تسوية النزاعات يؤمّن الساحل من خطر التنظيمات الإجرامية
أثار موضوع منتدى “الشعب”، نقاشا ثريا بين المحللين الأمنيين والإعلاميين، وكذا المختصين، حول موضوع عولمة الإرهاب وتداعياتها الجيواستراتيجية، لما تشهده المنطقة العربية والإسلامية في الوقت الراهن من أزمات أمنية غير مسبوقة، بفعل انتشار ظاهرة الإرهاب وتخطيها الحدود الجغرافية.
وتم إثراء منتدى النقاش، بطرح جملة من المسائل، تقدمها التعريف الدقيق لشكل الإرهاب الحالي وجهة المصادر الممولة، وكيفية مواجهته وما مدى فاعلية الأجهزة الأمنية في التكيّف مع الأساليب الجديدة المنتهجة؟ وتقوية الجبهات الوطنية الداخلية لتفادي الوقوع في فخه، ومدى إبراز الاختلافات التي تميز تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام عن تنظيم القاعدة؟
وكيفية تجند الدول لمواجهة التنظيم في عمليات مشتركة؟ فضلا عن طرح إشكالية التجنيد عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، هي كلها استفسارات وغيرها...، طغت على نقاش المنتدى الذي تزامن والقضايا الساخنة التي يثيرها المجتمع الدولي حول موضوع مكافحة الإرهاب وتحديد مصادره.
وفي تدخله أثار اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد، قضية الاختلافات الجوهرية بين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” وتنظيم القاعدة سابقا، حيث طرح المتحدث مسألة اختلاف التنظيمين من ناحية استهداف المواقع وكذا الأهداف التي يسطرها وأسباب ظهوره في الوقت الحالي.
حيث تعود حيثيات ظهوره، إلى بروز الهند والصين كقوى عالمية اقتصادية وعسكرية جديدة منافسة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، بعد أن هيمنت سيطرة الأحادية القطبية خلال القرن الـ21، ما جعل القوى الكبرى تدخل في مواجهة مع القوى الجديدة من خلال دعم جماعات إرهابية متطرفة لاستهداف مصالح معينة وحماية مصالح الدول المنزوية تحت ألويتها على غرار العراق وبعض دول منطقة الساحل الإفريقي.
وتبرز فكرة إجهاض الثورات العربية التي شهدتها عدة دول في السنوات الماضية، عاملا من عوامل ظهور التنظيم الإرهابي «داعش» كواحدة من الأطروحات المسلم بها، وهو ما طرحه صحفي يومية «النصر» عبد الحكيم عن مدى وجود عمل استخباراتي يستهدف مشروع الثورات العربية على حد تعبيره.
وفي رده، أكد الخبير الأمني بن عومر بن جانة، فرضية استهداف الدول التي عرفت انتقالا سياسيا بعد ما يعرف بالثورات، موضحا أن دولة ليبيا كانت المحطة الأولى في مسعى إفشال إرادة الشعوب من خلال تدخل الحلف الأطلسي ومشاركته في القضاء على النظام المثار ضده بعد دعوات دولية بضرورة التدخل العسكري.
وأضاف الخبير أن دول الحلف الأطلسي أجبرت كل من روسيا والصين على الحيلولة دون استخدام حق «الفيتو» لرفض التدخل العسكري وهي خطوة واضحة لإفشال الاحتجاجات التي كانت قائمة آنذاك، موضحا أن روسيا والصين كانت حليفتين قويتين لليبيا إلا أن انصياعهما لمسعى الحلف الأطلسي دليل على ضغوط الحلف.
وتكرر سيناريو إجهاض مساعي بعض الدول في الانتقال الديمقراطي من مرحلة ما بعد الأزمة أو الحرب، مثلما يحدث في الوقت الراهن مع العراق وسوريا التي تعرفان صراعا صعبا مع التنظيم الإرهابي «داعش» الذي يسيطر على مدن بأكملها في العراق، لاسيما مناطق الثروات الطبيعية في العراق. ويعمل على تمزيق البنى الاجتماعية في سوريا، وهو ما أكده الخبير بن جانة مؤيدا فرضية إفشال الثروات.
من جهته قال محمد خلفاوي، الخبير الأمني والضابط السابق في جهاز الأمن، أن الصناعة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية بات امرا محسوما من خلال استغلال مناطق بؤر التوتر في العالم وجعلها مناطق تغذية للجماعات المتطرفة خدمة لمصالحه الشخصية، موضحا في رده على الصحفية كريمة بنور أن سياسة أمريكا هي خلق مناطق توسع اقتصادية على حساب الشعوب الضعيفة.
وأضاف الخبير أن صناعة الإرهاب القاري أصبح من ميزة الحكومات الأمريكية التي لا يخلو سجلها التاريخي من خلق الحروب ومحاربة الإرهاب، وذلك ما تجلى في حربها على تنظيم القاعدة في أفغانستان لما يعرف بتنظيم طالبان، موضحا أن اغتيال زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن دون محاكمته لدليل قاطع على عمله ضمن جهاز المخابرات الأمريكية وإلا كيف يفسر ذلك.
وتعد قضية إمكانية نأي الجزائر عن خطر الجماعات الإرهابية ومواجهتها خاصة تنظيم «داعش»، لاسيما في الظرف الحالي المحيط بها، وهو ما طرحه الصحفي عبدو أحمد من يومية «الصوت الآخر» الذي تساءل عن الإستراتيجية التي تعتمدها الجزائر لمواجهة عمليات قد تستهدفها مستقبلا.
وفي تعقيبه، قال الخبير الأمني بن جانة أن الجزائر تملك خبرة طويلة في مواجهة الإرهاب من خلال تجربتها السابقة، موضحا أن أسلوب إحلال السلام في منطقة الساحل الإفريقي مبادرة لقت ترحيبا واسعا كونها تعمل على مواجهة النزاعات التي تغذي الجماعات الإرهابية التي تستغلها الأخيرة في جمع السلاح والتوسع في الفئات الاجتماعية، مؤكدا أن توقيع اتفاق السلام لحركات الأزواد في مالي من شأنه تفادي الوقوع في أزمات أمنية.