لم يكن اليوم الـ20 من عمر محاكمة المتهمين وسماع الشهود في قضية الخليفة بنك، أمام محكمة الجنايات بمجلس قضاء البليدة، كبقية أيام المحاكمة التاريخية والمثيرة في بعض فصولها، كون سماع اعترافات الشهود هذه المرة، حملت ندما لبعض مسؤولي المؤسسات العمومية آنذاك عن إيداع أموال عمومية بالبنك الخاص، وعجزهم عن حمايتها واستردادها، لا في رأسمالها ولا في الفوائد المغرية التي عرضها البنك الخاص عليهم.
نسبة الفائدة توقع مسيري ومديري مؤسسات وطنية في شراك الخليفة بنك
اعترف مراد شرامي، مدير تعاضدية عمال الكهرباء والغاز، أن قرارا تم اتخاذه من قبل مجلس الإدارة، أفضى إلى إيداع في دفعة 5 ملايير سنتيم لدى بنك الخليفة الخاص في وكالته بوسط العاصمة، ليتقرر في مرة ثانية إيداع 5 ملايير أخرى في الثلاثي الأول من العام 2003. وعن الدافع من وراء تحويل أموال اعتبر بأنها كانت تشكل فائضا في أموال التقاعد، هو إغراؤهم بنسبة الفائدة المحددة وقتها بـ10٪. وعن الاستفادة الشخصية من بعض المزايا المعروضة من قبل البنك الخاص، قال المتحدث إن المزية الوحيدة المستفاد منها كانت تخص تخفيضات في النقل على مستوى الخليفة “آير وايز”، وأكد أنه تم استرجاع الـ5 ملايير الأولى فقط، فيما لايزال يجهل مصير بقية القيمة المودعة بالبنك الخاص.
الحال كان مشابها بمؤسسة أنظمة الإعلام الآلي الوطنية، حيث قالت الرئيس المدير العام بركان فضيلة في شهادتها، إن المدير الذي سبقها أودع 10 ملايير سنتيم لدى بنك الخليفة الخاص، لكنها لا تعلم إن تم استعادة المبلغ أم لا.
ولم يختلف نورالدين بن سعيداني، المدير العام بالنيابة لتعاضدية عمال الصناعات الكهربائية والغازية، في شهادة عنسابقيه، معترفا بإيداع 10 ملايير أيضا بالبنك الخاص على مراحل، لكنها لم تتمكن من استعادتها، وأكد أن نسبة الفائدة أسالت لعابهم، وكان تفكيرهم منصبا على نسبة الفائدة والأرباح التي ستجنى منها.
بدوره أدلى المدير العام السابق لمركز الدراسات والإنجازات العمرانية بسطيف، حميد درقاوي، أنه عند تنصيبه على رأس المركز تبين له إيداع ما يساوي الـ13 مليار سنتيم بالبنك الخاص، وأنه حاول استرجاع وسحب تلك الودائع، إلا أنه لم يتمكن إلا من سحب 5 ملايير سنتيم فقط، مؤكدا ضياع 8 ملايير رغم محاولات سحبها.
حتى مطابع الصحافة لم تسلم من مستنقع الفائدة...
لفتت شهادة الرئيس المدير العام السابق للمؤسسة الجزائرية للصحافة، عبد الكريم حموش، حينما اعترف بدوره قيام مؤسسته والتي هي عبارة عن مطبعة، بإيداع مبلغ (2) ملياري سنتيم بوكالة الخليفة بنك في بلكور، بعد أن كانت تودع بين أحضان مصارف عمومية هي البنك الوطني الجزائري والقرض الشعبي الجزائري، معترفا بعدم مقدرته استرجاع 1.7 مليار سنتيم، موضحا عدم استفادته من أي إغراء أو مزية، سوى تلك التي تعلقت بتسديد أجور العمال فقط.
شركة مختلطة أمريكية - جزائرية ضمن ضحايا الخليفة بنك...
صدمت شهادة محمد سعيد بغول، الرئيس المدير العام السابق لمؤسسة خدمات الآبار المختلطة، بشراكة جزائرية - أمريكية، حينما اعترف بإيداع أموال المؤسسة بوكالة حاسي مسعود في ولاية ورقلة، على دفعتين، شملت الدفعة الأولى 10 ملايير سنتيم ثم 5 ملايير سنتيم. وأضاف في أقواله التي أدلى بها، جهله إن تم استرجاع تلك الأموال المودعة، لأنه لم يبق على رأس المؤسسة التي تركها في العام 2004.
كانت شهادة المستجوبين من مسيري ومديري مؤسسات عمومية، مبيّنة لحقيقة واحدة، تلخصت في أن غالبية المسؤولين المستجوبين، أصابهم غرور الفائدة المقترحة من قبل البنك الخاص. كما أن شهاداتهم بينت وللمرة الأولى منذ تاريخ انطلاق المحاكمة، أنهم لم يستفيدوا من امتيازات الحصول على بطاقات “طلاسو” أو النقل الجوي المجاني أو السيارات مثل سابقيهم، بل بالعكس ضيّعوا الملايير من المال العام دون أن يتمكنوا من استرجاعها، أو الفرحة بالأموال المتحصل عليها من نسبة الفائدة المقترحة من وكالات بنك الخليفة الخاص وقتها، وهي ما جعلت الكثير منهم يبدي ندمه ويقر بتوبة نصوح، ويحلف بأغلظ الإيمان عدم المغامرة والمخاطرة مستقبلا، كونهم ارتكبوا “خطأ مهنيا” لا يغتفر.