طباعة هذه الصفحة

مرجعيـة لحركات التحـرر في العالم

الثــورة الجزائريــة غيّرت مجــــرى العلاقــات الدوليـــة

فنيدس بن بلة

مشـروع مجتمـع وليـــــس إعـــلان حــرب

5 جويلية محطة حاسمة في تاريخ الجزائر المستقلة التي خاضت ثورة تحريرية غيّرت مجرى التاريخ والعلاقات الدولية، وصارت مضرب المثل لحركات التحرر في مختلف جهات المعمورة. ويكفي التذكير بمقولة الزعيم الإفريقي اميلكار كابرال “الجزائر قبلة الثوار”، لتأكيد دور النضال الجزائري الذي قلّب مفاهيم الحرية وقيم الانعتاق التي دوّنت في كتب قادة التحرر في العالم.
ولا زالت الثورة الجزائرية التي قادها شباب أجهضوا مشروع الاستعمار الاستيطاني تدرّس في كبريات المعاهد الحربية والأكاديميات.
وزير المجاهدين السابق، محمد الشريف عباس، توقف عند مبادئ وأهداف الثورة التحريرية التي ما زالت محلّ اهتمام المؤرخين والسياسيين وتتصدر الأفلام السنمائية. هي ثورة حررت الأرض والإنسان وأعادت له الدولة التي توقفت عام 1830 بفعل الاحتلال الفرنسي المردد أقاويل تغالط الرأي العام بالادعاء عدم وجود أمة في التاريخ الإنساني، أو أنه قدم إلى”أرض بلا شعب”.. وغيرها من الأكاذيب والميثولوجيا.
لكن بعد كل هذا، ما زالت أصوات جزائريين تتنكر لقوة التحرر الوطني وبعده ودلالته، بالادعاء أن بيان نوفمبر إعلان حرب  توقفت أهدافه عند نيل الاستقلال. وهناك من يذهب إلى الأبعد في المغامرة والتأويل الخاطئ، بالدعوة حسب اعتقاده إلى نوفمبر جديد؟
بالنسبة لشريف عباس، فإن هذه المهاترات، تعني السباحة عكس التيار. وهي لا تنم عن أناس يدركون مغزى التحرر الجزائري الذي تحقق بنضالات مريرة لم تتوقف منذ غزو الاستعمار الفرنسي البلد الآمن. وكانت المقاومة التي اختلفت أساليبها ومناهجها تصبّ في هدف واحد: أن الجزائر لا يمكنها أن تكون أرضا فرنسية.
وإن جلّ الكتابات لقادة المقاومة الشعبية والمنظمة والسياسية حتى إعلان شرارة الثورة في نوفمبر 1954، إنصبت حول إبراز الهوية الوطنية لمكوناتها الثلاثة: (الأمازيغية العربية الاسلامية). لا ننسى ما حسمه العلامة بن باديس في زمن تمادت فيه التأويلات للهوية الجزائرية والانتماء: “شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب”.
حسم بيان نوفمبر الإشكالية وأنهى الجدل العقيم، بوضعه مشروع مجتمع بعيد الأمد يجيب على السؤال الكبير، لماذا الثورة ومن يقودها، والأسلوب المنتهج. وبتفحص مضمون الوثيقة، ندرك أن من صاغها من الشباب المنتفض على الخوف والتردد، مدرك للغاية المنشودة. والتي تتمثل في قيام  ثورة شعبية من أجل استعادة السيادة وبناء أسس دولة ديمقراطية إجتماعية في إطار إسلامي.
شرع في تطبيق هذا البند بعد انتزاع الحرية، بمفاوضات قادها وفد متمرّس حافظ على الوحدة الترابية للبلاد وأفشل مشروع فرنسا ومناوراتها لفصل الصحراء.
للأسف، كل هذه المكاسب لم تنظر اليها النفوس الضعيفة بعين الرضى. وراحت تطلق أصواتا نشازا تشوّه صورة الجزائر المستقلة متخذة من مشاكلها وإخفاقاتها مبررا للتصعيد من تهجمها. لم تأخذ هذه الأطراف في الاعتبار رسالة الشهداء وقول بعضهم مثل ديدوش مراد “اذا استشهدنا فحافظوا على ذاكرتنا”.
53 سنة مرت على استعادة السيادة الوطنية، مكاسب تحققت وأخرى لم تنجز. لكن التعثر المسجل في بعض المجالات لا يبرر إطلاق العنان للسان للتفوه بأي شيء. أو ترك القلم يكتب أي شيء بعيدا عن أية موضوعية وأخلاقيات.
إنها مسؤولية ملقاة على عاتق الضمائر الحيّة التي تتحلى بثقافة التقييم والتقويم، لتجعل من التعثر قوة انطلاق نحو تصحيح الفجوات ليس بالترويج الهستيري للصورة السوداوية، بل باقتراح حلول ممكنة تعيد الثقة والمصداقية. ومثلما قاد شباب التحرر الوطني المرحلة وقدموا للجزائر أغلى الممتلكات فإن شباب اليوم مسؤول على حمايتها من تهديدات أخطار وتداعيات أوضاع مضطربة في محيط إقليمي ودولي هائج خاضع لحسابات أجندات خارجية لتأمين مصالح ومناطق نفوذ.