يصدر من حين لآخر كتاب حول التحولات المناخية ليثري شارع القراءة، غير أن قلة فقط من يتصدى لهذه المسألة- التي يمتد النقاش بشأنها إلى مختلف القارات- لما تتميز به من حتمية التشخيص الدقيق والتعمق في التحليل والقدرة على المساهمة في استشراف الرؤى التي تساعد الحكومات وأصحاب القرار في بلورة الحلول الممكنة.
في هذا الإطار صدر كتاب من الحجم المتوسط بعنوان مساهمات مناخية ظرفية لصاحبه كمال جموعي متخصص في التحولات المناخية الذي يعرض فيه عشر (10) مساهمات في الموضوع تتناول جوانب حيوية للموضوع وردت في فصول من أبرزها التحول المناخي والتنمية المستدامة، مجهودات التقليل من انبعاث الغازات في البلدان النامية، وسائل مكافحة التحول المناخي، التخطيط المناخي والتحول الطاقوي، نظام الشفافية المناخية، الاتفاق المناخي العالمي الجديد ما بعد 2020 ودور التربية والتكوين والتحسيس. وينقل المؤلف قارئه في رحلة على امتداد أكثر من 100 صفحة تتضمن مساهمات في المجهود المناخي العالمي للوقوف على مفاهيم ومعطيات تصب في مسار التحسيس والاتصال مع المجتمع وبالأخص المتعاملين المعنيين بانبعاث الغازات في ضوء المساعي الدولية التي تضع البلدان النامية على درجة من المسؤولية في بناء منظومة متوازنة لحماية المناخ، بحيث كافة الدول مدعوة للإفصاح عن مجهوداتها في التقليل من انبعاث الغازات في شكل مساهمات نوعية تؤسس على المستوى الوطني قاعدة لاتفاق مناخي عالمي جديد يعلن عنه قبل نهاية سنة 2015 الجارية، وهي الاتفاقية التي تلزم كافة الدول وفقا لمساهماتها وإمكانياتها.
ويوضح جموعي (وهو مهندس في الفلاحة شارك ممثلا للجزائر وإفريقيا في مفاوضات اتفاقية الأمم المتحدة حول التحولات المناخية منذ 2004 إلى اليوم). ويطرح صاحب المساهمات العشر (وهو اطار بوزارة البيئة) رؤية تؤسس لمسار الحد من انبعاث الغازات في آفاق 2030/2050 في ظل تعقد المسالة في بعض البلدان كون العديد من الأمور تتطلب المراجعة.
ويقتضي مثل هذا التوجه توسيع دائرة النقاش بين المتخصصين والباحثين من اجل التوصل إلى صياغة ورقة طريق محلية تأخذ في الاعتبار ما يتم إنجازه في مناطق أخرى من العالم الذي تحاصره أزمة اقتصادية ومالية تلقي بظلالها على كافة البلدان بالأخص منها تلك التي يرتبط اقتصادها بالمحروقات. ومن الطبيعي أن تنشغل الجزائر بما يدور حول التحولات المناخية في ضوء تغيرات للمؤشرات الاقتصادية والمالية جراء تداعيات أزمة أسواق المحروقات. ويعزز جموعي بحثه للمسالة بإطلاق تساؤلات ذات صلة من اجل تفجير الطاقات الفكرية ذات التخصص بما يعزز الموقف الجزائري في النقاش العالمي وبالتالي التموقع جيدا حول طاولة المفاوضات كي لا يبقى بلدنا على الهامش فيجد نفسه أمام التزامات دولية لم يساهم في صياغتها. والكتاب جدير بالمطالعة.