تثير الأرقام التي صدرت حول قطاع الحبوب بتسجيل ارتفاع الواردات في النصف الأول من السنة الجارية، انشغال أكثر من طرف في ظل تداعيات تراجع إيرادات المحروقات وإعلان خيار ترشيد النفقات.
لقد أصبحت الفلاحة وجها لوجه أمام واقع سوق المحروقات، لتكون مركز اهتمام الدولة في بناء مسار الأمن الغذائي من خلال تنمية المحاصيل الاستراتيجية وذلك بتجاوز مرحلة التشخيص إلى مرحلة العمل في الميدان.
في هذا الإطار، بادر وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، بفتح الملفات الساخنة والثقيلة، معتمدا مقاربة إشراك المهنيين والمختصين في كافة الشُّعب الزراعية، خاصة القاعدية منها، كالبذور، مع إقحام قطاعات أخرى لها دور حاسم في إنجاح الخيارات الفلاحية مثل قطاع الموارد المائية والصناعة التحويلية.
في زيارته الأخيرة إلى ولاية البويرة، وقف الوزير فروخي على واقع مقلوب لا يمكن أن يستمر، عندما اطلع على شكاوى عدد من الفلاحين بخصوص معاناتهم من بيروقراطية القطاع، بإلزامهم مقابل الحصول على قرض الرفيق، باقتناء بذور البطاطس المستوردة بدل ترك الخيار لهم للتموّن بالبذور المنتجة محليا. وسجل الوزير مسألة البيروقراطية القاتلة للمبادرة والمتعارضة تماما مع الخيارات الكبرى لدعم الإنتاج الجزائري وكسر شوكة بارونات الاستيراد، مبديا اهتماما بالمشكل وضرورة معالجته في اجتماع مرتقب قبل نهاية الشهر الجاري بإشراك المهنيين والمختصين في مجال إنتاج البذور الاستراتيجية من خبراء المعاهد.
وبالفعل، فإن تراجع المحاصيل الاستراتيجية يدق ناقوس الخطر ويستدعي اتخاذ التدابير العملية بتدخل مختلف القطاعات التي ترتبط بالنمو الفلاحي وتتحمل جانبا في بناء منظومة الأمن الغذائي والمالي للبلاد في مواجهة الضغوط المالية التي تنجم عن أزمة أسواق المحروقات.
ومن هذه القطاعات، التي ينبغي أن تشتغل بنفس الوتيرة وبانسجام قطاعات الموارد المائية للرفع من معدل النمو لبعض المواد، كالحبوب والبطاطس والصناعة الغذائية، لاستيعاب وامتصاصا فائض الإنتاج، بتحويله إلى مواد مصنعة تعوض تلك المستوردة بل ويمكن تصديرها.
لقد ضخت أموال هائلة في مختلف برامج الدعم الفلاحي ولا يمكن عدم طلب كشف حساب من المتعاملين المستفيدين، بما في ذلك المتدخلين في صناعة وتسويق العتاد الزراعي وبالذات المتعلق بالسقي والري، في ظل استثمارات عمومية ضخمة لبناء السدود والمجمعات المائية ومحطات تطهير المياه المستعملة الموجهة للزراعة، في مواجهة شح الأمطار، كما هو الحال في هذا الموسم.
ولا يعقل أن يبقى البعض ممن يستفيدون من منظومة التمويل الفلاحي، من غير المنتجين في الميدان، يمارسون احتكارا بفرض التعامل مع مواد تستورد كالبذور، بينما توجد محليا وهو ما ينبغي للمصالح الفلاحية المحلية أن تواجهه بكسر الأمر الواقع وإطلاق سلوكات أكثر مسؤولية في إطار الشفافية التي لا مفر منها لعلاج داء الاستيراد المزمن والمدمر للقدرات الوطنية.