انتشرت في الآونة الأخيرة قصّات شعر غريبة وسط الشباب الذي أصبح يقلد الضفة بطريقة عمياء جعلته يكاد ينسلخ عن العادات والتقاليد التي تميز المجتمع الذي ينفرد بخصائص عن المجتمعات الأخرى...
سألت “الشعب” عن سر تقليد الشباب لهذه القصات التي لديها مدلولاتها الخاصة داخل المجتمعات التي ظهرت فيها....
امين – س واحد من الشباب الذين لم يتجاوز عمره العشرين سنة، وجدناه في ساحة أودان ينتظر الحافلة المتجهة الى باب الوادي، ولكن ما لفت انتباهنا هي القصة التي كانت غريبة ...حلق شعره ولم يترك سوى خصلة قليلة من الأمام مع رسوم فوق فروة الشعر لرموز غريبة، سألته “الشعب” عن اختياره لهذه التسريحة الغريبة، فقال:« هي واحدة من أشهر القصات وهي تعرف رواجا كبيرا بين اللاعبين في البطولة الاروبية اخترتها لأنها مميزة جعلتني ألفت الانتباه في أي مكان أذهب إليه، لذلك أنا مرتاح جدا لاختياري، والحمد لله أنني وجدت الحلاق الذي نفذها بكل براعة”.
وعن رأي والديه بشأن هذه القصة، فأجاب أمين – س قائلا:«وما دخلهما في تسريحتي، هذه حرية شخصية ولي كامل الحرية في أن اختار التسريحة التي تناسبني وان لم تعجبهما،... هذا هو جوابي عندما طلب مني والدي تغييرها لأنه يراها مبتذلة، حتى والدتي رفضت هذه القصة وقالت انها ليست الموضة التي تناسب عائلتنا ومجتمعنا، حقيقة استغربت ردة فعلهما، لأنني لم أقم بأي شيء يمس عائلتي أو ينقص من احترامها، ولكن ربما الفرق بين الأجيال هو السبب وراء هذا التشنج و التصادم بيننا.”
صابر زيري حلاق ببرج البحري سألناه عن سر الإقبال الكبير للشباب على هذه القصات الغريبة فقال: “انتشرت في الآونة الاخيرة تسريحات بين الشباب ما أنزل الله لها من سلطان فهناك من يقصّ كل شعره ولا يترك إلا غرة في مقدمة الرأس أو آخره مع صبغ الخصلة باللون الذهبي حتى وإن كان الشاب شديد السمرة، فلا يهم المهم تقليد هذا اللاعب أو ذاك، أما البعض الآخر فيختار قصات شعر المغنيين ولا يهم إن كانت تليق بالبنات لأن في العادة الشعر يبقى منسدلا في الامام على جهة واحدة من العين، وان يعطيه شعر أشواك القنفذ، أو أن يحلق شعره كليا ويترك خصلة طويلة في الوسط.”، يتوقف قليلا ليضيف قائلا: “كشخص أرفض أن ينقاد الشباب وراء هذا التقليد الاعمىلأنه فارغ من المحتوى، ولا يعطي صاحبه قيمة بل يجعل منه مسخرة للكثير من الناس، ولكن عملي كحلاق يجعلني غير قادر على فعل شيء لأنه زبون حر في اخياراته التي يريدها لأنها مسؤوليته وحده ولا أحد غيره، ولكن ما استغرب له هو سلوك بعض الأولياء الذين يحضرون أبناءهم ويطلبون مني حلق شعرهم بتلك الطريقة الغريبة والمجنونة، فبدل أن يكون لابنه القدوة الحسنة يجعله يؤمن بأن الإنسان مظهر ولا شيء غير ذلك.”
سمير –ب ، موظف بإحدى المؤسسات العمومية، سألناه عن سبب اختياره لقصة شعر عادية بعيدة عما يقبل عليه الشباب اليوم فقال: “ لا أعرف إن كان يعلم هؤلاء الشباب والمراهقين عن سر تلك القصات ولكن أخبرك أن أغلبها مرتبط بمعاني ومفاهيم تتناقض تماما و تقاليد المجتمع الذي نعيش فيه بل حتى وديننا الحنيف لأنها قصات شعر لاعبين ومغنين شواذ لذلك تجد بعضها تميل إلى كونها قصات شعر نسوية وان تجد فتيات بقصات شعر رجالية، فكما “تايباس” هي موضة صنعها الشواذ تلك القصات كذلك.”، يستطرد قائلا: “ أتعجب من شاب يجعل من نفسه أضحوكة بسبب الموضة، وأتعجب أكثر عن سبب اختياره للموضة الشاذة فهناك ممثلين أو لنقل قصات شعر رجالية جميلة تزيد من أناقة الشاب وجاذبيته ولكنها لا تلقى رواجا سوى لدى الشباب الذين يتجاوز سنهم الخامسة والثلاثين، فالمراهقين هم الاكثر اقبالا على هذه القصات الشاذة، ومتأكد انهم عندما يصلون الى سن معينة سيعون أن سلوكهم ذاك كان خاطئا وكان الاجدر بهم الاستماع الى نصيحة الأولياء الذين اختزل دورهم اليوم في توفير المأكل والمشرب أما غير ذلك فهو من صميم الحرية الشخصية للأبناء ولعله هذا هو السر في الانحلال الذي يعيشه المجتمع اليوم.”
أمينة والي، طالبة جامعية بمعهد علم النفس، تقول عن الظاهرة: “ أصبح الرجال اليوم ينافسون النساء في الاعتناء بمظهرهم الخارجي وصاروا أكثر اطلاعا على أنواع الصباغ وآخر صيحاتها، و لكن المثير للاهتمام هي تلك القصات الغريبة التي غزت رؤوس شبابنا ومراهقينا الذين يقلدون الغرب تقليدا أعمى دون انتقاء أو اختيار، والعجيب أنهم يختارون كل شيء يلفت الانتباه، فتراهم يتباهون بغرتهم أو شعيراتهم وسط محيط يقف عاجزا عن فعل شيء لمواجهة الضياع الذي يعيشه شبابنا ومراهقينا.”وتلاحظ قائلة: “ تؤكد تلك القصّات الغريبة وجود نقص واضح في التعامل، وحاجة صاحبها إلى شد الانتباه له و هذا أمر مرده إلى المشاكل التي تعيشها الأسرة في المجتمع، لذلك علينا كأفراد وكمجتمع بما يملك من وسائل مختلفة إعلامية، دينية، ثقافية وتربوية وغيرها أن تساهم بفاعلية أكبر من أجل التوعية والتحسيس بالخطر القادم من الغرب الذي يستعمل سلاحا قويا هو القنوات الفضائية التي أصبحت المحرك الأساسي لكل التغييرات التي يعرفها مجتمعنا.”
الفراغ الذي يعيشه الشباب أهم سبب
للتعرف أكثر على هذه الظاهرة سألت “الشعب” المختصة النفسية سميرة فكراش التي أرجعته الى الفراغ الذي يعيشه الشاب أو المراهق في حياتهما و كذا بحثهما المستمر عن الهوية فالمجتمع في الفترة الاخيرة أصبح يعيش أزمة أخلاقية حقيقية، لذلك تجد الشاب أو المراهق يعيش في عالم افتراضي بعيد كل البعد عن واقعه، ما يجعله يتقمص شخصية الآخر بكل تفاصيلها حتى تلك التي لا تناسب المجتمع الجزائري وتقاليده الذي يعرف حراكا و تغيرا في مكوناته.وشدّدت سميرة فكراش على أهمية الدور الذي يلعبه الأولياء في الحد من هذه الظاهرة التي جعلت المراهق والشاب خارج المجتمع الذي يعيشان فيه، ولكن استقالة الأولياء عن أداء الأدوار التربوية المنوطة بهم زاد من الهوة بينهم وبين أبنائهم، ما جعل التواصل بينهما غير موجود، ما أدى إلى غياب القدوة والمثل الأعلى، هذا الغياب جعل الشاب أو المراهق يصنع لنفسه مثالا وقدوة لا يتلاءم وما تربى عليه من تقاليد وأعراف.
وعلى الآباء، حسب سميرة فكراش، ان يكونوا القدوة الحسنة لأبنائهم بمد جسور التواصل معهم بإتباع أسلوب المناقشة وخلق أبواب للحوار بعدم تنفيرهم، أمن السيئ أن نقول شيئاً ونفعل شيئاً آخر ليكون حضور الأولياء في حياة أبنائهم حضورا فعليا وليس حسيا فقط لأن دورهم لا يقتصر فقط على إنجابهم فقط.