخر أن تتسلل الى كل القلوب العاشقة للنغمة البدوية والشاوية الحزينة بصوتها الشجي والتي ترافقها فيه نغمة «القصبة» الموحشة عن طريق باقة من الأغاني التي رفعت اسمها عاليا ورددتها الكثير من الحناجر، حيث نذكر من بين هذه الأغاني: «يا جبل بوخضرة، يا الجندي خويا، طريق تبسة، دمو سايح، بير حمودة، راكب لزرق، بابا سيدي، لسمر نشكيلو، طيري لخضر...».
غير أن «بقار حدة» وبعد أكثر نصف قرن من العطاء، وبعد وفاة زوجها والتعتيم الذي طال حياتها في جوانبها المختلفة، رحلت في صمت مطبق بين الجحود والنسيان، فهي التي غنت للثورة والحرية والمرأة و جبال ووديان الجزائر والحب و أخيرا الرجل الذي تنكر لهذه المرأة التي تحدت التقاليد بين الجنسين وفرضت نفسها كأيقونة من أيقونات الجزائر.
وللإشارة، فان العرض القادم سيخصص لمسرح سكيكدة الجهوي في مسرحية تحمل عنوان
«وداعا سيرتا « لـ «حركات شهلة» من 20 وحتى 22 أكتوبر الجاري.